2023-11-16

شملت الابحاث فيه محافظي بنوك سابقين وعدد من رجال الأعمال: الدائرة الجنائية تنظر في اكبر ملف فساد بالقطاع البنكي ونهب المال العام

أحيل‭ ‬أول‭   ‬أمس‭ ‬على‭ ‬انظار‭ ‬هيئة‭  ‬الدائرة‭ ‬المختصة‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬العدالة‭ ‬الانتقالية‭ ‬بالمحكمة‭ ‬الابتدائية‭ ‬بتونس‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬البنكي‭ ‬والذي‭ ‬شمل‭ ‬8‭ ‬متضررين‭ ‬وثلاث‭ ‬شركات‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬المنسوب‭ ‬إليهم‭ ‬الانتهاك‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬محافظو‭ ‬بنوك‭ ‬سابقين‭  ‬وبلحسن‭ ‬الطرابلسي‭ ‬وليلى‭ ‬الطرابلسي‭ ‬وصخر‭ ‬الماطري‭ ‬وايضا‭ ‬مسؤولين‭  ‬سابقين‭  ‬بالبنك‭ ‬المركزي‭ ‬وهم‭  ‬كل‭ ‬من‭ ‬محمّد‭ ‬الباجي‭ ‬حمدة‭ (‬محافظ‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬1990‭ – ‬2001‭) ‬وتوفيق‭ ‬بكّار‭ (‬محافظ‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭  ‬2004‭ ‬ذ‭ ‬2011‭)   ‬والشاذلي‭ ‬العيّاري‭ (‬محافظ‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭  ‬2012‭ ‬ذ‭ ‬2018‭)  ‬ونائب‭ ‬محافظ‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ (‬توفيق‭ ‬بكّار‭) ‬ومديرة‭ ‬عامّة‭ ‬سابقا‭ ‬ثمّ‭ ‬نائبة‭ ‬محافظ‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭.‬

كما‭ ‬شمل‭ ‬الملف‭ ‬رئيس‭ ‬مدير‭ ‬عام‭ ‬سابق‭ ‬للشركة‭ ‬التونسية‭ ‬للبنك‭ ‬1999‭ – ‬2002‭ ‬ورئيس‭ ‬مدير‭ ‬عام‭ ‬سابق‭ ‬للشركة‭ ‬التونسية‭ ‬للبنك‭ ‬2004‭ – ‬2008‭ ‬ورئيس‭ ‬مدير‭ ‬عام‭ ‬سابق‭ ‬للشركة‭ ‬التونسية‭ ‬للبنك‭ ‬2008‭ – ‬2010‭ ‬،ورئيس‭ ‬مدير‭ ‬عام‭ ‬بنك‭ ‬الإسكان‭ ‬سنة‭ ‬2003‭ ‬ومديرة‭ ‬عامّة‭ ‬مساعدة‭ ‬في‭ ‬لجنة‭ ‬القروض‭ ‬والرئيس‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬لبنك‭ ‬الجنوب‭ ‬سنة‭ ‬2005‭ ‬كما‭ ‬شمل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬مسؤولين‭ ‬اول‭ ‬عن‭ ‬بنوك‭ .‬

وشملت‭ ‬الابحاث‭ ‬ايضا‭ ‬مسؤولين‭ ‬كبارا‭ ‬سابقين‭  ‬برئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬وهم‭  ‬المنجي‭ ‬صفرة‭  ‬المستشار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬برئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬ورجال‭ ‬أعمال‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬وزوجته‭ ‬وأصهاره‭ ‬أو‭ ‬مقرّبين‭ ‬منهم‭ ‬أو‭ ‬متعاملين‭ ‬معهم‭  ‬على‭ ‬غرار‭ ‬بلحسن‭ ‬الطرابلسي‭ ‬وليلى‭ ‬الطرابلسي‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬وصخر‭ ‬الماطري‭ ‬بالاضافة‭ ‬الى‭ ‬خبراء‭ ‬وإداريين‭ ‬مشاركين‭ ‬في‭ ‬الانتهاكات‭.‬

