تواجه‭ ‬تونس‭ ‬تحديات‭ ‬أمنية‭ ‬تستدعي‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬اليقظة‭ ‬والانكباب‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬الأسوار‭ ‬الداخلية‭ ‬لهذا‭ ‬الوطن‭ ‬الذي‭ ‬يجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬مرمى‭ ‬متغيرات‭ ‬دولية‭ ‬وإقليمية‭ ‬كانت‭ ‬لها‭ ‬تداعيات‭ ‬مباشرة‭ ‬وغير‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬أوضاعه‭ ‬وعلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مستوى،‭ ‬ولعل‭ ‬هذه‭ ‬اليقظة‭ ‬التي‭ ‬أكد‭ ‬عليها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬بها‭ ‬البلاد‭ ‬تستوجب‭ ‬منّا‭ ‬جميعا‭ ‬القيام‭ ‬ببعض‭ ‬المراجعات‭ ‬وتغليب‭ ‬المصلحة‭ ‬العليا‭ ‬للوطن‭ ‬وسدّ‭ ‬المنافذ‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المحاولات‭ ‬التي‭ ‬يسعى‭ ‬بعض‭ ‬المارقين‭ ‬إلى‭ ‬ولوجها‭ ‬والإضرار‭ ‬بالأمن‭ ‬الداخلي‭ ‬لتونس‭ ‬وباستقرارها‭.‬

ويجمع‭ ‬المتابعون‭ ‬للشأن‭ ‬الوطني‭ ‬أن‭ ‬الحالة‭ ‬التونسية‭ ‬عرفت‭ ‬تغيرات‭ ‬جذرية‭ ‬منذ‭ ‬2011‭ ‬ومرورا‭ ‬بمرحلة‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬وقد‭ ‬آن‭ ‬لها‭ ‬اليوم‭ ‬أن‭ ‬تنعم‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الاستكانة‭ ‬والاستقرار‭ ‬بعد‭ ‬التجاذبات‭ ‬السياسية‭ ‬وتفشي‭ ‬ظواهر‭ ‬الانتهازية‭ ‬والمساومات‭ ‬السياسية‭ ‬وهي‭ ‬مرحلة‭ ‬تتطلب‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬رصّ‭ ‬صفوف‭ ‬الجبهة‭ ‬الداخلية‭ ‬وقطع‭ ‬مختلف‭ ‬الطرق‭ ‬المؤدية‭ ‬لزعزعة‭ ‬الأمن‭ ‬الداخلي‭ ‬لتونس‭.‬

وبعد‭ ‬ما‭ ‬مثّلته‭ ‬لحظة‭ ‬25‭ ‬جويلية‭ ‬من‭ ‬منعرج‭ ‬سياسي‭ ‬حاسم‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬التونسي‭ ‬بعد‭ ‬التجاذبات‭ ‬السياسية‭ ‬الحادة‭ ‬التي‭ ‬كادت‭ ‬تعصف‭ ‬باستقرار‭ ‬تونس‭ ‬يعتبر‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬استكمال‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬لا‭ ‬يمر‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬تشريعي‭ ‬وتوالي‭ ‬المحطات‭ ‬الانتخابية‭ ‬وإنما‭ ‬يمر‭ ‬أيضا‭ ‬عبر‭ ‬خلق‭ ‬مشروع‭ ‬وطني‭ ‬ومواطني‭ ‬جامع‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬التونسيين‭… ‬مشروع‭ ‬يدلي‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬بدلوه‭ ‬وبإضافاته‭ ‬وبتصوراته‭ ‬للإصلاح‭ ‬والتنمية‭ ‬ولا‭ ‬نستثني‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الأطراف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬ولا‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬ولا‭ ‬الهياكل‭ ‬المهنية‭ ‬على‭ ‬اختلافها‭ ‬وتنوعها‭.‬

ولعل‭ ‬كيفية‭ ‬الإمساك‭ ‬بهذا‭ ‬الخيط‭ ‬الناظم‭ ‬وتحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الانسجام‭ ‬والتناسق‭ ‬المطلوب‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬مكونات‭ ‬المشهد‭ ‬التونسي‭ ‬سياسيا‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬مدنيا‭ ‬أو‭ ‬مجتمعيا‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬تحتاجه‭ ‬تونس‭ ‬فعليا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬فترة‭ ‬ماضية‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬عهد‭ ‬الخوارق‭ ‬قد‭ ‬ولّى‭ ‬وانتهى‭ ‬وأن‭ ‬القوة‭ ‬الحقيقية‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬حسن‭ ‬الإنصات‭ ‬وتكثيف‭ ‬الإنصات‭ ‬والتوجه‭ ‬للجميع‭ ‬بخطاب‭ ‬الطمأنة‭ ‬والثقة‭ …‬خطاب‭ ‬التجميع‭…‬خطاب‭ ‬تشبيك‭ ‬التجارب‭ ‬بأخطائها‭ ‬وإنجازاتها‭ ‬والبناء‭ ‬عليها‭.‬

