ضجّت‭  ‬المنابر‭ ‬الإعلامية‭ ‬بخبر‭ ‬إيقاف‭ ‬رياض‭ ‬بن‭ ‬فضل‭ ‬لمدة‭ ‬5‭ ‬أيام‭ ‬على‭ ‬ذمة‭ ‬التحقيق‭ ‬وهو‭ ‬المنسق‭ ‬العام‭ ‬لحزب‭ ‬القطب‭ ‬والمثقف‭ ‬اليساري‭  ‬المعروف‭  ‬ورجل‭ ‬الأعمال‭ ‬أيضا‭.‬وانقسم‭ ‬المتابعون‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يعتبر‭ ‬هذا‭ ‬الإيقاف‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬المطار‭ ‬لدى‭ ‬عودة‭ ‬بن‭ ‬فضل‭ ‬من‭ ‬السفر‭ ‬تصفية‭ ‬للخصوم‭ ‬السياسيين‭ ‬ومحاولة‭  ‬التصحير‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬بعض‭ ‬المحامين‭ ‬الذين‭ ‬يمثلون‭ ‬هيئة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭  ‬بن‭ ‬فضل،‭ ‬وبين‭ ‬من‭ ‬يعتبر‭ ‬الأمر‭ ‬اعتياديا‭ ‬وأن‭ ‬الجميع‭ ‬سواسية‭ ‬أمام‭ ‬القانون‭ ‬ولا‭ ‬ينبغي‭ ‬ان‭ ‬يستثنى‭ ‬السياسيون‭ ‬من‭ ‬المتابعة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬حامت‭ ‬حولهم‭ ‬شبهات‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬موضوع،‭ ‬وبين‭ ‬طرف‭ ‬ثالث‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬قضية‭  ‬إيقاف‭ ‬رياض‭ ‬بن‭ ‬فضل‭  ‬متصلة‭ ‬بصفته‭ ‬كرجل‭ ‬مال‭ ‬وأعمال‭ ‬وليس‭ ‬بصفته‭ ‬السياسية‭ ‬والحزبية‭ ‬ويعتبرون‭ ‬أن‭ ‬التهمة‭ ‬الموجهة‭ ‬إليه‭ ‬تندرج‭ ‬في‭ ‬خانة‭ ‬تبييض‭ ‬الأموال‭ ‬والجرائم‭ ‬المالية‭ ‬ولا‭ ‬صلة‭ ‬لها‭ ‬بانتمائه‭ ‬لحزب‭ ‬القطب‭ ‬ذي‭ ‬الجماهيرية‭ ‬الضعيفة‭ ‬جدا‭.‬

وقد‭ ‬جاءت‭ ‬تدوينة‭ ‬وزير‭ ‬أملاك‭ ‬الدولة‭ ‬والقاضي‭ ‬السابق‭ ‬حاتم‭ ‬العشي‭ ‬لتدعم‭ ‬فرضية‭ ‬أن‭ ‬رياض‭ ‬بن‭ ‬فضل‭ ‬تم‭ ‬إيقافه‭ ‬لأسباب‭ ‬مالية‭ ‬صرفة‭ ‬ولا‭ ‬صلة‭ ‬لها‭ ‬بصفته‭ ‬الحزبية‭ ‬والسياسية‭ ‬ومضى‭ ‬العشي‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬وهو‭ ‬يشير‭ ‬صراحة‭ ‬إلى‭ ‬ضلوع‭ ‬بن‭ ‬فضل‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬متصل‭ ‬بالأملاك‭ ‬المصادرة‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬المعني‭ ‬بالأمر‭ ‬اقتنى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬السيارات‭ ‬الفاخرة‭  ‬من‭ ‬المنقولات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬ملك‭ ‬عائلة‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬زين‭ ‬العابدين‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬بثمن‭ ‬زهيد‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬سعرها‭ ‬الحقيقي‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬المصادرة‭ ‬والذي‭ ‬استفاد‭ ‬منه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬والساسة‭ ‬أيضا‭. ‬

ورغم‭ ‬انه‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬هذه‭ ‬اللحظة‭ ‬لا‭ ‬تتوفر‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعطيات‭ ‬الدقيقة‭ ‬بشأن‭ ‬التهم‭ ‬الموجهة‭ ‬لرياض‭ ‬بن‭ ‬فضل‭ ‬لاسيما‭ ‬وانه‭ ‬رهن‭ ‬التحقيق‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المعطى‭ ‬الأكيد‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬موضوع‭ ‬إيقافه‭ ‬يتصل‭ ‬بمسألة‭ ‬مالية‭. ‬

وفي‭ ‬انتظار‭ ‬ما‭ ‬سيسفر‭ ‬عنه‭ ‬التحقيق‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬نتطرق‭ ‬إلى‭ ‬مسألة‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الخطورة‭ ‬وقعنا‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬في‭ ‬متاهتها‭ ‬وهي‭ ‬زواج‭ ‬المتعة‭ ‬بين‭ ‬المال‭ ‬والسياسة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬إبان‭ ‬العشرية‭ ‬الأخيرة‭. ‬

