لو وجدت لخفّفت الضغط على الرئيس وعلى البرلمان على حد سواء الجدل حول مشروع قانون تجريم التطبيع أثبت الحاجة الماسّة الى المحكمة الدستورية
من المنتظر ان تنعقد بعد غد الثلاثاء بمجلس نواب الشعب ندوة الرؤساء، على ان يعقد مكتب المجلس في اليوم الموالي اجتماعا لإقرار موعد استئناف الجلسة العامة المخصصة لمناقشة قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني التي انطلقت يوم الخميس 2 نوفمبر الحالي وتمت خلالها المصادقة على الفصلين الأول والثاني من هذا المشروع قبل ان يتم رفعها ثم تعليقها. وكان من المبرمج استئناف اشغال الجلسة يوم الجمعة 3 سبتمبر، الا ان ذلك لم يحصل وبقيت هذه الاشغال معلّقة الى اجل غير محدد.
وعلاوة على اللغط الذي رافق مناقشة مشروع قانون تجريم التطبيع فان الأيام التي تلت عملية تعليق الجلسة العامة المخصصة لمناقشته كانت محمّلة بكثير من وجهات النظر والقراءات والمواقف السياسية والقانونية وصلت حد التجاذبات، نظرا لاختلاف وجهات النظر حول هذا المشروع بين من يؤيده وبين من يعارضه. ليدخل رئيس الجمهورية قيس سعيد على الخط ويدعو نواب البرلمان للاستئناس بالفصل 60 من مجلة الإجراءات الجزائية ليكون منطلقا لمشروع قانون ينص على أن التطبيع خيانة عظمى عوضا عن استعمال عنوان تجريم التطبيع باعتبار ان موقف تونس الرافض لمسألة التطبيع موقف مبدئي.
ووسط هذا الكمّ من الجدل حول مشروع قانون تجريم التطبيع وكثرة التحفظات عليه بتعلة ان المصادقة عليه ستضر بمصلحة البلاد، نجد ان بعض الأحزاب السياسية الممثلة بمجلس نواب الشعب قد أبدت دفاعا مستميتا على هذا المشروع وتمسكت بتمريره وترك مصيره بيد رئيس الجمهورية، الذي ابدى هو نفسه تحفظه على نص مشروع هذا القانون الذي انطلقت مناقشته في الجلسة العامة. وقد عللت هذه الاحزاب موقفها بأن الدستور يجيز للرئيس قيس سعيد إعادة مشروع القانون إلى مجلس نواب الشعب لقراءة ثانية ورفض ختمه.
وحسب العديد من المختصين في القانون فان مشروع قانون التطبيع المقترح على الجلسة العامة للمصادقة عليه لم يبتعد عن المزايدات السياسية التي لم تغب عن المشهد البرلماني الحالي، ولم يستجب الى مبادئ بناء النص القانوني وهي الجدوى والمقروئية والوضوح وبالتالي من الناحية الشكلية يتضمن هذا المشروع عديد النقائص التي لا يقبلها المنطق القانوني. وتقريبا هناك اجماع من قبل المختصين في القانون على أهمية المحكمة الدستورية التي يرون انها لو كانت موجودة لأسقطت مشروع قانون التطبيع مع الكيان الصهيوني. ذلك ان غيابها قد ساهم في عديد المحطات السابقة في استغلال النواب لهذا الفراغ الدستوري وتمرير قوانين أرادوا تمريرها بالرغم من انها تستوجب اسقاطها.
وعلى الرغم من اهميتها كصمّام أمان لاحترام الدستور والتداول السلمي على السلطة، الا ان المحكمة الدستورية تأبى ان تتشكل بسبب الصراع السياسي حولها بين كل الحكومات والبرلمانات التي توالت على البلاد. فدستور جانفي 2014 نص على ضرورة تشكيل المحكمة الدستورية في أجل أقصاه سنة من موعد الانتخابات التشريعية التي عقدت في 2014 غير ان ذلك لم يحصل. وبسبب الخلافات والتجاذبات السياسية لم يتمكن البرلمان آنذاك من انتخاب سوى عضوة واحدة في مارس 2018 وذلك من بين 4 أعضاء ينتخبهم البرلمان.
