2023-11-23

كتاب «تحت قبة البرلمان» لسعاد السنوسي: بريق الركح وعتمة الكواليس

ما‭ ‬الذي‭ ‬يحدث‭ ‬تحت‭ ‬القبة‭ ‬؟‭ ‬وهل‭ ‬تبوح‭ ‬لنا‭ ‬الكاميرا‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬الردهات‭ ‬والأروقة‭ ‬وداخل‭ ‬المكاتب‭ ‬؟‭ ‬وهل‭ ‬ثمة‭ ‬مخاتلة‭ ‬ماكرة‭ ‬بين‭ ‬ضوء‭ ‬الركح‭ ‬وعتمة‭ ‬الكواليس؟‭ ‬

هي‭ ‬أسئلة‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬القارئ‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬يشرع‭ ‬في‭ ‬تصفح‭ ‬كتاب‭ ‬اتحت‭ ‬قبة‭ ‬البرلمان‭ ‬بين‭ ‬الركح‭ ‬والكواليسب‭ ‬للكاتبة‭ ‬سعاد‭ ‬السنوسي‭ ‬الصادر‭ ‬مؤخرا‭ ‬عن‭ ‬ليدرز‭. ‬

وتبوح‭ ‬الأسئلة‭ ‬تدريجيا‭ ‬بأسرارها‭ ‬وتشي‭ ‬بالإجابات‭  ‬ونحن‭ ‬نقرأ‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭  ‬يضعنا‭ ‬منذ‭ ‬البدء‭ ‬في‭ ‬مخاتلة‭ ‬تصنيفه‭ ‬وغواية‭ ‬سبر‭  ‬أغواره‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬يبحث‭ ‬في‭ ‬دهاليز‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية‭.‬

فهذا‭ ‬الكتاب‭ ‬ليس‭ ‬نصا‭ ‬أدبيا‭ ‬بالمعنى‭ ‬المعلوم‭ ‬للأجناس‭ ‬الأدبية‭ ‬فهو‭ ‬ليس‭ ‬سردا‭ ‬روائيا‭ ‬أو‭ ‬قصصيا‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬إدراجه‭ ‬أيضا‭ ‬ضمن‭ ‬الترجمة‭ ‬الذاتية‭ ‬او‭ ‬كتب‭ ‬السيرة‭ ‬وليس‭ ‬أيضا‭ ‬نصا‭ ‬أكاديميا‭ ‬قانونيا‭ ‬جافا‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬ما‭ ‬يصنع‭ ‬فرادته‭ ‬وتميزه‭. ‬

وإذا‭ ‬علمنا‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬ملامح‭ ‬شخصية‭ ‬الكاتبة‭ ‬وسيرتها‭ ‬تتجلى‭ ‬لنا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬خبايا‭ ‬وخصائص‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬فسعاد‭ ‬السنوسي‭ ‬هي‭ ‬ذات‭ ‬خلفية‭ ‬قانونية‭ ‬وحقوقية‭ ‬متخرجة‭ ‬من‭ ‬كلية‭ ‬الحقوق‭ ‬والعلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬ولها‭ ‬تجربة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العمل‭ ‬البرلماني‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬وكواليسه‭ ‬أيضا‭ ‬فقد‭ ‬عملت‭  ‬كمستشارة‭ ‬درجة‭ ‬أولى‭ ‬مديرة‭ ‬عامة‭ ‬مكلفة‭ ‬بالجلسات‭ ‬العامة‭ ‬وصياغة‭ ‬النصوص‭ ‬القانونية‭ ‬إلى‭ ‬غاية‭ ‬فيفري‭ ‬الماضي‭. ‬

ولها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشهادات‭ ‬في‭ ‬الحقل‭ ‬البرلماني‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬شهادة‭ ‬التخصص‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬العمل‭ ‬البرلماني‭ ‬وشهادة‭ ‬تكوين‭ ‬المستشارين‭ ‬البرلمانيين‭ ‬حاصلة‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬البرلمان‭ ‬الاسباني‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬شهادة‭ ‬مكون‭ ‬برلماني‭. ‬

وهذه‭ ‬السيرة‭ ‬الذاتية‭ ‬المهمة‭ ‬هي‭ ‬بالتأكيد‭ ‬من‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬تحفز‭ ‬القارئ‭ ‬على‭ ‬الإطلاع‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬لاسيما‭ ‬وان‭ ‬المكتبة‭ ‬التونسية‭ ‬تفتقر‭ ‬فعلا‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الكتب‭.‬

