صور‭ ‬مسيئة‭ ‬يتم‭ ‬تداولها‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬الأفارقة‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬يهاجمون‭ ‬الأمن‭ ‬التونسي‭ ‬ويعتدون‭ ‬بشكل‭ ‬عنيف‭ ‬على‭ ‬سيارة‭ ‬تابعة‭ ‬لوحدات‭ ‬الحرس‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬أقل‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬عنه‭ ‬انه‭ ‬لا‭ ‬يليق‭ ‬بتونس‭ ‬وأمنها‭. ‬

وهذه‭ ‬الصور‭ ‬قادمة‭ ‬من‭  ‬الحمايزية‭ ‬وهي‭  ‬منطقة‭ ‬ساحلية‭  ‬من‭ ‬معتمدية‭  ‬العامرة‭ ‬التابعة‭ ‬لولاية‭ ‬صفاقس‭. ‬إذ‭ ‬تفيد‭ ‬المعلومات‭ ‬الواردة‭ ‬من‭ ‬هناك‭ ‬انه‭ ‬لوحظ‭ ‬تمركز‭ ‬كبير‭ ‬لعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الأفارقة‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬استوجب‭ ‬تدخل‭ ‬الأمن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬الوضع‭ ‬خطيرا‭ ‬وهناك‭ ‬مساس‭ ‬بالسلم‭ ‬الأهلية‭ ‬جراء‭ ‬الاحتكاك‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬سكان‭ ‬المنطقة‭.‬

ويبدو‭ ‬أن‭ ‬الدورية‭ ‬المعنية‭ ‬قد‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬بدور‭ ‬وقائي‭  ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬تم‭ ‬إجلاء‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬إلى‭ ‬المناطق‭  ‬الحدودية‭ ‬مع‭ ‬الجزائر‭ ‬وليبيا‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الذهيبة‭ ‬والكاف‭ ‬والقصرين‭.‬

وقامت‭ ‬الدورية‭ ‬بإتلاف‭ ‬بعض‭ ‬القوارب‭ ‬الحديدية‭  ‬الموجودة‭ ‬بالمنطقة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أثار‭ ‬غضب‭ ‬هؤلاء‭ ‬المهاجرين‭ ‬الذين‭ ‬ردّوا‭ ‬الفعل‭ ‬بشكل‭  ‬عنيف‭ ‬جدا‭  ‬وألحقوا‭ ‬الأذى‭  ‬بالأعوان‭ ‬وبالسيارة‭ ‬التي‭ ‬قلبوها‭ ‬ورقصوا‭ ‬فوقها‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬يقوموا‭ ‬بحرقها‭ ‬بشكل‭  ‬مستفز‭ ‬وهو‭ ‬اعتداء‭ ‬همجي‭ ‬واضح‭ ‬ولا‭ ‬لبس‭ ‬فيه‭.‬

وثمة‭ ‬أخبار‭ ‬مفادها‭ ‬انه‭ ‬وقع‭ ‬افتكاك‭ ‬سلاح‭ ‬احد‭ ‬أعوان‭ ‬هذه‭ ‬الدورية‭ ‬أيضا‭. ‬

وتفيد‭ ‬المعطيات‭ ‬الأولية‭ ‬أن‭ ‬المعتدين‭ ‬ومعهم‭ ‬مجموعة‭ ‬أخرى‭ ‬كانوا‭ ‬يتمركزون‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬استعدادا‭ ‬لتنفيذ‭ ‬عملية‭ ‬احرقةب‭ ‬إلى‭ ‬ايطاليا‭ ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬المراكب‭ ‬جاهزة‭ ‬وهم‭ ‬يعدون‭ ‬العدة‭ ‬للرحيل‭. ‬ولكن‭ ‬إحباط‭ ‬مشروعهم‭ ‬قد‭ ‬أثار‭ ‬غضبهم‭ ‬وجعلهم‭ ‬يردّون‭ ‬الفعل‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬العنيف‭ ‬جدا‭ ‬إزاء‭ ‬الأمن‭ ‬التونسي‭. ‬وطبعا‭ ‬جراء‭ ‬هذه‭ ‬الحادثة‭ ‬تواجدت‭ ‬تعزيزات‭ ‬أمنية‭ ‬كبيرة‭ ‬بالمنطقة‭ ‬مع‭ ‬إيقاف‭ ‬المعتدين‭ ‬وإجلاء‭ ‬بعض‭ ‬الأفارقة‭ ‬الموجودين‭ ‬هناك‭. ‬والآن‭ ‬نحن‭ ‬وبوضوح‭ ‬أمام‭ ‬ضرب‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬هؤلاء‭ ‬وتهديد‭ ‬الأمن‭ ‬العام‭ ‬والسلم‭ ‬الأهلي‭. 

