2023-11-22

ضد الكيان الغاصب والضمائر المستترة : المقاطعة الثقافية والأكاديمية فعل مقاومة أيضا..!

ونحن‭ ‬نعيش‭ ‬على‭ ‬وقع‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬التي‭ ‬يشنها‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬منذ‭ ‬شهر‭ ‬ونصف‭ ‬تقريبا‭ ‬ويعيش‭ ‬الغزاويون‭ ‬أتون‭ ‬معارك‭ ‬لا‭ ‬تهدأ‭ ‬ليلا‭ ‬ونهارا‭ ‬تتجلى‭ ‬المواقف‭ ‬بأشكال‭ ‬وطرائق‭ ‬مختلفة‭.‬

فإذا‭ ‬كانت‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تلحق‭ ‬ضربات‭ ‬موجعة‭ ‬بالعدو‭ ‬الذي‭ ‬يحركه‭ ‬ثأر‭ ‬توراتي‭ ‬ويتصرف‭ ‬جيشه‭ ‬بشكل‭ ‬هستيري‭ ‬ليفرغ‭ ‬كل‭ ‬طاقات‭ ‬الحقد‭ ‬الكامنة‭ ‬فيه‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭ ‬موجها‭ ‬آلاته‭ ‬الحربية‭ ‬إلى‭ ‬المستشفيات‭ ‬ومراكز‭ ‬الأونروا‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬أشكالا‭ ‬أخرى‭ ‬للمقاومة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الصمود‭ ‬الأسطوري‭ ‬لأهل‭ ‬غزة‭ ‬الذين‭ ‬يقدمون‭ ‬للعالم‭ ‬ملحمة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭. ‬

هذا‭ ‬عن‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أنفسهم‭ ‬فماذا‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬أحرار‭ ‬العالم‭ ‬وتحديدا‭ ‬المواطنين‭ ‬العرب‭ ‬الذين‭ ‬يريدون‭ ‬دعم‭ ‬المقاومة‭ ‬وصمود‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني؟

هناك‭ ‬قطعا‭ ‬المقاطعة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وهي‭ ‬تؤتي‭ ‬أكلها‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬العواصم‭ ‬والمدن‭ ‬ذات‭ ‬الكثافة‭ ‬السكانية‭ ‬الكبيرة‭ ‬حيث‭ ‬يكون‭ ‬حجم‭ ‬الاستهلاك‭ ‬كبيرا‭ ‬أيضا‭ ‬وبالتالي‭ ‬تكون‭ ‬الضربات‭ ‬موجعة‭ ‬للكيانات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬العملاقة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬أو‭ ‬ماركات‭ ‬الملابس‭ ‬والتي‭ ‬أعلنت‭ ‬مجملها‭ ‬مساندة‭ ‬للكيان‭ ‬المحتل‭.‬

ثمة‭ ‬أيضا‭ ‬التظاهر‭ ‬السلمي‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬جل‭ ‬العواصم‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬قد‭ ‬أظهرت‭ ‬تعاطفا‭ ‬كبيرا‭ ‬مع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬يبادون‭ ‬بالفسفور‭ ‬الأبيض‭ ‬وكل‭ ‬الأسلحة‭ ‬المحرّمة‭ ‬دوليا‭ ‬وهي‭ ‬تعكس‭ ‬حالة‭ ‬الفصام‭ ‬التي‭ ‬يعيشها‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬الذي‭ ‬ساند‭ ‬قادته‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬المحتل‭ ‬وانحاز‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬إنساني‭ ‬لكل‭ ‬ممارساته‭ ‬الوحشية‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬قد‭ ‬أسقطت‭ ‬ورقة‭ ‬التوت‭ ‬عن‭ ‬الدوائر‭ ‬الحقوقية‭ ‬وعن‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬داسته‭ ‬الآلة‭ ‬العسكرية‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬المقاومة‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬المسكوت‭ ‬عنه‭ ‬أو‭ ‬لعلنا‭ ‬لا‭ ‬نوليه‭ ‬الاهتمام‭ ‬الأكبر‭ ‬وهو‭ ‬المقاومة‭ ‬الثقافية‭ ‬إذا‭ ‬جازت‭ ‬العبارة‭. ‬

ويتجلى‭ ‬في‭ ‬أشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬لعل‭ ‬أولها‭ ‬مقاطعة‭ ‬الأكاديميين‭ ‬العرب‭ ‬وكل‭ ‬العلماء‭ ‬والباحثين‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الجنسيات‭  ‬،المصطفين‭ ‬ضد‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وأفعاله‭ ‬البشعة‭ ‬،‭ ‬لكل‭ ‬الندوات‭ ‬والملتقيات‭ ‬الفكرية‭ ‬الكبرى‭ ‬وأيضا‭ ‬لنشاط‭ ‬مخابر‭ ‬البحث‭ ‬ووحداته‭ ‬التي‭  ‬طبّعت‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وأعلنت‭ ‬ولاءها‭ ‬له‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬صمتت‭ ‬عن‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬ترتكب‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬دونما‭ ‬ذنب‭ ‬أو‭ ‬جريرة‭ ‬والبعض‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬وجد‭ ‬لها‭ ‬تبريرات‭ ‬لإرضاء‭ ‬ضميره‭ ‬المستتر‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬نشط‭ ‬بعض‭ ‬المثقفين‭ ‬والأكاديميين‭ ‬والمبدعين‭ ‬العرب‭ ‬ووجهوا‭ ‬رسائل‭  ‬وعرائض‭ ‬الى‭ ‬نظرائهم‭ ‬في‭ ‬االاكاديمياب‭ ‬الغربية‭ ‬لوضع‭ ‬النقاط‭ ‬على‭ ‬الحروف‭ ‬وتحميلهم‭ ‬مسؤولياتهم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والتاريخية‭ ‬إزاء‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬

هناك‭ ‬أيضا‭ ‬تكتلات‭ ‬للدعم‭ ‬المادي‭ ‬عبر‭ ‬تقديم‭ ‬مساعدات‭ ‬عينية‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬بعض‭ ‬الفنانين‭ ‬عبر‭ ‬تخصيص‭ ‬مداخيل‭ ‬بعض‭ ‬أعمالهم‭ ‬لفائدة‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬وهناك‭ ‬كتّاب‭ ‬قاموا‭ ‬بمعارض‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬دعم‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتقديم‭ ‬ريع‭ ‬مبيعات‭ ‬كتبهم‭ ‬كمساعدة‭ ‬مادية‭ ‬تكون‭ ‬بدورها‭ ‬شكلا‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬المقاومة‭. ‬

وفي‭ ‬السياق‭ ‬نفسه‭ ‬ثمة‭ ‬من‭ ‬قاطع‭ ‬كل‭ ‬المتعاملين‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬خاصة‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تقيم‭ ‬معه‭ ‬علاقات‭ ‬مباشرة‭ ‬ومضى‭ ‬البعض‭ ‬ابعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬رفض‭ ‬الجوائز‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬بعض‭ ‬الجهات‭ ‬الثقافية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتخذ‭ ‬مواقف‭ ‬قوية‭ ‬إزاء‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭. ‬

والأكيد‭ ‬أن‭ ‬للنخبة‭ ‬دورا‭ ‬مركزيا‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬الفاعلين‭ ‬السياسيين‭ ‬ومواقفهم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬معطى‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬المعادلة‭. ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬عدة‭ ‬أسابيع‭ ‬على‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬أو‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬كما‭ ‬أسمتها‭ ‬المقاومة‭ ‬علينا‭ ‬الإقرار‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬تغيرات‭ ‬كبيرة‭ ‬حدثت‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الذهني‭ ‬والتمثلات‭ ‬الجماعية‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬توظفه‭ ‬النخب‭ ‬الداعمة‭ ‬لها‭ ‬لتحقيق‭ ‬منجز‭ ‬فعلي‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬المنظور‭ ‬أو‭ ‬المتوسط‭ ‬او‭ ‬البعيد‭.‬

وفي‭ ‬انتظار‭ ‬هدنة‭ ‬إنسانية‭ ‬تكون‭ ‬تمهيدا‭ ‬لتضع‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬أوزارها‭ ‬وليحل‭ ‬محلها‭ ‬المسار‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يبحث‭ ‬الآن‭  ‬صنّاع‭ ‬القرار‭ ‬أشكاله‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬الكلمة‭ ‬الفصل‭ ‬للمقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ومن‭ ‬خلفها‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬الداعمة‭ ‬لها‭ ‬سيكون‭ ‬ثمة‭ ‬تاريخ‭ ‬سبق‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬وتاريخ‭ ‬آخر‭ ‬صنع‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬المفصلية‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬قطار‭ ‬التطبيع‭ ‬يمضي‭ ‬بالسرعة‭ ‬القصوى‭ ‬نحو‭ ‬العواصم‭ ‬العربية‭ ‬مع‭ ‬استثناءات‭ ‬قليلة‭ ‬وكان‭ ‬عموم‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬واقعا‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬مخدر‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬وعوالم‭ ‬الصورة‭ ‬البراقة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬المقاومة‭ ‬وهج‭ ‬النضال‭ ‬إلى‭ ‬الصدارة‭ ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬فكرة‭ ‬المثقف‭ ‬العضوي‭ ‬المشتبك‭ ‬مع‭ ‬قضايا‭ ‬أمته‭ ‬إلى‭ ‬الصدارة‭ ‬وتأفل‭ ‬صورة‭ ‬المثقف‭ ‬المقاول‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬التموقع‭ ‬و الزبونية‭. ‬

وطوبى‭ ‬لغزة‭ ‬التي‭ ‬غيرت‭ ‬مجرى‭ ‬التاريخ‭ ‬عندما‭ ‬يئس‭ ‬الجميع‭ ‬من‭ ‬ذلك‭. ‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

النخب التونسية والرهانات الخاطئة..!

يقول المثل العربي القديم إن «أعمال العقلاء مصانة من العبث» وهذه الحكمة البليغة مهمة جدا لن…