هل‭ ‬غياب‭ ‬الاتصال‭ ‬الحكومي‭ ‬اختيار‭ ‬أم‭ ‬موقف‭ ‬من‭ ‬الإعلام‭ ‬الوطني‭ ‬أم‭ ‬هو‭ ‬استراتيجية‭ ‬تواصلية‭ ‬جديدة؟

هذا‭ ‬السؤال‭ ‬نطرحه‭ ‬بكل‭ ‬جدية‭ ‬ونحن‭ ‬نلمس‭ ‬أسلوبا‭ ‬غريبا‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬المعطيات‭ ‬للإعلام‭ ‬الوطني‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬بلاغات‭ ‬جافة‭ ‬في‭ ‬الصفحات‭ ‬الرسمية‭ ‬للوزارات‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬النشاط‭ ‬الروتيني‭ ‬للوزراء‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬الفايسبوك‭ ‬المنسوبة‭ ‬لهذه‭ ‬الوزارة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭. ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬بعضها‭ ‬أصبح‭ ‬بمثابة‭ ‬صفحة‭ ‬شخصية‭ ‬لبعض‭ ‬الوزراء‭. ‬في‭ ‬ظل‭ ‬غياب‭ ‬تام‭ ‬لعلاقة‭ ‬تفاعلية‭ ‬مباشرة‭ ‬وحيوية‭ ‬مع‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬توصل‭ ‬ما‭ ‬يودّ‭ ‬أن‭ ‬يقوله‭ ‬المسؤول‭ ‬للتونسيين‭ ‬وتبلغ‭ ‬له‭ ‬حيرتهم‭ ‬أيضا‭ ‬إزاء‭ ‬بعض‭ ‬الملفات‭ ‬والقضايا‭. ‬وهي‭ ‬العلاقة‭ ‬السليمة‭ ‬والطبيعية‭ ‬بين‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬والسلطة‭ ‬الرابعة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬البلدان‭ ‬الديمقراطية‭.‬

نقول‭ ‬هذا‭ ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬رئاسة‭ ‬الحكومة‭ ‬التونسية‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬ناطقا‭ ‬رسميا‭ ‬باسمها‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬وقت‭ ‬ليس‭ ‬بالقصير‭ ‬منذ‭ ‬تولي‭ ‬السيد‭ ‬احمد‭ ‬الحشاني‭  ‬المسؤولية‭ ‬على‭ ‬رأسها‭.‬

ولعله‭ ‬لهذا‭ ‬كلّه‭ ‬مافتئت‭ ‬نبرة‭ ‬التذمر‭ ‬تتنامى‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الصحفيين‭ ‬التونسيين‭ ‬والمتابعين‭ ‬للشأن‭ ‬العام‭ ‬عموما‭ ‬مع‭ ‬غياب‭ ‬المعلومة‭ ‬من‭ ‬الجهات‭ ‬هذه‭ ‬المعلومة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أساس‭ ‬عمل‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬ومصدر‭ ‬إخبار‭ ‬المتلقي‭ ‬التونسي‭.‬

وتجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص‭ ‬إلى‭ ‬ان‭ ‬مهمة‭ ‬الملحق‭ ‬الإعلامي‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الوزارات‭ ‬تراجعت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬رغم‭ ‬ان‭ ‬أكثرهم‭ ‬كانوا‭ ‬يشكلون‭ ‬الواسطة‭ ‬بين‭ ‬الصحفي‭ ‬والمسؤول‭ ‬ويقدمون‭ ‬المعطيات‭ ‬الشافية‭ ‬والضافية‭ ‬لهم‭. ‬لكن‭ ‬بعضهم‭ ‬اليوم‭ ‬أصبح‭ ‬مجرد‭ ‬مقرر‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬الوزراء‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬دوره‭ ‬يكون‭ ‬إداريا‭ ‬وليس‭ ‬اتصاليا‭. ‬وهذه‭ ‬إحدى‭ ‬المعضلات‭ ‬المطروحة‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬الاتصال‭ ‬الحكومي‭. 