ووصل الصراع السياسي حول المحكمة الدستورية أوجه في سنة 2021، اذ في افريل من السنة المذكورة نجح البرلمان في المصادقة على جملة التعديلات المتعلقة بتنقيح وإتمام القانون الأساسي الخاص بالمحكمة الدستورية في مسعى لتسهيل عملية انتخاب أعضائها وإرسائها في أقرب الآجال. الا ان الرئيس قيس سعيد رفض ختم مشروع القانون متعللا بعدد من الحجج القانونية أهمها تلك المتصلة بالآجال الدستورية لإرساء هذه المحكمة، وصولا الى اليوم، حيث أفرد رئيس الجمهورية في دستوره لسنة 2022 المحكمة الدستورية بالباب السادس المكوّن من ثمانية فصول، الا انه لم يحدد سقفا زمنيا قانونيا لتركيزها. في المقابل صرح بأنه سيتم إرساء المحكمة الدستورية في أقرب الآجال. وها قد مر أكثر من سنة على هذا التصريح، ورغم السهولة الإجرائية لإرساء هذا الهيكل الدستوري الذي يتكوّن من قضاة بالصفة فقط الا انه لم يركز.
وامام الوضعية السريالية التي وصل اليها النقاش حول مشروع قانون تجريم التطبيع والتي يبدو انها منفتحة على عدد من السيناريوهات، هناك اجماع من المختصين في القانون على انه كان من الممكن تفاديها لو وجدت المحكمة الدستورية. اذ ان هذه المحكمة باعتبارها صاحبة شرعية الحسم في الاختلافات والقضايا الدستورية، لو وجدت لكانت كلمتها هي الفيصل في تحديد مصير هذا المشروع ولخففت الضغط ورفعت الحرج سواء على البرلمان او على الرئيس قيس سعيد.
ففي صورة إصرار النواب على المصادقة على مشروع قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني سيجد رئيس الجمهورية نفسه بين عدد من الحلول كلها مرة. ومن الفرضيات المطروحة هي ان يختم هذا المشروع الذي سبق وان عبر عن رفضه له ويأمر بنشره بالرّائد الرّسميّ للجمهوريّة التّونسيّة في أجل أقصاه خمسة عشر يوما من تاريخ بلوغه إليه. والفرضية الثانية ان يردّ الرئيس مشروع القانون إلى مجلس نوّاب الشّعب لتلاوة ثانية، وإذا تمّت المصادقة على المشروع بأغلبيّة الثّلثين، فإنّه يقع إصداره ونشره في أجل آخر لا يتجاوز خمسة عشر يوما.
وفي ظل عدم وجود المحكمة الدستورية هناك فرضية أخرى اقل واقعية من الأوليين، وهي ان يتم تعليق آجال ختم مشروع القانون. باعتبار ان الفصل 103 من الدستور ينص على أنّه اتعلّق آجال الطعن في صورة الطّعن في دستوريّة القانون أمام المحكمة الدّستوريّة ويتولّى رئيس الجمهوريّة إمّا ختم القانون إذا قضت المحكمة الدّستوريّة بدستوريّته وإمّا إعادته إلى مجلس نوّاب الشّعب أو إلى المجلس الوطني للجهات والأقاليم أو إلى كليهما بناء على الاختصاصات المخولة لكلّ واحد منهماب. وهو ما يعني امكانية تعليق ختم مشروع القانون الى حين تركيز المحكمة الدستورية التي لا يمكن التكهن بأجل تركيزها.
تسهيلات وامتيازات مالية وتطوير الإطار التشريعي لفائدتها : رفع كل الإشكاليات التي تعطّل بعث الشركات الأهلية..
في لقاء جمعه أمس الأول بوزير التشغيل والتكوين المهني وكاتبة الدولة المكلفة بالشركات الأهلي…