قراءة في مشروعي ميزانية الدولة وقانون المالية لسنة 2024: لاشيء غير الاقتراض والتداين للخارج مجددا
أثار مشروع ميزانية الدولة والميزان الاقتصادي ومشروع قانون المالية لسنة 2024 الذي ينتظر ان ينطلق مجلس نواب الشعب في نقاشه يوم الجمعة 17 نوفمبر الحالي عديد ردود الافعال الناقدة من المتدخلين في المشهد الاقتصادي في بلادنا الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة متعددة الابعاد زادها حدة اخفاق الحكومات المتعاقبة في إدخال الإصلاحات الضرورية التي تعید الثقة إلى الفاعلین الاقتصادیین وتحرك مستویات النمو وخلق الثروة وتحسين الإنتاج والتصدير والاستهلاك.
معظم ردود الافعال تؤكد افتقار هذه المشاريع المقدمة من طرف الحكومة الحالية لاي تصور واضح او برنامج محدد بامكانه معالجة المشاكل المتراكمة التي يعاني منها الاقتصاد التونسي وهو ما ينبئ باحتداد الازمة اكثر مع تواصل مرحلة الانكماش التي يعيشها والضبابية والارتجال في القرارات والمسارات المتبعة التي تزيد من تعقيد الوضع وتصعب عملية الخروج من النفق المظلم .
عديد التساؤلات طرحت منذ ان صرّح رئيس الجمهورية بأنّ تونس ستعوّل على نفسها في إيجاد التمويلات ولن تقبل بما أسماه اإملاءاتب من صندوق النقد الدولي للحصول على قرض ، هذه التساؤلات التي لم تجد لها اجابة واضحة ودقيقة تعمقت اكثر مع غياب صدى فعلي وتطبيقي على ارض الواقع لتصريح رئيس الجمهورية ورؤيته في التعويل على الذات في ما قدمته الحكومة من مشاريع قوانين تخص موازنة الدولة .
تزايد في حجم الاقتراض الخارجي
فحسب المعطيات المقدمة تقدر مداخيل ميزانية الدولة لسنة 2024، وفق ما جاء في مشروع قانون المالية بـ 49.16 مليار دينار فيما تقدر نفقاتها بـ 59.805 مليار دينار ويفضي ذلك إلى عجز منتظر في ميزانية الدولة لسنة 2024 يقدّر بـ10.645 مليارات دينار. كما تشير المعطيات الواردة فيه انه من المنتظر تزايد حجم الاقتراض الخارجي ليصل الى 16 مليار دينار ( 5.19 مليار دولار ) ، مقابل توقعات محينة بنحو 10.5 مليار دينار لسنة 2023 ( 3.32 مليار دولار ) ، علما ان الاقتراض الخارجي لم يتجاوز حسب معطيات وزارة المالية الى موفى اوت الفارط 6.3 مليار دينار. كما وجب التوضيح ايضا ان نسبة الزيادة في الاقتراض المقترح لسنة 2024، ستتجاوز 111 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية وهو مايترجم فعليا تكريس التداين المكلف الذي يؤثر سلبيا على التوازنات العامة في المالية العمومية ويعمق العجز بعد سنوات من الصعوبات خصوصا وأنّ سنة 2024 ستكون ثقيلة جدا ومرهقة على مستوى خلاص الديون، اذ ينتظر أن تسدد تونس ديونًا خارجية بقيمة 9.7 مليار دينار.
تعارض صارخ مع الخطاب الرسمي
هذا التعارض الواضح بين ما جاء في خطاب الرئيس فيما يتعلق بالتعويل على ذاتنا في إيجاد موارد لميزانية الدولة، ومانص عليه مشروع قانون المالية للسنة المقبلة من اقرار بتزايد حجم الاقتراض الخارجي لتغطية عجز الموازنة اعتبره المختصون بمثابة مغالطة واستغفال للتونسيين واحتسب على انه نوايا رئاسية في اتجاه معين تفندها في اتجاه عكسي افعال الحكومة التي يترجمها على ارض الواقع مشروع قانون المالية ، وهو ما يكرّس التداين وعدم التعويل على الذات باعتباره مشروع الحد الأدنى في مجال النمو والتنمية ولا يمكن من تحقيق الإصلاحات العميقة المطلوبة .
كما تخوف الخبراء من فرضية اخفاق الدولة التونسية في الحصول على هذا المبلغ مستقبلا بالنظر للعجز الحاصل على مستوى الاقتراض الخارجي خلال السنة الحالية في غياب اتفاق مع صندوق النقد الدولي وهو ما يثير عديد التساؤلات حول البدائل الممكنة للاقتراض ومسالة غلق ميزانية الدولة للسنة الحالية 2023 مع تعذر الحصول على قروض ثنائية مهمة مع دول أخرى إلى حد الآن، وجدير بالذكر انه من بين الـ 5.19 مليار دولار ( قرابة 16 مليار دينار ) التي سيتم اقتراضها السنة المقبلة هناك 3.2 مليار دولار ( قرابة 9.6 مليار دينار ) لم يقع تحديد مصدرها في مشروع قانون المالية 2024 وهو ما يشير الى ان معظم خطة التمويل الخارجي لتونس للعام المقبل ما تزال مشروطة ببرنامج صندوق النقد الدولي .
