2023-11-07

بعد حادثة هروب خمسة ارهابيين من سجن المرناقية التقصير في الواجب جريمة أيضا..!

عاشت‭ ‬تونس‭ ‬خلال‭ ‬عطلة‭ ‬نهاية‭ ‬الاسبوع‭ ‬ماراطونا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬الاشاعات‭ ‬والفبركات،‭ ‬فيها‭ ‬المرفق‭ ‬بفيديوهات‭ ‬وصور‭ ‬وشهادات،‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬أحد‭ ‬الصحيح‭ ‬منها‭ ‬والخاطئ،‭ ‬ولا‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة،‭ ‬بكل‭ ‬مؤسساتها،‭ ‬كلّف‭ ‬نفسه‭ ‬عناء‭ ‬التوضيح‭ ‬والشرح‭. ‬بل‭ ‬يبدو‭ ‬ان‭ ‬المؤسسات‭ ‬المقصّرة،‭ ‬والمتسببة‭ ‬في‭ ‬الفرار‭ ‬الجماعي‭ ‬لخمسة‭ ‬ارهابيين‭ ‬خطرين‭ ‬من‭ ‬السجن‭ ‬الاكثر‭ ‬تحصينا‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬قد‭ ‬أعجبتها‭ ‬المسألة‭ ‬وانخرط‭ ‬مناصروها‭ ‬وبعض‭ ‬أعوانها‭ ‬المتقاعدين،‭ ‬وبقايا‭ ‬من‭ ‬نقاباتها‭ ‬المنحلة،‭ ‬في‭ ‬الحملة‭ ‬االتبييضيةب‭ ‬التي‭ ‬خلقت‭ ‬بطولات‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬التضامن‭ ‬وأخرى‭ ‬في‭ ‬برج‭ ‬السدرية‭ ‬وثالثة‭ ‬في‭ ‬النصر‭ ‬ورواد‭ ‬والمنيهلة‭ ‬وحتى‭ ‬في‭ ‬المنازه‭ ‬والبحيرة‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الخضمّ،‭ ‬سيطر‭ ‬الصمت‭ ‬التام‭ ‬على‭ ‬كامل‭ ‬مصالح‭ ‬البلاد‭ ‬الحيوية،‭ ‬أمن‭ ‬وسجون‭ ‬وعدل‭ ‬وحرس‭ ‬وقضاء‭ ‬ووكالة‭ ‬الجمهورية‭ ‬والنيابة‭ ‬العمومية،‭ ‬لا‭ ‬بيانات‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬بلاغ‭ ‬يتيم‭ ‬يقول‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬صحيحا،‭ ‬أو‭ ‬يفنّد‭ ‬الخبر‭ ‬وينفيه،‭ ‬كما‭ ‬قد‭ ‬يؤكده‭ ‬ويوضح‭ ‬ملابساته،‭ ‬ويزيح‭ ‬الغشاوة‭ ‬عن‭ ‬أعين‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬بقوا‭ ‬في‭ ‬حيرة‭ ‬من‭ ‬أمرهم‭ ‬طيلة‭ ‬عطلة‭ ‬نهاية‭ ‬الاسبوع،‭ ‬تتقاذفهم‭ ‬الاخبار‭ ‬والشائعات،‭ ‬ولا‭ ‬يميزون‭ ‬بين‭ ‬الغثّ‭ ‬والسمين‭. ‬خاصة‭ ‬وان‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة‭ ‬المعنية‭ ‬تعرف‭ ‬جيدا‭ ‬ان‭ ‬الدافع‭ ‬الرئيسي‭ ‬لاهتمام‭ ‬الناس‭ ‬بهذا‭ ‬الموضوع‭ ‬وحرصهم‭ ‬الشديد‭ ‬على‭ ‬متابعة‭ ‬أخباره،‭ ‬نابع‭ ‬أساسا‭ ‬من‭ ‬حرصهم‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬بلادهم‭ ‬وسلامة‭ ‬عائلاتهم‭ ‬ومصالح‭ ‬دولتهم‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬الاستقرار‭ ‬والامن‭ ‬والامان،‭ ‬وطيّ‭ ‬صفحة‭ ‬الارهاب‭ ‬وتخويف‭ ‬الناس‭ ‬وترويع‭ ‬الآمنين‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬بإمكان‭ ‬أي‭ ‬مؤسسة‭ ‬من‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬المعنية‭ ‬بحادثة‭ ‬الهروب،‭ ‬ان‭ ‬توضح‭ ‬في‭ ‬بلاغ،‭ ‬حتى‭ ‬موجز‭ ‬من‭ ‬سطرين،‭ ‬ان‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الاخبار‭ ‬المتداولة‭ ‬عن‭ ‬القاء‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬الفارين،‭ ‬صحيحة‭ ‬أم‭ ‬خاطئة،‭ ‬وكان‭ ‬بإمكانها‭ ‬ان‭ ‬توجه‭ ‬الناس‭ ‬الى‭ ‬كيفية‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬الخبر‭ ‬وتبيّن‭ ‬الصحيح‭ ‬من‭ ‬المغشوش‭ ‬والحقيقة‭ ‬من‭ ‬الاشاعة،‭ ‬لكنها‭ ‬اختارت‭ ‬كلها‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭ ‬ان‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬عطلة‭ ‬سبات‭ ‬عميق،‭ ‬فاسحة‭ ‬المجال‭ ‬لطغيان‭ ‬الاشاعة‭ ‬وضياع‭ ‬الحقيقة،‭ ‬خاصة‭ ‬وان‭ ‬هناك‭ ‬أطرافا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬قد‭ ‬أعجبتها‭ ‬الاشاعات‭ ‬والاخبار،‭ ‬ووجدت‭ ‬فيها‭ ‬ضالتها،‭ ‬لانها‭ ‬تحميها‭ ‬من‭ ‬المساءلة‭ ‬الى‭ ‬حين،‭ ‬ولأنها‭ ‬تعطي‭ ‬عنها‭ ‬انطباعا‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وقد‭ ‬تحسّن‭ ‬صورة‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬اهتزت‭ ‬نتيجة‭ ‬هذا‭ ‬الهروب‭ ‬الاسطوري‭ ‬وغير‭ ‬المسبوق‭ ‬الذي‭ ‬شكّل‭ ‬باعتراف‭ ‬الجميع‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬العليا‭ ‬للدولة،‭ ‬صدمة‭ ‬لكل‭ ‬البلاد‭ ‬ولكل‭ ‬المؤسسات‭ ‬والاجهزة‭ ‬والمواطنين‭.‬

