بعد حادثة هروب خمسة ارهابيين من سجن المرناقية التقصير في الواجب جريمة أيضا..!
عاشت تونس خلال عطلة نهاية الاسبوع ماراطونا كبيرا من الاشاعات والفبركات، فيها المرفق بفيديوهات وصور وشهادات، لا يعلم أحد الصحيح منها والخاطئ، ولا أحد في أجهزة الدولة، بكل مؤسساتها، كلّف نفسه عناء التوضيح والشرح. بل يبدو ان المؤسسات المقصّرة، والمتسببة في الفرار الجماعي لخمسة ارهابيين خطرين من السجن الاكثر تحصينا في البلاد، قد أعجبتها المسألة وانخرط مناصروها وبعض أعوانها المتقاعدين، وبقايا من نقاباتها المنحلة، في الحملة االتبييضيةب التي خلقت بطولات في حي التضامن وأخرى في برج السدرية وثالثة في النصر ورواد والمنيهلة وحتى في المنازه والبحيرة.
وفي هذا الخضمّ، سيطر الصمت التام على كامل مصالح البلاد الحيوية، أمن وسجون وعدل وحرس وقضاء ووكالة الجمهورية والنيابة العمومية، لا بيانات ولا حتى بلاغ يتيم يقول ان هذا صحيحا، أو يفنّد الخبر وينفيه، كما قد يؤكده ويوضح ملابساته، ويزيح الغشاوة عن أعين الناس الذين بقوا في حيرة من أمرهم طيلة عطلة نهاية الاسبوع، تتقاذفهم الاخبار والشائعات، ولا يميزون بين الغثّ والسمين. خاصة وان أجهزة الدولة المعنية تعرف جيدا ان الدافع الرئيسي لاهتمام الناس بهذا الموضوع وحرصهم الشديد على متابعة أخباره، نابع أساسا من حرصهم على أمن بلادهم وسلامة عائلاتهم ومصالح دولتهم والرغبة في رؤية الاستقرار والامن والامان، وطيّ صفحة الارهاب وتخويف الناس وترويع الآمنين.
لقد كان بإمكان أي مؤسسة من مؤسسات الدولة المعنية بحادثة الهروب، ان توضح في بلاغ، حتى موجز من سطرين، ان كانت هذه الاخبار المتداولة عن القاء القبض على الفارين، صحيحة أم خاطئة، وكان بإمكانها ان توجه الناس الى كيفية التعاطي مع الخبر وتبيّن الصحيح من المغشوش والحقيقة من الاشاعة، لكنها اختارت كلها دون استثناء ان تدخل في عطلة سبات عميق، فاسحة المجال لطغيان الاشاعة وضياع الحقيقة، خاصة وان هناك أطرافا على ما يبدو قد أعجبتها الاشاعات والاخبار، ووجدت فيها ضالتها، لانها تحميها من المساءلة الى حين، ولأنها تعطي عنها انطباعا آخر غير الحقيقي، وقد تحسّن صورة المؤسسات التي اهتزت نتيجة هذا الهروب الاسطوري وغير المسبوق الذي شكّل باعتراف الجميع بمن فيهم القيادة السياسية العليا للدولة، صدمة لكل البلاد ولكل المؤسسات والاجهزة والمواطنين.
وكان بإمكان مؤسسات الدولة المعنية أيضا ان تعقد ندوة صحفية منذ الساعات الاولى للفرار، توضح فيها ملابسات العملية، وتضع النقاط على الحروف وتتحمل المسؤولية كاملة في التقصير، وتنبّه المواطنين لكيفية التعامل مع هكذا معطى جديد لم يألفوه من قبل، خاصة مع توالي الانباء المشوشة منذ البداية عن سفرهم الى الخارج مباشرة، وعن الجهات التي مكّنتهم من الخروج وعن المتورطين معهم، لكن وزارة الداخلية اكتفت ببيان هو أشبه بخبر في وكالة انباء عادية.
كما كان بإمكانها أيضا ان تشرع في اجراء التحقيقات اللازمة، في كنف السرية، والمراجعة التامة في كنف العلنية، لان هناك فرقا بين التحقيق الامني الذي يفضي الى ايقاف مذنبين، وبين التحقيق العام الذي يهدف الى الوقوف على مكامن الخلل واستخلاص الدروس والعبر وتلافي الثغرات، دون السقوط في المزايدات والقاء المسؤوليات على الغير والتخلص من واجب حماية البلاد والعباد بدواع واهية وغير مقبولة، فالتقصير في الواجب جريمة مهما كانت المسوغات والأعذار، وتوفير الامكانيات المادية واللوجستية والتسليحية والتدريبية، واجب أيضا على الدولة ولا فائدة من محاولة الالتفاف على هذا المطلب، خاصة وان جميع الشعب التونسي يعرف جيدا ما تعانيه المؤسسة السجنية من ضعف امكانيات واكتظاظ وفوضى وما ينقصها من امكانيات واعتمادات.
وقد أكدت الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب في بيان لها أول أمس الاحد على ذلك، داعية لإطلاق احوار مؤسساتي ومجتمعي حول واقع السجون في تونس تشارك فيه مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني تخفيفا للعبء على المنظومة السّجنيّة التي تواجه تحديات متعدّدة، أمنية وقضائية وصحية وتعليمية وإصلاحية ومادية، بموارد مالية وبشرية غير كافية وعلى أهمية أن تكون الحادثة الأخيرة مناسبة ليتعاون جميع الفاعلين المعنيين من أجل إيجاد حلول شاملة للإشكاليات المطروحة تتجاوز مجرد التعاطي الأمني مع الحدث على أهميته وضرورتهب..
ولا شك ان حادثة بهذه الاهمية وهذه الخطورة لا يمكن بحال من الاحوال ان تُترك أخبارها ومتابعتها لصفحات الهواة على الفايسبوك بل تستوجب عناية خاصة ومراقبة مستمرة ومتابعة من أهم أجهزة الدولة، وتوضيحات اعلامية متواصلة، ويقظة، حتى لا تختلط الامور على المواطنين الذين يعنيهم أمن بلادهم وسلامتها قبل أي شيء آخر.
مهرجان السينما المتوسطية بشنني «الأرض أنا، الفيلم أنا.. إنا باقون على العهد»: تطور كبير وحضور مؤثّر وفاعل للمخرج السوري سموءل سخية
استطاع المدير الفني لمهرجان السينما المتوسطية بشنني في الدورة 19 المخرج السوري سموءل سخية …