كما اعتبر مختصون في الشأن الاقتصادي من خلال تصريحاتهم الصحفية حول قراءتهم لمشروع قانون المالية للسنة المقبلة ان هذا الاخير جاء بنفس المنهجية الدائمة المرتكزة بالأساس على الزيادات في الضرائب والأداءات وارتفاع الأسعار والاقتراض. وهو ما يؤكد نفس التمشي المتبع لمختلف حكومات مابعد الثورة الذي يواصل نخر جيوب المواطنين بالضرائب والأداءات وزيادة الاسعار بما ان مشروع القانون نص على الترفيع في الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة لقروض السكن، وعلى زيادة في سعر المحروقات، وغيرها من الزيادات الاخرى في الأسعار، والتي ستؤدي حتما وآليًا إلى الارتفاع في نسبة التضخم التي ينتظر ان يبلغ متوسط مستواها لكامل سنة 2023 حدود 9،4 % مقابل 8،3 % في 2022 و5،7 % في 2021، وفق ما أظهرته وثيقة للبنك المركزي التونسي عرضت خلال لقاء برلماني انتظم مؤخرا، والتي توقعت ان يحافظ التضخم عموما على مستواه المرتفع على المدى المتوسط.
مخاطر منتظرة من تطور الاقتراض الداخلي
من جهة اخرى كشف البنك المركزي في نفس الاطار عن تخوفه من ان يكون لتطوّر الاقتراض الداخلي لميزانية الدولة إنعكاسات سلبية عبر تغذية الضغوطات التضخمية والتقليص من إمكانيات تمويل القطاعات المنتجة. وهو ماذهب اليه ايضا اخر تقرير لوكالة فيتش للتصنيف السيادي، الذي حذر من تفاقم مخاطر تواصل تعويل الدولة المكثف على الاقتراض من البنوك التونسية واعتمادها لتلبية حاجياتها التمويلية المتزايدة خصوصا وان ديون البنوك لدى الدولة قدرت بحوالي 20 مليار دينار الى حدود السداسي الاول من السنة الحالية وهو ما يقارب 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي و73 بالمائة من رأسمال البنوك. كما شددت وكالة فيتش على الارتفاع الكبير لديون الشركات العمومية لدى البنوك اذ تصل في بعض الحالات الى مابين ثلاثة واربعة أضعاف الأموال الذاتية لهذه الشركات مبينة ان ديون المؤسسات العمومية تلامس 40 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
يذكر ان مشروع ميزانية الدولة المعروض بمجلس نواب الشعب يتوقع نمو للاقتصاد بـ2.1 بالمئة العام القادم مقابل 0.9 بالمئة في السنة الحالية كما يهدف إلى خفض العجز المالي من 7.7 بالمئة في 2023 إلى 6.6 بالمئة في 2024 .
وبحسب تقرير المرصد الاقتصادي لتونس لخريف 2023 الذي نشره البنك الدولي يوم 7 نوفمبر الحالي فقد بلغ معدّل النمو خلال السداسي الاول من السنة الحالية 1.2 في المئة، أي أقلّ بمقدار نصف ما كان عليه في 2022 ورُبع ما كان عليه في 2021 بعد الأزمة الناجمة عن جائحة كورونا .
وأوضح البنك في تقريره أنّ الاقتصاد التونسي يرزح تحت عوامل سلبية من أبرزها الجفاف المستمرّ، وتحديات التمويل الخارجي، وتواصل تراكم الديون المحلية لأهم المؤسسات العموميّة، والعقبات التشريعية وهو مازال يُظهر في مجمله بعض الصمود رغم التحديات المستمرة.
في المقابل ما تزال الاسئلة كثيرة على ارض الواقع حول مدى قدرة الاقتصاد الوطني على الصمود والى اي مدى يمكن ان يتواصل هذا الصمود امام التدهور المستمر لمستوى معيشة المواطنين وامام حالة الاخفاق والارباك والتعثر التي تشهدها السياسات الاقتصادية المتبعة والتي تترجمها الارقام في ظل المشكل الاكبر المتمثل في غیاب الرؤیة الواضحة والعجز عن ايجاد الحلول الناجعة الكفيلة باخراجه من حالة الركود والانكماش ، لا احد يعلم كیف سیتم تغطیة عجز المیزانیة وما هي سیاسة الدولة الاقتصادیة لاستعادة النمو وما هي أولویات الدولة في الفترة القادمة ولا كيف سيتم التعويل على الذات وسط هاته الضبابية والمشاكل الخانقة المتراكمة التي تمس حتى مسالة التزود بالمواد الاساسية البسيطة اليومية ..
لا احد يعلم ة
توريد 20 طنا من لحوم الأبقار المبردة أسبوعيا لتعديل السوق وخفض الأسعار
ينتظر ان تطلق شركة اللحوم مع موفي السنة الحالية 15 نقطة بيع بتونس الكبرى تحت اسم «اللحوم م…