فقد‭ ‬ظلت‭ ‬المؤسسة‭ ‬التشريعية‭ ‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬الأضواء‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬وكان‭ ‬الاهتمام‭ ‬بها‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬تقريبا‭ ‬فترة‭ ‬مناقشة‭ ‬الميزانية‭ ‬التي‭ ‬تتم‭ ‬عادة‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬السنة‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬التداول‭ ‬بشأنها‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭  ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬زمن‭ ‬الزعيم‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬خلفه‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬زين‭ ‬العابدين‭ ‬بن‭ ‬علي‭. ‬

لكن‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬مع‭ ‬دخولنا‭ ‬رسميا‭ ‬فترة‭ ‬النظام‭ ‬البرلماني‭ ‬الذي‭ ‬قسم‭ ‬الحكم‭ ‬بين‭ ‬ثلاثة‭ ‬رؤوس‭ ‬وجعل‭ ‬البرلمان‭ ‬القلب‭ ‬النابض‭ ‬للسياسة‭ ‬التونسية‭ ‬واكتشف‭ ‬التونسيون‭ ‬عوالم‭ ‬مجهولة‭ ‬عما‭ ‬يحدث‭ ‬تحت‭ ‬قبة‭ ‬باردو‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تاريخيا‭ ‬مركز‭ ‬الحكم‭ ‬زمن‭ ‬البايات‭ ‬الحسينيين‭. ‬اشرأبت‭ ‬كل‭ ‬الأنظار‭ ‬نحو‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬مسرحا‭ ‬للأداء‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كتل‭ ‬مختلفة‭ ‬حد‭ ‬التناقض‭ ‬تتراوح‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المعارضة‭ ‬والموالاة‭ ‬وتذكرنا‭ ‬بالمشهد‭ ‬اللبناني‭ ‬الذي‭ ‬كنا‭ ‬نتابعه‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الفترات‭. ‬

وهنا‭ ‬تعلن‭ ‬الكاتبة‭ ‬سعاد‭ ‬السنوسي‭ ‬أنها‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬قارئها‭ ‬يغوص‭ ‬في‭ ‬أشغال‭ ‬العمل‭ ‬البرلماني‭ ‬وأداء‭ ‬أعضائه‭. ‬عبر‭ ‬نقل‭ ‬محايد‭ ‬والعبارة‭ ‬حرفيا‭ ‬لها‭ ‬لبعض‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬الكواليس‭ ‬و‭ ‬ما‭ ‬كان‭  ‬خافيا‭ ‬عن‭ ‬أنظار‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭. ‬

هذه‭ ‬العبارات‭ ‬وحدها‭ ‬كفيلة‭ ‬بأن‭ ‬تثير‭ ‬فضولنا‭ ‬وتغذي‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬التلصص‭ ‬على‭ ‬مركز‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تبرم‭ ‬الصفقات‭ ‬السياسية‭ ‬وتعقد‭ ‬اللقاءات‭ ‬السرية‭ ‬وتدار‭ ‬التوافقات‭ ‬وتنسج‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬الخارج‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬دقيقة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬تونس‭ ‬المعاصرة‭ ‬كانت‭ ‬الكاتبة‭ ‬شاهدة‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عملها‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬البرلمان‭ ‬ومتابعتها‭ ‬لتفاصيل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬ردهاته‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يصنع‭ ‬في‭ ‬جزء‭ ‬مهم‭ ‬فرادة‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬وخطورته‭ ‬بمعنى‭ ‬الأهمية‭. ‬

والمصدر‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬اعتمدته‭ ‬كاتبتنا‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬ذاكرتها‭ ‬الشخصية‭ ‬التي‭ ‬اكتظت‭ ‬بالتأكيد‭ ‬بالوقائع‭ ‬التي‭ ‬عايشتها‭ ‬خلال‭ ‬عملها‭ ‬تحت‭ ‬قبة‭ ‬البرلمان‭ ‬والتي‭ ‬دونتها‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬ملاحظات‭ ‬تلخص‭ ‬يوميات‭ ‬البرلمان‭ ‬منذ‭ ‬2011‭ ‬وقامت‭ ‬بتوثيق‭ ‬أهم‭ ‬الأحداث‭ ‬والتفاصيل‭ ‬والأرقام‭ ‬وهذا‭ ‬عنوان‭ ‬آخر‭ ‬دال‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭. ‬

ولم‭ ‬يخل‭ ‬كتاب‭ ‬ا‭ ‬تحب‭ ‬قبة‭ ‬البرلمان‭ ‬بين‭ ‬الركح‭ ‬والكواليسب‭ ‬من‭ ‬الخلفية‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬ألقت‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬الممارسة‭ ‬البرلمانية‭ ‬العريقة‭ ‬في‭ ‬تونس‭.‬

