تونس تنتج أجود أنواع التمور والقوارص وزيت الزيتون هذه ليست مجرد معلومة مدرسية تقدم في مادة الجغرافيا للتلاميذ ولكنها معطيات واقعية يعرفها كل التونسيين دون استثناء ولكنهم لا يفقهون المفارقة العجيبة التي جعلت من بلد من أعرق البلدان الزراعية في حوض المتوسط يعجز رغم التطور التقني في المجال الزراعي على تأمين أمنه الغذائي وتوفير حاجيات مواطنيه من المواد الفلاحية بأسعار في المتناول تضمن عيش الكفاف الكريم لعموم المواطنين.
هذا المعطى من الضروري ذكره مع الارتفاع المشط لأسعار المواد الفلاحية وحتى المواد الأساسية التي تحتكر الدولة توريدها على غرار الزيت النباتي الذي أصبح مفقودا في الأسواق منذ فترة طويلة.
ورغم الاهتمام والمتابعة من قبل السلطات إلا أن الوضعية ظلت تراوح مكانها ولعل هذا ما يفسر الاجتماع الذي عقده رئيس الجمهورية قيس سعيد مؤخرا بكل من وزير الداخلية كمال الفقي ووزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري عبد المنعم بلعاتي ووزيرة التجارة وتنمية الصادرات كلثوم بن رجب قزاح والرئيس المدير العام للديوان الوطني للزيت حامد الدالي.
وقد تناول هذا الاجتماع الارتفاع غير المقبول لأسعار عدد من المواد الغذائية ومن بينها سعر زيت الزيتون.
وقد كان هذا اللقاء مناسبة ليسدي رئيس الجمهورية قيس سعيد تعليماته بأن تتخذ إجراءات عاجلة لوضع حد للمضاربة والاحتكار وتحميل المسؤولية كاملة لأي جهة تسعى إلى المس بقوت المواطنين.
وهي ليست المرة الأولى التي يطرح فيها رئيس الجمهورية هذه الإشكالية ويدعو إلى عدم المساس بقوت التونسيين، ويبدو أن التهديدات كبيرة فعلا في هذا المجال.
المفارقة العجيبة الواردة في مستهل هذه الورقة عن البلد الزراعي الموسوم بالخضرة منذ الأزل هو أنه ينتج أجود أنواع الخيرات التي تمنحها الطبيعة بسخاء سواء تعلق الأمر بالخضر أو الغلال أو الحبوب وهناك منتجات أصبحت علامات بارزة في السوق العالمية على غرار زيت الزيتون الذي خصه رئيس الجمهورية في هذا الاجتماع بالقدر الأكبر من الاهتمام جراء الارتفاع المشط في أسعاره هذا الموسم.
الحقيقة أن هناك تبريرات مختلفة لهذه الوضعية من بينها أن الأولوية كانت دوما للتصدير خاصة بالنسبة إلى زيت الزيتون والتمور والقوارص.
كما أن منسوب التذمر في صفوف الفلاحين تنامى بشكل كبير في الفترة الأخيرة جراء الشح المائي من ناحية وجراء ارتفاع أسعار الأسمدة والنقص الحاد فيها هذا بالإضافة إلى الإشكاليات القائمة في مسالك التوزيع بالنسبة إلى المواد الغذائية حيث تطغى عليها السمسرة والاحتيال وهو ما يكبد الفلاحين خسائر فادحة إذ يبيعون منتوجاتهم بأسعار ضعيفة جدا ويستفيد باقي المتدخلين فقط ويضطر التاجر للبيع بأسعار مرتفعة مع انخفاض العرض وكثرة الطلب. وهذا ما يجعلنا نجد أنفسنا في دائرة جهنمية.
ملف الاحتكار والمضاربة كان من أول المسائل التي اهتم بها رئيس الجمهورية بعيد 25 جويلية 2021 ولعلنا جميعا نذكر تلك الزيارة الفجئية التي قام بها إلى أحد المخازن المخصصة للبطاطا عندما كان الجميع يفتقدها في السوق وأعلن وقتها الحرب على كل من ينكلون بالتونسيين في قوتهم.
وها أن رئيس الجمهورية يعود مرة أخرى إلى الموضوع ذاته على ضوء الارتفاع غير المسبوق في أسعار زيت الزيتون ويدعو الجميع إلى الانخراط في هذه المعركة التي يخوضها الشعب التونسي ضد الذين عاثوا فسادا في البلاد ومازال عدد منهم يعتقد انه فوق المحاسبة والمساءلة.
والواضح الآن أن مسار مكافحة المضاربة والاحتكار وتعديل السوق ومجابهة كل الذين يستغلون الوضعية الاقتصادية الحالية لمراكمة الثروات الطائلة على حساب قوت التونسيين لم ينجح كما أريد له وأن هناك خللا ما بشأن عجز الدولة عن السيطرة على السوق. وهذه معضلة كبرى ينبغي على كل الأجهزة أن تتجند لها وان تواجهها بسلطة القانون لأن قوت التونسيين خط أحمر. وإذا ما تواصل الارتفاع المشط للأسعار على هذه الشاكلة فإن هذا ينذر بتوترات اجتماعية نحن في غنى عنها.
النخب التونسية والرهانات الخاطئة..!
يقول المثل العربي القديم إن «أعمال العقلاء مصانة من العبث» وهذه الحكمة البليغة مهمة جدا لن…