وكان‭ ‬بإمكان‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬المعنية‭ ‬أيضا‭ ‬ان‭ ‬تعقد‭ ‬ندوة‭ ‬صحفية‭ ‬منذ‭ ‬الساعات‭ ‬الاولى‭ ‬للفرار،‭ ‬توضح‭ ‬فيها‭ ‬ملابسات‭ ‬العملية،‭ ‬وتضع‭ ‬النقاط‭ ‬على‭ ‬الحروف‭ ‬وتتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬كاملة‭ ‬في‭ ‬التقصير،‭ ‬وتنبّه‭ ‬المواطنين‭ ‬لكيفية‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هكذا‭ ‬معطى‭ ‬جديد‭ ‬لم‭ ‬يألفوه‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬توالي‭ ‬الانباء‭ ‬المشوشة‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭ ‬عن‭ ‬سفرهم‭ ‬الى‭ ‬الخارج‭ ‬مباشرة،‭ ‬وعن‭ ‬الجهات‭ ‬التي‭ ‬مكّنتهم‭ ‬من‭ ‬الخروج‭ ‬وعن‭ ‬المتورطين‭ ‬معهم،‭ ‬لكن‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬اكتفت‭ ‬ببيان‭ ‬هو‭ ‬أشبه‭ ‬بخبر‭ ‬في‭ ‬وكالة‭ ‬انباء‭ ‬عادية‭.‬