ولم‭ ‬تغفل‭ ‬عن‭ ‬تقديم‭ ‬البرلمان‭ ‬التونسي‭ ‬معماريا‭ ‬وتاريخيا‭ ‬وسياسيا‭ ‬ومكانته‭ ‬المحورية‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬التونسية‭  ‬منذ‭ ‬نشأتها‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭. ‬وقدمت‭ ‬كذلك‭ ‬الأدوار‭ ‬الموكولة‭ ‬له‭ ‬وهيكلته‭ ‬التنظيمية‭ ‬أيضا‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يحقق‭ ‬الإضافة‭ ‬معرفيا‭ ‬للقارئ‭. ‬

ثم‭ ‬قسمت‭ ‬سعاد‭ ‬السنوسي‭ ‬كتابها‭ ‬إلى‭ ‬قسم‭ ‬أول‭ ‬وسمته‭ ‬بـ‭ ‬اما‭ ‬قبل‭ ‬عاصفة‭ ‬2011ب‭ ‬وانطلقت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬من‭ ‬سؤال‭ ‬محوري‭ : ‬هل‭ ‬أن‭ ‬البرلمان‭ ‬مطلب‭ ‬شعبي‭ ‬؟‭ ‬

وهو‭  ‬يحيل‭ ‬على‭ ‬اتاريخانيةب‭ ‬المطالبة‭ ‬ببرلمان‭ ‬تونسي‭ ‬وهو‭ ‬الشعار‭ ‬الذي‭ ‬رفعه‭ ‬التونسيون‭ ‬يوم‭ ‬9‭ ‬أفريل‭ ‬1938‭ ‬عندما‭ ‬اجتمعوا‭ ‬في‭ ‬مظاهرات‭ ‬حاشدة‭  ‬في‭ ‬يوم‭ ‬مشهود‭ ‬ضد‭ ‬المستعمر‭ ‬الفرنسي‭. ‬

ثم‭ ‬تطرقت‭ ‬بالتفصيل‭ ‬إلى‭ ‬المراحل‭ ‬التي‭ ‬مر‭ ‬بها‭ ‬البرلمان‭ ‬التونسي‭ ‬منذ‭ ‬أول‭ ‬انتخابات‭ ‬تشريعية‭ ‬عرفتها‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬وبروز‭ ‬أول‭ ‬برلمان‭ ‬تونسي‭ ‬تصدر‭  ‬فيه‭ ‬الحزب‭ ‬الحر‭ ‬الدستوري‭ ‬المشهد‭ ‬وفاز‭ ‬بكل‭ ‬المقاعد‭ ‬وعددها‭ ‬تسعون‭ ‬وكانت‭ ‬المرأة‭ ‬الوحيدة‭ ‬الحاضرة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البرلمان‭ ‬السيدة‭ ‬راضية‭ ‬الحداد‭  ‬وكان‭ ‬المناضل‭ ‬جلولي‭ ‬فارسي‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬للمؤسسة‭ ‬التشريعية‭ ‬المنتخبة‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭. ‬وتميزت‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬بالحكم‭ ‬الفردي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭  ‬والذي‭ ‬تأسس‭ ‬على‭ ‬شرعية‭ ‬نضالية‭ ‬تاريخية‭ ‬للزعيم‭ ‬الحبيب‭ ‬بورقيبة‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬مجلس‭ ‬الأمة‭ ‬الذي‭ ‬تحولت‭ ‬تسميته‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬1964‭ ‬سوى‭ ‬مكمل‭ ‬للمشهد‭ ‬السياسي‭ ‬السلطوي‭. ‬

ولم‭ ‬يتغير‭ ‬الحال‭ ‬كثيرا‭ ‬مع‭ ‬برلمان‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬الذي‭ ‬ألقت‭ ‬عليه‭ ‬الكاتبة‭ ‬الضوء‭ ‬أيضا‭ ‬منطلقة‭ ‬من‭ ‬وصول‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬زين‭ ‬العابدين‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬إلى‭  ‬الحكم‭ ‬عبر‭ ‬إزاحة‭ ‬بورقيبة‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬نوفمبر‭ ‬1987‭ ‬ومواصلة‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬عمله‭ ‬كمكمل‭ ‬دائما‭ ‬للمشهد‭ ‬السياسي‭ ‬السلطوي‭ ‬وداعما‭ ‬للحكم‭ ‬الفردي‭.‬