وللتذكير‭ ‬بأطوار‭ ‬الملف‭ ‬فأن‭ ‬منطلق‭ ‬الابحاث‭ ‬فيه‭ ‬كان‭  ‬أثر‭ ‬تقرير‭  ‬لهيئة‭ ‬الحقيقة‭ ‬والكرامة‭ ‬ذكرت‭ ‬في‭ ‬تقريرها‭ ‬أن‭  ‬ثلاثة‭ ‬بنوك‭ ‬عمومية‭ ‬مولت‭ ‬شركات‭ ‬مرتبطة‭ ‬بعائلة‭ ‬الرئيس‭ ‬بمبالغ‭ ‬وصلت‭ ‬قيمتها‭ ‬1750‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬وما‭ ‬يقارب‭ ‬30‭ % ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المبالغ‭ ‬قدمت‭ ‬نقدا‭ ‬دون‭ ‬أية‭ ‬ضمانات‭ ‬للسداد‭ ‬ودون‭ ‬احترام‭ ‬للقوانين‭ ‬والمناشير‭ ‬المعمول‭ ‬بها‭.‬

وكشف‭ ‬التقرير‭  ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬المحسوبية‭ ‬وإهدار‭ ‬المال‭ ‬العام‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬وحاشيته‭ ‬بل‭ ‬شملت‭ ‬أيضا‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬الذين‭ ‬استفادوا‭ ‬من‭ ‬تسهيلات‭ ‬بنكية‭ ‬كبرى‭ ‬وقروض‭ ‬دون‭ ‬ضمانات‭ ‬بحكم‭ ‬نفوذهم‭ ‬وقربهم‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬السلطة‭ ‬فقد‭ ‬تحصل‭ ‬126‭ ‬رجل‭ ‬أعمال‭ ‬على‭ ‬حوالي‭ ‬7000‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭ ‬من‭ ‬البنوك‭ ‬العمومية‭ ‬طيلة‭ ‬فترة‭ ‬حكم‭ ‬الرئيس‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬دون‭ ‬إرجاعها‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭.‬

ووفق‭ ‬ملف‭ ‬القضية‭ ‬فأن‭  ‬عددا‭  ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬وأصهار‭ ‬الرئيس‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬وأفراد‭ ‬عائلته‭ ‬إستغلوا‭  ‬الآلية‭ ‬الواردة‭ ‬بالقانون‭ ‬عدد‭ ‬34‭ ‬لسنة‭ ‬1995‭ ‬المتعلّق‭ ‬بالمؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بصعوبات‭ ‬اقتصادية‭ ‬للتحيل‭.‬

فبعد‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬قروض‭ ‬ضخمة‭ ‬من‭ ‬البنوك‭  ‬دون‭ ‬تقديم‭ ‬ضمانات،‭ ‬يتم‭ ‬إهدار‭ ‬جزء‭ ‬هام‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬التمويلات‭ ‬لسوء‭ ‬التصرّف‭ ‬المالي‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬استعمالها‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬وجهتها،‭ ‬ولمّا‭ ‬تصل‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬العجز‭ ‬عن‭ ‬تسديد‭ ‬ديونها‭ ‬للبنوك‭ ‬المُقرضة‭ ‬يتم‭ ‬اعتماد‭ ‬آلية‭ ‬التسوية‭ ‬الرضائية‭ ‬التي‭ ‬بمقتضاها‭ ‬يتم‭ ‬الحط‭ ‬والشطب‭ ‬اتفاقيا‭ ‬لجزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الفوائض‭ ‬التعاقدية‭ ‬وفوائض‭ ‬التأخير‭ (‬بلغت‭ ‬83.5‭ % ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الملفات‭) ‬كما‭ ‬يتم‭ ‬الحط‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬الدين‭ ‬وجدولة‭ ‬الجزء‭ ‬المُتبقي‭ ‬منه‭.‬

ثم‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬أخيرة‭ ‬وبعد‭ ‬تمطيط‭ ‬الآجال‭ ‬وربح‭ ‬الوقت‭ ‬يتم‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬آليات‭ ‬التسوية‭ ‬القضائية‭ ‬بعد‭ ‬رجوع‭ ‬الحالة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه،‭ ‬ويقع‭ ‬تعيين‭ ‬خبير‭ ‬عدلي‭ ‬شريك‭ ‬ومتعاون‭ ‬مع‭ ‬منظومة‭ ‬الفساد‭ ‬لإعداد‭ ‬برنامج‭ ‬إنقاذ‭ ‬على‭ ‬المقاس،‭ ‬وبتوجيه‭ ‬من‭ ‬مستشار‭ ‬الدائرة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بالقصر‭ ‬المنجي‭ ‬صفرة‭ ‬الذي‭ ‬يقدم‭ ‬غالبا‭ ‬مذكرات‭ ‬للرئيس‭ ‬متضمنة‭ ‬لاقتراحاته،‭ ‬يتم‭ ‬استصدار‭ ‬أحكام‭ ‬قضائية‭ ‬على‭ ‬المقاس‭ ‬لشطب‭ ‬الديون‭ ‬الراجعة‭ ‬لتلك‭ ‬البنوك‭ ‬وهكذا‭ ‬تظهر‭ ‬العملية‭ ‬للعموم‭ ‬وكأنها‭ ‬عملية‭ ‬عادية‭ ‬لإنقاذ‭ ‬مؤسسة‭ ‬تمر‭ ‬بصعوبات‭ ‬اقتصادية‭.‬

