مرت‭ ‬تونس‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية‭ ‬بأزمة‭ ‬حقيقية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأحد‭ ‬ان‭ ‬ينكرها‭ ‬وطرحت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬المتصلة‭ ‬بالشأن‭ ‬الأمني‭ ‬على‭ ‬إثر‭ ‬هروب‭ ‬خمسة‭ ‬إرهابيين‭ ‬من‭ ‬سجن‭ ‬المرناقية‭ ‬وشكل‭ ‬ذلك‭ ‬حدثا‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬المؤسسة‭ ‬السجنية‭ ‬التونسية‭ ‬وفي‭ ‬الوضع‭ ‬الأمني‭ ‬عموما‭. ‬

وكان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الواقعة‭ ‬حديث‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الفضاء‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المنابر‭ ‬الإعلامية‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭. ‬

وترك‭ ‬المجال‭ ‬مفتوحا‭ ‬ليدلي‭ ‬كل‭ ‬بدلوه‭ ‬تحليلا‭ ‬وتأويلا‭ ‬وتفسيرا‭ ‬وإيراد‭ ‬معطيات‭ ‬متضاربة‭ ‬ومختلفة‭ ‬أيضا‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬حال‭ ‬التعاطي‭ ‬الشعبي‭ ‬والإعلامي‭ ‬مع‭ ‬واقعة‭ ‬هروب‭ ‬الإرهابيين‭ ‬الخمسة‭ ‬فجر‭ ‬31‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭ ‬فإنه‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الاتصال‭  ‬الرسمي‭ ‬اقتصر‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬البداية‭  ‬على‭ ‬بلاغ‭ ‬على‭ ‬صفحة‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬أوردت‭ ‬فيه‭ ‬خبر‭ ‬الهروب‭  ‬تلتها‭  ‬كلمة‭  ‬لرئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬لدى‭ ‬استقباله‭ ‬لوزير‭ ‬الداخلية‭ ‬السيد‭ ‬كمال‭ ‬الفقيه‭ ‬تطرق‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬الحادثة‭ ‬و‭ ‬قال‭ ‬فيها‭ ‬صراحة‭ ‬انه‭ ‬وقع‭ ‬تهريب‭ ‬هؤلاء‭ ‬الإرهابيين‭ ‬وفنّد‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تداولها‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬المتصلة‭ ‬بفرضية‭ ‬هروب‭ ‬الإرهابيين‭ ‬من‭ ‬السجن‭ ‬المدني‭ ‬بالمرناقية‭. ‬وأكد‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬منها‭ ‬هو‭ ‬تحويل‭ ‬وجهة‭ ‬الأبحاث‭.‬

ثم‭ ‬صمتت‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬كل‭ ‬الجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬وتفسير‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬العمليات‭ ‬كانت‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬جارية‭ ‬حيث‭ ‬تتعقب‭ ‬الوحدات‭ ‬الأمنية‭ ‬الإرهابيين‭  ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬معطيات‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تؤثر‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬الأمني‭ ‬الميداني‭. ‬

وفي‭ ‬صبيحة‭ ‬يوم‭ ‬5‭ ‬نوفمبر‭ ‬انتشرت‭ ‬صور‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬معلنة‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬احد‭ ‬الإرهابيين‭ ‬المكنّى‭ ‬بالصومالي‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬حي‭ ‬التضامن‭ ‬صبيحة‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬5‭ ‬نوفمبر‭ ‬الجاري‭  ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬التعرف‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المواطنين‭ ‬وتمت‭ ‬السيطرة‭ ‬عليه‭ ‬بفضل‭ ‬جهود‭ ‬عون‭ ‬امن‭ ‬ومجموعة‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭. ‬وظلت‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬تنتظر‭ ‬التأكيد‭ ‬او‭ ‬التفنيد‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجهات‭ ‬الرسمية‭. ‬وانتظرنا‭ ‬حتى‭ ‬صباح‭ ‬7‭ ‬نوفمبر‭ ‬الجاري‭ ‬لتعلن‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬رسميا‭  ‬في‭ ‬بلاغ‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬صفحتها‭ ‬الرسمية‭ ‬عن‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬الإرهابيين‭ ‬الأربعة‭ ‬في‭ ‬الضاحية‭ ‬الجنوبية‭ ‬ولتؤكد‭ ‬الخبر‭ ‬المتصل‭ ‬بالقبض‭ ‬على‭ ‬الإرهابي‭ ‬الأول‭. ‬

والى‭ ‬حدود‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬الأسطر‭ ‬لم‭ ‬تعقد‭ ‬ندوة‭ ‬صحفية‭ ‬لتقديم‭ ‬ملابسات‭ ‬الواقعة‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬والضالعين‭ ‬فيها‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬او‭ ‬من‭ ‬الخارج‭.‬