هذا‭ ‬عن‭ ‬تفاصيل‭ ‬الخبر‭ ‬ولكن‭ ‬ثمة‭ ‬الكثير‭ ‬مما‭ ‬يقال‭ ‬بشأنه‭ ‬تعليقا‭ ‬وتحليلا‭ ‬وتأويلا‭.‬

علينا‭ ‬الإقرار‭ ‬بداية‭ ‬بأن‭ ‬قضية‭ ‬توافد‭ ‬الأفارقة‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬الى‭ ‬بلادنا‭ ‬ليست‭ ‬ظرفية‭ ‬وان‭ ‬التوافد‭ ‬سيتواصل‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬نحصّن‭ ‬حدودنا‭ ‬بمنتهى‭ ‬الصرامة‭ ‬والقوة‭.‬

‭ ‬وهذه‭ ‬قضية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بشبكات‭ ‬إقليمية‭ ‬لتهريب‭ ‬البشر‭  ‬وهي‭ ‬تنشط‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬موجات‭ ‬في‭  ‬أوقات‭ ‬معينة‭ ‬ويخفت‭ ‬نشاطها‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬أخرى‭ ‬وفق‭ ‬الظروف‭ ‬الأمنية‭ ‬والسياسية‭ ‬للمناطق‭ ‬التي‭ ‬تتحرك‭ ‬فيها‭ ‬وتتأثر‭ ‬حتى‭ ‬بحالات‭ ‬الطقس‭. 

والحقيقة‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬المعضلة‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نهوّن‭ ‬من‭ ‬خطورتها‭ ‬أو‭ ‬نتعامل‭ ‬معها‭ ‬بمنطق‭ ‬رجال‭ ‬المطافئ‭ ‬كلما‭ ‬اشتعل‭ ‬حريق‭ ‬نهبّ‭ ‬لإطفائه‭ ‬فلابد‭ ‬من‭ ‬حلها‭ ‬بشكل‭ ‬جذري‭. ‬وقد‭ ‬بينت‭ ‬الوقائع‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬أن‭ ‬الحل‭ ‬الأمني‭ ‬وحده‭ ‬لا‭ ‬يكفي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬مواجهة‭ ‬المشكلة‭ ‬تبدأ‭ ‬في‭ ‬تقديرنا‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬السؤال‭ ‬المركزي‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬يأتي‭ ‬هؤلاء؟

والإجابة‭ ‬حتما‭ ‬ستحدد‭ ‬أشكال‭ ‬التعامل‭ ‬والتعاطي‭ ‬وأولها‭ ‬تحصين‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬المناطق‭ ‬التي‭ ‬ينفذون‭ ‬منها‭ ‬ثم‭ ‬التنسيق‭ ‬بشكل‭ ‬جدي‭ ‬مع‭ ‬البلدين‭ ‬المجاورين‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬معمولا‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬فترات‭ ‬كثيرة‭.‬والأكيد‭ ‬أننا‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬إيجاد‭ ‬معدات‭ ‬متطورة‭ ‬ترافق‭ ‬الجهد‭ ‬الأمني‭ ‬على‭ ‬حدودنا‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬المراهنة‭ ‬عليه‭. ‬

ومن‭ ‬الملاحظ‭ ‬أن‭ ‬مخاطر‭ ‬هذه‭ ‬الموجات‭ ‬من‭ ‬الوافدين‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭ ‬ما‭ ‬فتئت‭ ‬تتزايد‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬مواجهتها‭ ‬عبر‭ ‬التنسيق‭ ‬الإقليمي‭.‬

والأكيد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬الشائك‭ ‬متعدد‭ ‬الأبعاد‭ ‬فهو‭ ‬أمني‭ ‬وسياسي‭ ‬واقتصادي‭ ‬واجتماعي‭ ‬ولتفكيكه‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬مقاربة‭ ‬متعددة‭ ‬التخصصات‭ ‬أيضا‭. ‬

هذا‭ ‬مع‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬تعد‭ ‬أرض‭ ‬عبور‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأفارقة‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬والذين‭ ‬يتوافدون‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬بلدان‭ ‬كثيرة‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬بلدان‭ ‬الضفة‭ ‬الشمالية‭ ‬للمتوسط‭ ‬معنية‭ ‬أيضا‭ ‬بالتدخل‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬نلمسه‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬رغم‭ ‬لقاءات‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬الاوروبيين‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى‭ ‬مع‭ ‬الجانب‭ ‬التونسي‭. ‬وكأن‭ ‬الملف‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬يراوح‭ ‬مكانه‭. ‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬أعلنت‭ ‬بوضوح‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬شرطي‭ ‬مرور‭ ‬في‭ ‬حوض‭ ‬المتوسط‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأوروبيين‭ ‬يصرّون‭ ‬على‭ ‬حصرها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ترتضيه‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭. ‬

ولا‭ ‬ننسى‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬اتهمت‭ ‬بالعنصرية‭ ‬عندما‭ ‬قررت‭ ‬مقارعة‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬خلفها‭ ‬عصابات‭ ‬منظمة‭ ‬للاتجار‭ ‬بالبشر‭. ‬ولعله‭ ‬آن‭ ‬الأوان‭ ‬لطرح‭ ‬هذا‭ ‬المشكل‭ ‬بأكثر‭ ‬جدية‭ ‬وطرح‭ ‬فرضية‭ ‬الترحيل‭  ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬الحل‭ ‬الوحيد‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تحصين‭ ‬الحدود‭ ‬ومجابهة‭ ‬المارقين‭ ‬عن‭ ‬القانون‭ ‬بالعنف‭ ‬الشرعي‭ ‬الذي‭ ‬تحتكره‭ ‬الدولة‭ ‬وعلى‭ ‬الطرف‭ ‬الأوروبي‭ ‬تحمل‭ ‬مسؤوليته‭ ‬كاملة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬الشائك‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

الديبلوماسية استشراف وتوقّع وليست عملا روتينيا..

اعتمدت تونس طوال تاريخها على ما يمكن أن نسمّيه الديبلوماسية الهادئة بعيدا عن الصخب والاستع…