وفق بيان رئيس الحكومة ومداخلات نواب الشعب.. ميزانية «الأمر الواقع».. !
انطلقت منذ يوم الجمعة 17 نوفمبر 2023 مناقشة مشروع ميزانية الدولة ومشروع الميزان الاقتصادي ومشروع قانون المالية لسنة 2024، على ان تُستكمل هذه العملية الدورية السنوية تحت قبة البرلمان مع يوم العاشر من ديسمبر القادم كآخر أجل بالمصادقة بطبيعة الحال، والختم بعد ذلك من قبل رئيس الجمهورية، والنشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية للدخول حيز النفاذ.
وكما هو معلوم فقد قدم رئيس الحكومة أحمد الحشاني كما جرت العادة ـ باستثناء السنة الماضية التي لم يكن فيها مجلس نواب الشعب موجودا وقد صدرت الميزانية بموجب مرسوم رئاسي انذاك ـ قدّم بيان احكومة الرئيسب ان جاز القول حول مشاريع العام الجديد وحرص على طمأنة سامعيه بعديد السبل والوسائل التي تعكس في المحصّلة السياسة العامة للدولة في ظل الأوضاع الراهنة ويجوز في قراءة أولى اعتبار ما قدّمه ساكن القصبة مشروع ميزانية االأمر الواقعب، فالخيارات على ما يبدو جدّ محدودة ونواب الشعب رغم تباين مواقفهم ليس في جعبتهم ما يجعلهم يسقطون هذه الميزانية أو يعارضونها بشدة وكل تصعيد كلامي او اختلاف في الراي لن يفسد للود قضية بين سكان باردو وساكن قرطاج فالجميع يتحرك ضمن مربع 25 جويلية 2021 حتى وإن جاهر البعض بـاالمساندة النقديةب وليس المساندة المطلقة.
لقد نجح رئيس الحكومة أحمد الحشاني في تسجيل عديد النقاط بحضوره في مجلس نواب الشعب، وكانت الاختلافات عميقة بينه وبين من سبقوه من سكان القصبة شكلا ومضمونا، صحيح ان التباين والتدافع والمعارضة كانت ابرز واقوى في البرلمانات السابقة لكن الصورة التي ارتسمت للرجل على الاقل من خلال اطلالاته الاخيرة االضعيفة اتصالياب، علاوة على الأجواء التي عرفها البرلمان واالمعركةب التي كانت خفية وصارت مكشوفة بين باردو وقرطاج بمناسبة مناقشة مشروع قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، كانت تنذر ربما بفشل وحتى قطيعة وجدل غير مألوف، لكن ما حصل هو العكس وحقق الرجل اختراقا كبيرا في صفوف النواب وحتى الرأي العام الذي استظرف مداخلته الأمر الذي يوحي بتمرير ناعم للقانون بقطع النظر عن الدلالات والتداعيات.
هي المرة الاولى تقريبا التي يحرص فيها رئيس الحكومة على مصافحة النواب فردا فردا قبل انطلاقة الجلسة والتقاط الصور التذكارية والتحادث مع الكثير منهم بشكل ودّي وفق ما أبرزته الصور بطبيعة الحال..
أما عن الكلمة التي مهّد لها رئيس البرلمان ابراهيم بودربالة بما يجب من امقبّلاتب كي تكون سهلة الهضم، فكانت طريفة طرافة فاقت ما جادت به قريحة السابقين الذين استحضر بعضهم الخطاب الديني وبعضهم الآخر مقولات شهيد الوطن شكري بالعيد وغيرها من القوالب الجاهزة والشعارات التي لا علاقة لها بمضمون الميزانية دون ان ننسى استقواء البعض برئيس الجمهورية والتعبير عن الولاء له والإشادة به رغم الاختلاف في حجم الصلاحيات..
لقد كانت لغة سلسة وجملا قصيرة لا يربط بينها أحيانا معنى، فكانت بعض المقاطع بمثابة الخواطر والذكريات والوقائع التي أراد من خلالها رئيس الحكومة تبرير الفخاخ والمطبات والنقائص التي يتضمنها المشروع، وكان طوق النجاة بطبيعة الحال بيد رئيس الجمهورية وبرز ذلك بالخصوص في التاكيد على السيادة الوطنية عند الحديث عن الاشقاء والاصدقاء وعن المؤسسات الدولية والدول النافذة في العالم التي تربطنا معها شراكات اقتصادية ومالية وتجارية واجتماعية، وكذلك عن الموقف من القضية الفلسطينية التي تتماهى فيها السلطة والشعب في بلادنا بشكل استثنائي لا مثيل له في العالم صراحة..
وبخصوص المضمون، كان رئيس الحكومة أحمد الحشاني واضحا في الحديث عن التزام حكومته بتنفيذ السياسات العامة للدولة طبقا للتوجهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية قيس سعيد وفق دستور 25 جويلية 2022 ، ولا نخال أن أحدا في تونس اليوم يدرك تفاصيل هذه السياسات العامة ، المهم هنا واجب التحفظ والالتزام بالصلاحيات كما يذكّر بذلك ساكن قرطاج من حين الى آخر.
وفي باب تبرير الاختيارات في مشروع الميزانية، استشهد الحشاني بأوضاع المنطقة والعالم وذكّر بالتحديات والأزمات والصراعات التي تسببت في ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأساسية في الأسواق العالمية بالإضافة الى التغيرات المناخية والشح المائي وكل هذا اثر بشكل واضح على الأمن الغذائي في العالم وفي تونس على حد سواء وخلص الى أن هذا الواقع أدى الى التأخر في انجاز الإصلاحات وبالتالي عطّل الإقلاع الاقتصادي على حد تعبيره..
ومع ذلك بلغ التفاؤل برئيس الحكومة توقع نسبة نمو تبلغ ٪3 في العام القادم مع التأكيد على ان البلاد ليست في طريق الإفلاس.
وبرز جليّا في كلمة الحشاني انه مدرك او لنقل مطّلع على ما يقال حول شخصه وادائه لذلك وجّه رسالة الى منتقديه قائلا اأنا أفضّل العمل على الكلامب، ليس ذلك فحسب تحدّاهم بأنه يعمل بمنهجية التفاؤل وقال لهم اأنا مزهارب..!
ولعلّ أهم وأبرز ما جاء في بيان أحمد الحشاني، التأكيد على حرص حكومته على مواصلة تكريس الدور الاجتماعي للدولة ومزيد الإحاطة بالفئات الاجتماعية محدودة الدخل حيث قال بوضوح اإن الحكومة التونسية ستواصل لعب دورها الاجتماعي من خلال ضمان توفير المواد الأساسية والخدمات الأساسية للمواطنينب، وجاء هذا الكلام في نفس الوقت الذي كانت فيه طوابير المواطنين كثيفة في العاصمة وفي العديد من المدن والقرى رصدا للخبز أو الحليب أو السكر او الزيت أو حتى بعض الأدوية وهو ما يشرّع باب السؤال عن قدرة حكومة الرئيس على تغيير الأوضاع وتحقيق ما تيسّر مما جاء في هذه الميزانية، اميزانية الأمر الواقعب التي يبدو أنها ستكون مشفوعة في نهاية 2024 بميزانية تكميلية أو كما صار يقال تخفيفا لوقع الصدمة ميزانية تعديلية كما هو حاصل بانتظام منذ ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة.
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…