ولقد‭ ‬تعمّدنا‭ ‬اعتماد‭ ‬التسلسل‭ ‬الزمني‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الواقعة‭ ‬لإلقاء‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬الهنات‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الخطط‭ ‬الاتصالية‭ ‬المعتمدة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الأزمات‭ ‬والتي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬المراجعة‭ ‬الحتمية‭.‬

ثم‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬نتريث‭ ‬قليلا‭ ‬حتى‭ ‬يتحقق‭ ‬الهدف‭ ‬وهو‭ ‬إعادة‭ ‬الإرهابيين‭ ‬إلى‭ ‬السجن‭ ‬بفضل‭ ‬الجهود‭ ‬الأمنية‭ ‬الجبارة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نفصل‭ ‬القول‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭ ‬وينبغي‭ ‬الانتباه‭ ‬لها‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬اتصال‭ ‬الأزمة‭ ‬وما‭ ‬يجب‭ ‬فعله‭ ‬إعلاميا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حوكمة‭ ‬الأزمات‭ ‬والسيطرة‭ ‬عليها‭ ‬والتخفيف‭ ‬من‭ ‬تداعياتها‭ ‬على‭ ‬الأوضاع‭ ‬الأمنية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والاجتماعية‭. ‬‭ ‬

فلا‭ ‬أحد‭ ‬منا‭ ‬ينكر‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬أمر‭ ‬جلل‭ ‬وغير‭ ‬مسبوق‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬الحتمي‭ ‬تغيير‭ ‬الخطة‭ ‬الاتصالية‭ ‬في‭  ‬التعامل‭  ‬معه‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نترك‭ ‬المجال‭ ‬مفتوحا‭ ‬أمام‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬إرباك‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬والعبث‭ ‬بأمنها‭ ‬القومي‭. ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬الطمأنينة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬التونسيين‭ ‬الذين‭ ‬صدمهم‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬وظلوا‭ ‬لمدة‭ ‬أسبوع‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬ذهول‭ ‬وتساؤل‭ ‬أو‭ ‬الجهات‭ ‬الأجنبية‭ ‬التي‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬تونس‭ ‬وتوجيه‭ ‬رسائل‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭  ‬تونس‭ ‬آمنة‭  ‬وذلك‭ ‬لقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬المتربصين‭ ‬بنا‭ ‬والذين‭ ‬يستغلون‭ ‬كل‭ ‬حدث‭ ‬لتشويه‭ ‬صورة‭ ‬تونس‭ ‬بكل‭ ‬الطرق‭ ‬وللتضييق‭ ‬الاقتصادي‭ ‬عليها،‭ ‬فمثل‭ ‬هذه‭ ‬الحوادث‭ ‬تؤثر‭ ‬قطعا‭ ‬على‭ ‬السياحة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬وآني‭. 

كما‭ ‬أننا‭ ‬جميعا‭ ‬نعلم‭ ‬تداعيات‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الحدث‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬وكان‭ ‬يمكن‭ ‬احتواء‭ ‬الأزمة‭.‬

والآن‭ ‬وقد‭ ‬تحقق‭ ‬ما‭ ‬كنا‭ ‬ننتظره‭ ‬وهو‭ ‬تمكّن‭ ‬قواتنا‭ ‬الأمنية‭ ‬بمنتهى‭ ‬النجاعة‭ ‬من‭ ‬إلقاء‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬الإرهابيين‭  ‬وتم‭ ‬شل‭ ‬حركتهم‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يقوموا‭ ‬بهجمات‭ ‬لا‭ ‬سمح‭ ‬الله‭ ‬وعادوا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬خرجوا،‭ ‬فإننا‭ ‬مدعوون‭ ‬الى‭ ‬لحظة‭ ‬مكاشفة‭ ‬نؤكد‭ ‬فيها‭ ‬انه‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يخاطب‭ ‬المسؤولون‭ ‬في‭ ‬وزارتي‭ ‬العدل‭ ‬والداخلية‭ ‬المواطنين‭ ‬وان‭ ‬يشرحوا‭ ‬لهم‭ ‬تفاصيل‭ ‬الواقعة‭ ‬كما‭ ‬حدثت‭ ‬وان‭ ‬يحمّلوا‭ ‬المسؤوليات‭ ‬لكل‭ ‬الذين‭ ‬ضلعوا‭ ‬فيها‭ ‬وتطبيق‭ ‬القانون‭ ‬عليهم‭ ‬بكل‭ ‬صرامة‭.‬

وبذلك‭ ‬تكون‭ ‬الرسالة‭ ‬قوية‭ ‬للداخل‭ ‬والخارج‭ ‬رسالة‭ ‬اتصالية‭ ‬وسياسية‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬النجاح‭ ‬الأمني‭ ‬الذي‭ ‬تحقق‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

السيادة الغذائية رهان الجمهورية ..أيضا !

 تعيش تونس هذه الأيام ديناميكية مهمة تشمل الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي ويمكن اعتما…