كما‭  ‬كان‭ ‬بإمكانها‭ ‬أيضا‭ ‬ان‭ ‬تشرع‭ ‬في‭ ‬اجراء‭ ‬التحقيقات‭ ‬اللازمة،‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬السرية،‭ ‬والمراجعة‭ ‬التامة‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬العلنية،‭ ‬لان‭ ‬هناك‭ ‬فرقا‭ ‬بين‭ ‬التحقيق‭ ‬الامني‭ ‬الذي‭ ‬يفضي‭ ‬الى‭ ‬ايقاف‭ ‬مذنبين،‭ ‬وبين‭ ‬التحقيق‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬يهدف‭ ‬الى‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬مكامن‭ ‬الخلل‭ ‬واستخلاص‭ ‬الدروس‭ ‬والعبر‭ ‬وتلافي‭ ‬الثغرات،‭ ‬دون‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬المزايدات‭ ‬والقاء‭ ‬المسؤوليات‭ ‬على‭ ‬الغير‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬واجب‭ ‬حماية‭ ‬البلاد‭ ‬والعباد‭ ‬بدواع‭ ‬واهية‭ ‬وغير‭ ‬مقبولة،‭ ‬فالتقصير‭ ‬في‭ ‬الواجب‭ ‬جريمة‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬المسوغات‭ ‬والأعذار،‭ ‬وتوفير‭ ‬الامكانيات‭ ‬المادية‭ ‬واللوجستية‭ ‬والتسليحية‭ ‬والتدريبية،‭ ‬واجب‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬ولا‭ ‬فائدة‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬الالتفاف‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المطلب،‭ ‬خاصة‭ ‬وان‭ ‬جميع‭ ‬الشعب‭ ‬التونسي‭ ‬يعرف‭ ‬جيدا‭ ‬ما‭ ‬تعانيه‭ ‬المؤسسة‭ ‬السجنية‭ ‬من‭ ‬ضعف‭ ‬امكانيات‭ ‬واكتظاظ‭ ‬وفوضى‭ ‬وما‭ ‬ينقصها‭ ‬من‭ ‬امكانيات‭ ‬واعتمادات‭.‬

وقد‭ ‬أكدت‭ ‬الجمعية‭ ‬التونسية‭ ‬لمناهضة‭ ‬التعذيب‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬لها‭ ‬أول‭ ‬أمس‭ ‬الاحد‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬داعية‭ ‬لإطلاق‭ ‬احوار‭ ‬مؤسساتي‭ ‬ومجتمعي‭ ‬حول‭ ‬واقع‭ ‬السجون‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬تشارك‭ ‬فيه‭ ‬مؤسسات‭ ‬الدولة‭ ‬ومنظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬تخفيفا‭ ‬للعبء‭ ‬على‭ ‬المنظومة‭ ‬السّجنيّة‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬متعدّدة،‭ ‬أمنية‭ ‬وقضائية‭ ‬وصحية‭ ‬وتعليمية‭ ‬وإصلاحية‭ ‬ومادية،‭ ‬بموارد‭ ‬مالية‭ ‬وبشرية‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬وعلى‭ ‬أهمية‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الحادثة‭ ‬الأخيرة‭ ‬مناسبة‭ ‬ليتعاون‭ ‬جميع‭ ‬الفاعلين‭ ‬المعنيين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬شاملة‭ ‬للإشكاليات‭ ‬المطروحة‭ ‬تتجاوز‭ ‬مجرد‭ ‬التعاطي‭ ‬الأمني‭ ‬مع‭ ‬الحدث‭ ‬على‭ ‬أهميته‭ ‬وضرورتهب‭..‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬ان‭ ‬حادثة‭ ‬بهذه‭ ‬الاهمية‭ ‬وهذه‭ ‬الخطورة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬بحال‭ ‬من‭ ‬الاحوال‭ ‬ان‭ ‬تُترك‭ ‬أخبارها‭ ‬ومتابعتها‭ ‬لصفحات‭ ‬الهواة‭ ‬على‭ ‬الفايسبوك‭ ‬بل‭ ‬تستوجب‭ ‬عناية‭ ‬خاصة‭ ‬ومراقبة‭ ‬مستمرة‭ ‬ومتابعة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أجهزة‭ ‬الدولة،‭ ‬وتوضيحات‭ ‬اعلامية‭ ‬متواصلة،‭ ‬ويقظة،‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تختلط‭ ‬الامور‭ ‬على‭ ‬المواطنين‭ ‬الذين‭ ‬يعنيهم‭ ‬أمن‭ ‬بلادهم‭ ‬وسلامتها‭ ‬قبل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬آخر‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

لا بد من الرهان على الحزم الاداري والردع القانوني: الوعي المواطني وحده لا يكفي لحماية البيئة والمحيط

عادة ما يتداول التونسيون في موسم الاصطياف خصوصا، صورا ومشاهد وفيديوهات لمجموعات شبابية او …