فلعل‭ ‬ما‭ ‬يحسب‭ ‬للتونسيين‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬دولة‭ ‬الاستقلال‭ ‬هو‭ ‬حفاظهم‭ ‬على‭ ‬الفعل‭ ‬السياسي‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬الاختلاط‭ ‬بالمال‭. ‬وظل‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬دائرة‭ ‬ضوء‭ ‬السياسية‭ ‬وبريقها‭ ‬باستثناء‭ ‬تجربة‭ ‬رجل‭ ‬الظل‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يسمى‭ ‬وهو‭ ‬كمال‭ ‬اللطيف‭ ‬الذي‭ ‬يقبع‭ ‬حاليا‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬بتهمة‭ ‬التآمر‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬الدولة‭ ‬وله‭ ‬قصة‭ ‬معلومة‭ ‬لكل‭ ‬التونسيين‭ ‬عن‭ ‬الشغف‭ ‬بالسياسة‭ ‬والعلاقة‭ ‬الشخصية‭ ‬العميقة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬والتي‭ ‬انتهت‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الخذلان‭. ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فاعلا‭ ‬بالمعنى‭ ‬الحرفي‭ ‬للكلمة‭ ‬فلم‭ ‬يتبوأ‭ ‬مناصب‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬ولم‭ ‬يؤسس‭ ‬حزبا‭ ‬مثلا‭ ‬وربما‭ ‬لهذا‭ ‬ظللنا‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬دائرة‭ ‬الإشكاليات‭ ‬المتصلة‭ ‬بتعقيدات‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬المال‭ ‬والسياسة‭. ‬

ولكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬حل‭ ‬زواج‭ ‬المتعة‭ ‬بينهما‭ ‬بعد‭ ‬الثورة‭ ‬التونسية‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬من‭ ‬الارتباك‭ ‬الذي‭ ‬عرفته‭ ‬البلاد‭ ‬أسال‭ ‬لعاب‭ ‬الكثيرين‭  ‬وتهافت‭ ‬المتهافتون‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬حدب‭ ‬وصوب‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬ينشط‭ ‬المال‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬السياقات‭ ‬وان‭ ‬تبرز‭ ‬ظاهرة‭ ‬السمسرة‭ ‬والتجارة‭ ‬بمعناها‭ ‬الفعلي‭ ‬والمعياري‭ ‬أيضا‭. ‬

ولعل‭ ‬النماذج‭ ‬الأبرز‭ ‬التي‭ ‬تحضرنا‭ ‬الآن‭ ‬للسياسيين‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬آفاق‭ ‬الثروة‭ ‬والمال‭  ‬سليم‭ ‬الرياحي‭ ‬صاحب‭ ‬احزب‭ ‬توةب‭ ‬كما‭ ‬اسماه‭ ‬التونسيون‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الدعابة‭ ‬والسخرية‭ ‬وهو‭  ‬مؤسس‭ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الوطني‭ ‬الحر‭ ‬والذي‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يجمع‭ ‬المجد‭ ‬من‭ ‬أطرافه‭ ‬فدخل‭ ‬عالم‭ ‬الرياضة‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬فريق‭ ‬تونسي‭ ‬عريق‭ ‬وهو‭ ‬النادي‭ ‬الإفريقي‭ ‬وأصبح‭ ‬نجما‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬وحيكت‭ ‬سرديات‭ ‬كثيرة‭ ‬عن‭ ‬ثروته‭ ‬الطائلة‭. ‬ورغم‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬مقاعد‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬انتهى‭ ‬به‭ ‬فارا‭ ‬من‭ ‬تونس‭ ‬وملاحقا‭ ‬بتهم‭ ‬وقضايا‭ ‬عديدة‭.‬

وكذلك‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬نبيل‭ ‬القروي‭ ‬الذي‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬السياسة‭ ‬والمال‭ ‬والإعلام‭ ‬وهذا‭ ‬أشد‭ ‬خطورة‭ ‬وتسلّل‭ ‬الى‭ ‬الفعل‭ ‬السياسي‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬العمل‭ ‬الجمعياتي‭ ‬الخيري‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬مستغلا‭ ‬منابر‭ ‬قناته‭ ‬التلفزية‭ ‬للترويج‭ ‬لنفسه‭. ‬وقد‭ ‬نال‭ ‬أصوات‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬التونسيين‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬السابقة‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬ينتصر‭ ‬عليه‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬الحالي‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬بشكل‭ ‬كاسح‭ ‬ونال‭ ‬حزبه‭ ‬قلب‭ ‬تونس‭ ‬الذي‭ ‬تأسس‭ ‬على‭ ‬عجل‭ ‬عددا‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬المقاعد‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬السابق‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬مصيره‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬مصير‭ ‬سابقه‭.‬

وهناك‭ ‬أمثلة‭ ‬كثيرة‭ ‬عن‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬والمال‭ ‬الذين‭ ‬استهوتهم‭ ‬السياسة‭ ‬وهاموا‭ ‬ببريق‭ ‬الإعلام‭ ‬وأصبحوا‭ ‬نجوما‭ ‬وفاعلين‭ ‬في‭ ‬ظاهرة‭ ‬يقول‭ ‬كبار‭ ‬الخبراء‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬إنها‭ ‬الأخطر‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬وهي‭ ‬السبب‭ ‬المركزي‭ ‬في‭ ‬إفساد‭ ‬الديمقراطية‭. ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬عنوان‭ ‬دال‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬فقد‭ ‬قادت‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظواهر‭ ‬الى‭ ‬إفشال‭ ‬المسار‭ ‬الانتقالي‭ ‬وقضت‭ ‬على‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الناشئة‭ ‬في‭ ‬المهد‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

السيادة الغذائية رهان الجمهورية ..أيضا !

 تعيش تونس هذه الأيام ديناميكية مهمة تشمل الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي ويمكن اعتما…