اليوم‭ ‬نشهد‭ ‬صراعات‭ ‬محاور‭ ‬إقليمية‭ ‬اطاحنةب‭ ‬تستوجب‭ ‬منا‭ ‬تقوية‭ ‬جبهتنا‭ ‬الداخلية‭ ‬وللخروج‭ ‬للعالم‭ ‬بصورة‭ ‬البلد‭ ‬المتماسك‭ ‬والمتآزر‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬مكوناته‭ ‬حيث‭ ‬لن‭ ‬يعتّد‭ ‬العالم‭ ‬بمقترحاتنا‭ ‬وبتصوراتنا‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تثبت‭ ‬نجاعتها‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬ولم‭ ‬تبن‭ ‬على‭ ‬تجربة‭ ‬داخلية‭ ‬ناجحة‭ ‬يشهد‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬أبنائها‭ ‬قبل‭ ‬مراقبيها‭.‬

وقد‭ ‬تكون‭ ‬دعوة‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬رفع‭ ‬درجات‭ ‬اليقظة‭ ‬والانتباه‭  ‬مدخلا‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬قنوات‭ ‬النقاش‭ ‬والتحاور‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬وأن‭ ‬القوة‭ ‬الحقيقية‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬وحدة‭ ‬الصفوف‭ ‬وأن‭ ‬الجبهات‭ ‬الأمامية‭ ‬لصدّ‭ ‬أي‭ ‬محاولات‭ ‬بائسة‭ ‬للإضرار‭ ‬بهذا‭ ‬الوطن‭ ‬تشكلها‭ ‬اللحمة‭ ‬الداخلية‭ ‬والتفكير‭ ‬سويا‭ ‬في‭ ‬سبل‭ ‬تقوية‭ ‬الموارد‭ ‬وتدعيم‭ ‬الاستثمارات‭ ‬وإحلال‭ ‬هدنة‭ ‬اجتماعية‭ ‬للمضيّ‭ ‬في‭ ‬إقلاع‭ ‬مشترك‭ ‬يكون‭ ‬فيه‭ ‬لكل‭ ‬طرف‭ ‬بصمته‭ ‬وامتداده‭.‬

كما‭ ‬يجدر‭ ‬التذكير‭ ‬أن‭ ‬الولاء‭ ‬والوطنية‭ ‬ليست‭ ‬حكرا‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الأطراف‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬نتفق‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬فاختلافاتنا‭ ‬ليست‭ ‬مبعثا‭ ‬للتشكيك‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬تجذر‭ ‬انتماءاتنا‭ ‬لهذا‭ ‬الوطن‭ ‬ولا‭ ‬منطلقا‭ ‬لإفساد‭ ‬أي‭ ‬ودّ‭ ‬كان‭ ‬لأن‭ ‬في‭ ‬الاختلاف‭ ‬إثراء‭ ‬للتجربة‭ ‬وللفكر‭ ‬والتصور‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أبعاده‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭.‬

وإذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نربح‭ ‬معركة‭ ‬دحر‭ ‬هذه‭ ‬الأزمات‭ ‬المتعددة‭ ‬التي‭ ‬تعانيها‭ ‬تونس‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نستثمر‭ ‬في‭ ‬طاقاتنا‭ ‬كل‭ ‬طاقاتنا‭ ‬ولا‭ ‬نهدر‭ ‬أي‭ ‬جهد‭ ‬محتمل‭ ‬لحماية‭ ‬البلاد‭ ‬مما‭ ‬يتهددها‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬والتعويل‭ ‬على‭ ‬الكفاءات‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬تزخر‭ ‬بها‭ ‬تونس‭.‬

‭ ‬وقد‭ ‬أكد‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد،‭ ‬ضرورة‭ ‬رفع‭ ‬درجة‭ ‬اليقظة‭ ‬والانتباه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬تونس‭ ‬وذلك‭ ‬لدى‭ ‬استقباله‭ ‬أول‭ ‬أمس‭  ‬في‭ ‬قصر‭ ‬قرطاج‭ ‬كلاّ‭ ‬من‭ ‬وزير‭ ‬الداخلية‭ ‬كمال‭ ‬الفقي‭ ‬ومدير‭ ‬عام‭ ‬الأمن‭ ‬الوطني‭ ‬مراد‭ ‬سعيدان‭ ‬والمدير‭ ‬العام‭ ‬آمر‭ ‬الحرس‭ ‬الوطني‭ ‬حسين‭ ‬الغربي‭ ‬حيث‭  ‬أثنى‭ ‬على‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬الوحدات‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬الوطن‭ ‬بمعاضدة‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬المسلّحة‭.‬

كما‭ ‬أشاد‭ ‬قيس‭ ‬سعيّد‭ ‬بالشعور‭ ‬العميق‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬لدى‭ ‬المواطنين‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يهدّد‭ ‬أمن‭ ‬تونس‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

دعوة لبعث مجلس السيادة الغذائية : ضمانة ديمومة المنظومات الإنتاجية والحدّ من التبعية الغذائية

كشفت أزمة جائحة كورونا والحرب الروسية -الأوكرانية عن هشاشة منظومات الإنتاج المحلية في تونس…