أما‭ ‬القسم‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬فقد‭ ‬خصصته‭ ‬سعاد‭ ‬السنوسي‭ ‬للمجلس‭ ‬الوطني‭ ‬التأسيسي‭ ‬من‭ ‬2011‭ ‬إلى‭ ‬2014‭ ‬وفيه‭ ‬نقل‭ ‬لوقائع‭ ‬آنية‭ ‬فائرة‭ ‬عاينتها‭ ‬الكاتبة‭ ‬وكانت‭ ‬شاهدة‭ ‬عليها‭ ‬وكنا‭ ‬أيضا‭ ‬نتابع‭ ‬تفاصيلها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ركح‭ ‬االمسرح‭ ‬السياسيب‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬تملك‭ ‬بعض‭ ‬مفاتيح‭ ‬الكواليس‭ ‬التي‭ ‬جادت‭ ‬علينا‭ ‬بها‭ ‬بمنتهى‭ ‬السخاء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬يعد‭ ‬وثيقة‭ ‬تؤرخ‭ ‬للبرلمان‭ ‬التونسي‭. ‬

وقد‭ ‬آثرت‭ ‬أن‭ ‬تلتزم‭ ‬بمفردات‭ ‬المسرح‭ ‬فقسمت‭ ‬فصول‭ ‬كتابها‭ ‬أو‭ ‬أقسامه‭ ‬إلى‭ ‬مشاهد‭ ‬تماما‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬المسرحيات‭ ‬وما‭ ‬السياسة‭ ‬إلا‭ ‬مسرح‭ ‬كبير‭ ‬مع‭ ‬الاعتذار‭ ‬لعميد‭ ‬المسرح‭ ‬العربي‭ ‬يوسف‭ ‬وهبي‭.‬

طبعا‭ ‬يتذكر‭ ‬التونسيون‭ ‬اليوم‭ ‬كل‭ ‬الفصول‭ ‬والمشاهد‭ ‬والأبطال‭ ‬والكمبارس‭ ‬والمخرج‭ ‬ومشهدية‭ ‬قبة‭ ‬البرلمان‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تثير‭ ‬سخريتنا‭ ‬حينا‭ ‬وغضبنا‭ ‬أحيانا‭ ‬ولكنها‭ ‬كانت‭ ‬تعكس‭ ‬الديناميكية‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬عرفناها‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬2011‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬البرنامج‭ ‬احد‭ ‬ابرز‭ ‬عنوانيها‭ ‬الدالة‭ ‬وكذلك‭ ‬التحولات‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬عصفت‭ ‬بتونس‭ ‬وكان‭ ‬البرلمان‭ ‬انعكاسا‭ ‬طبيعيا‭ ‬لها‭. ‬

في‭ ‬القسم‭ ‬الثالث‭ ‬تطرقت‭ ‬السنوسي‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬2014‭ ‬إلى‭ ‬2019‭ ‬ونظرت‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬المحاصصات‭ ‬الحزبية‭ ‬التي‭ ‬طبعت‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬والتوافق‭ ‬وفترة‭ ‬معركة‭ ‬التوريث‭ ‬وكان‭ ‬ما‭ ‬رافقها‭ ‬من‭ ‬تشظ‭ ‬وانقسام‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التيارات‭ ‬السياسية‭. ‬

أما‭ ‬القسم‭ ‬الرابع‭ ‬فقد‭ ‬تناولت‭ ‬فيه‭ ‬الكاتبة‭ ‬مرحلة‭ ‬مجلس‭ ‬نواب‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬2019‭ ‬إلى‭ ‬2024‭ ‬وهو‭ ‬البرلمان‭ ‬الذي‭ ‬ولدت‭ ‬أزماته‭ ‬منذ‭ ‬اللحظة‭ ‬الأولى‭ ‬مع‭ ‬بداية‭ ‬القسم‭ ‬ونذكر‭ ‬جميعا‭ ‬الصراعات‭ ‬العنيفة‭ ‬التي‭ ‬دارت‭ ‬فيه‭ ‬ولم‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬الرمزي‭ ‬واللفظي‭ ‬بل‭ ‬حدث‭ ‬عنف‭ ‬مادي‭ ‬تابعنا‭ ‬تفاصيله‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬مسرحية‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬الإبهار‭ . ‬

هذه‭ ‬المسرحية‭ ‬التي‭ ‬سيضع‭ ‬لها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬نقطة‭ ‬النهاية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تضمنه‭ ‬الفصل‭ ‬الأخير‭ ‬من‭  ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬ألقت‭ ‬فيه‭ ‬الكاتبة‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬فارقة‭ ‬جدا‭ ‬وهي‭ ‬لحظة‭ ‬إعلان‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬2021‭ ‬عندما‭ ‬قرر‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬تفعيل‭ ‬الفصل‭ ‬80‭ ‬وجمد‭ ‬البرلمان‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬حله‭ ‬لاحقا‭. ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬إيذانا‭ ‬بدخول‭ ‬تونس‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

مرفق القضاء حجر الأساس في بناء الدولة ومؤسساتها  : ..والعدل أساس العمران..

هل نحتاج الى استحضار مقولة علاّمتنا الكبير عبد الرحمان بن خلدون: «العدل أساس العمران»  للت…