وغياب‭ ‬المعطيات‭ ‬الدقيقة‭ ‬والواضحة‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬الجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬بشأن‭ ‬كل‭ ‬الملفات‭ ‬المطروحة‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬أمام‭ ‬الإشاعات‭ ‬وانتشار‭ ‬الأخبار‭ ‬الزائفة‭ ‬ويفتح‭ ‬الباب‭ ‬لوسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لتروّج‭ ‬ما‭ ‬يحلو‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬معطيات‭ ‬بهدف‭ ‬إلهاء‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬توجيهه‭ ‬نحو‭ ‬مسألة‭ ‬بعينها‭.‬

وهذا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬هذه‭ ‬الأيام،‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬ظاهرة‭ ‬خطيرة‭ ‬جدا‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬بروز‭ ‬بعض‭ ‬المحللين‭ ‬في‭ ‬المنابر‭ ‬الإعلامية‭ ‬الخاصة‭ ‬الذي‭ ‬انبروا‭ ‬للقيام‭ ‬بدور‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬صميم‭ ‬اختصاصهم‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬تقديم‭ ‬بعض‭ ‬المعطيات‭ ‬التي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬الجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬وحدها‭ ‬من‭ ‬تتوفر‭ ‬عليها‭. ‬وليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب‭ ‬فهم‭ ‬بدعوى‭ ‬االحصريةب‭ ‬يبثون‭ ‬آراء‭ ‬بدعوى‭ ‬أنها‭ ‬أخبار‭ ‬وهي‭ ‬أخطاء‭ ‬قاتلة‭ ‬ولا‭ ‬احد‭ ‬يحاسبهم‭ ‬عليها‭.‬

ولا‭ ‬يكتفون‭ ‬بهذا‭ ‬بل‭ ‬ينسبون‭ ‬بعض‭ ‬الأقوال‭ ‬إلى‭ ‬المسؤولين‭ ‬أو‭ ‬يؤوّلون‭ ‬مقولاتهم‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المسؤول‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬كذا‭ ‬أو‭ ‬يقصد‭ ‬كذا‭ ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬احد‭ ‬من‭ ‬السلطات‭ ‬الرسمية‭ ‬يتدخل‭ ‬ليوقف‭ ‬هذا‭ ‬النزيف‭ ‬الكلامي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينتهي‭. ‬

يحدث‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬صمت‭ ‬حكومي‭ ‬رهيب‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لندوات‭ ‬صحفية‭ ‬أو‭ ‬نقاط‭ ‬إعلامية‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬توضح‭ ‬للتونسيين‭ ‬ملابسات‭ ‬بعض‭ ‬الوقائع‭ ‬أو‭ ‬تخبرهم‭ ‬ببعض‭ ‬المسائل‭ ‬وتداعياتها‭ ‬عليهم‭.‬

والأكيد‭ ‬أن‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬اتصالية‭ ‬جديدة‭ ‬للحكومة‭ ‬أمر‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭ ‬وسيخلق‭ ‬دينامية‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬علاقتها‭ ‬بوسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الوطنية‭. ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬استراتيجية‭ ‬اتصال‭ ‬لضمان‭ ‬علاقة‭ ‬تواصلية‭ ‬مستمرة‭ ‬ومنتظمة‭ ‬مع‭ ‬الصحفيين‭ ‬هي‭ ‬ضرورة‭ ‬وليست‭ ‬اختيارا،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬جديا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬أيضا‭.‬

ولعله‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬التفكير‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬ندوات‭ ‬صحفية‭ ‬متواترة‭ ‬بشأن‭ ‬الملفات‭ ‬الكبرى‭ ‬المطروحة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬التونسي‭ ‬و‭ ‬الإجابة‭ ‬على‭ ‬التساؤلات‭ ‬الصحفية‭ ‬بشأن‭ ‬القضايا‭ ‬الحارقة‭ ‬التي‭ ‬تؤرق‭ ‬التونسيين‭.‬و‭ ‬الأكيد‭ ‬أن‭ ‬مسائل‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬ظروف‭ ‬وملابسات‭ ‬هروب‭ ‬أو‭ ‬تهريب‭ ‬الإرهابيين‭ ‬ومن‭ ‬يقف‭ ‬خلف‭ ‬ذلك‭ ‬تشكّل‭ ‬سؤالا‭ ‬حارقا‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬أسئلة‭ ‬كثيرة‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الإجابة‭ ‬عليها‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

السيادة الغذائية رهان الجمهورية ..أيضا !

 تعيش تونس هذه الأيام ديناميكية مهمة تشمل الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي ويمكن اعتما…