وأقرّت‭ ‬هيئة‭ ‬الحقيقة‭ ‬والكرامة‭ ‬أنّ‭ ‬المنظومة‭ ‬البنكية‭ ‬شكلت‭ ‬احد‭ ‬أهم‭ ‬أسلحة‭ ‬النظام‭ ‬الفاسد‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬حيث‭ ‬استعملت‭ ‬البنوك‭ ‬لمعاقبة‭ ‬من‭ ‬رفض‭ ‬الانصياع‭ ‬للمنظومة‭ ‬والضغط‭ ‬عليهم‭ ‬للتنازل‭ ‬عن‭ ‬حقوقهم،‭ ‬كما‭ ‬شكلت‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬الآخر‭ ‬آلية‭ ‬لمكافأة‭ ‬أعوان‭ ‬النظام‭ ‬المخلصين‭.‬

فالمنظومة‭ ‬البنكية‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬استشراء‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الباب‭ ‬تشمل‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬والبنوك‭ ‬العمومية‭ ‬والتي‭ ‬كانت‭ ‬تمثل‭ ‬أغلبية‭ ‬والبنوك‭ ‬الخاصة‭ ‬بدرجات‭ ‬متفاوتة‭.‬

أكد‭ ‬التقرير‭ ‬أن‭ ‬الانتهاكات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬كلفت‭ ‬المجموعة‭ ‬الوطنية‭ ‬أموالا‭ ‬طائلة‭ ‬لإعادة‭ ‬رأسملة‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬ففي‭ ‬سنة‭ ‬2015‭ ‬تكفلت‭ ‬الدولة‭ ‬بإعادة‭ ‬رأسملة‭ ‬الشركة‭ ‬التونسية‭ ‬للبنك‭ ‬وبنك‭ ‬الإسكان‭ ‬بمبلغ‭ ‬867‭ ‬مليون‭ ‬دينار‭.‬

ويجب‭ ‬الإشارة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخصوص‭  ‬الى‭ ‬أن‭ ‬محصلة‭ ‬البنوك‭ ‬العمومية‭ ‬من‭ ‬الديون‭ ‬المشكوك‭ ‬في‭ ‬استخلاصها‭ ‬تمثل‭ ‬47‭ % ‬من‭ ‬جملة‭ ‬الديون‭ ‬المصنفة‭ ‬للمنظومة‭ ‬البنكية،‭ ‬بقيمة‭ ‬9,5‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭.‬

وأوضحت‭ ‬الهيئة‭ ‬أيضا‭ ‬أنّ‭ ‬أسواق‭ ‬الأوراق‭ ‬المالية‭ ‬لم‭ ‬تبق‭ ‬في‭ ‬منأى‭ ‬عن‭ ‬استغلال‭ ‬الفاسدين‭ ‬حيث‭ ‬قاموا‭ ‬بإدراج‭ ‬شركات‭ ‬لا‭ ‬تستجيب‭ ‬للشروط‭ ‬المنظمة‭ ‬للسوق‭ ‬المالية‭ ‬وبقيمة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬قيمتها‭ ‬الحقيقية،‭ ‬محققين‭ ‬بذلك‭ ‬أرباحا‭ ‬هائلة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬استغلال‭ ‬معطيات‭ ‬ومعلومات‭ ‬سرية‭ ‬لتحقيق‭ ‬منافع‭ ‬خاصة‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

محاكمة رجل الأعمال ورئيس الملعب التونسي سابقا جلال بن عيسى

نظرت ظهر  أمس الخميس 21 نوفمبر  2024 هيئة الدائرة الجنائية المختصة في النظر في قضايا الفسا…