منذ 7 أكتوبر التاريخ المزلزل الذي أعلن بداية طوفان الأقصى ووجه ضربة قاصمة إلى الكيان المحتل، اتخذت تونس موقفا واضحا لا لبس فيه ينحاز ودونما أي قيد أو شرط إلى الحق الفلسطيني ويدافع عن فلسطين التاريخية وعاصمتها القدس الشريف بلا مساومة أو مواربة أو محاولة إرضاء هذا الطرف أو ذاك.
وبعد ما يربو عن ثلاثة أسابيع حافظ موقف تونس على بوصلته وبدت القيادة متماهية مع إرادة الشعب وهبّ التونسيون هبّة رجل واحد بكل ما أوتوا من قوة من أجل نجدة الفلسطينيين بكل الوسائل سواء عبر الوسائط التكنولوجية والتعريف بحرب الإبادة التي يتعرض لها سكان قطاع غزة أو عبر التظاهر في كل المدن بأعداد غفيرة للتنديد بالعدوان الغاشم أو عبر إرسال المساعدات الطبية والغذائية ورغم ضيق الحال والظرف الاقتصادي الصعب تداعى التونسيون لتوفير ما يمكن توفيره. وحسب ما رجح من معلومات فإن قيمة الإعانات التونسية فاقت ما قدمته بعض البلدان الغنية وهذا أمر لا نحتاج إلى تفصيل القول فيه ويتطلب شرحا يطول.
أما بالنسبة إلى الموقف السياسي الرسمي فهو معلوم للقاصي والداني وقد أعلنه رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ أن كان مرشحا للرئاسة في انتخابات 2019 وما يزال يردد هذا المقال في كل مقام.
قد تكون هذه الديباجة الطويلة نسبيا ضرورية جدا في هذه الظروف ليس استعراضا أو تباهيا بموقفنا المشرّف وهو محل فخر لا جدال في ذلك وإنما لوضع النقاط على الحروف وإجابة على بعض التصريحات القادمة من هنا وهناك من قبل فئة من المزايدين الذين جعلوا من خصومتهم مع رئيس الجمهورية قيس سعيد مجالا لتصويب السهام نحو تونس مهما فعلت.
والأكيد أن رفع العلم التونسي في غزة دونا عن باقي الإعلام والتنويه الثمين الذي يأتي على لسان رجال المقاومة ورموزها في كل مرة حيث يذكر اسم تونس مرفوقا بالتبجيل والتقدير خير دليل على أن موقفنا صادق وحقيقي ونابع من قناعات عميقة ولا يخضع لمنطق المصالح والولاءات.
لكن ورغم هذا من المهم توضيح ما يجب توضيحه ووضع الحقائق الأربع أمام كل من تسول له نفسه أن يزايد على الموقف التونسي داخليا أو خارجيا.
وقد لاحظنا أن هناك عديد التيارات والشخصيات التي تقف على طرفي نقيض في ما بينها ولكنها اجتمعت على موقف موحد وهو المزايدة على الموقف التونسي.
ويمكن أن نقسّم المواقف المزايدة على تونس إلى ثلاثة أقسام الأول يتبناه البعض من االمتأمركينب المقيمين بيننا أو الذين يحملون جنسيتنا والذين يخدمون سواء عن غباء أو عن مكر المصلحة الصهيونية وهم يدعون الى فتح المجال أمام الفلسطينيين للقدوم الى تونس كلاجئين وهو موقف يتماهى مع ما يريده الصهاينة وهو تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة ايضا حتى يتسنى للكيان الاخطبوبي بسط نفوذه على هذه المناطق واستيطانها بشكل نهائي ووضع نقطة النهاية للقضية الفلسطينية وإفراغها من أي معنى أو رمز.
وهذا الموقف لا يعلن عن نفسه بهذه الصراحة وإنما يتوسل إلى ذلك بنزعة إنسانية تعاطفية ويدّعي العمل على حماية الفلسطينيين وتبنّي أطفالهم وتوفير ملاذات آمنة لهم. ومن يتبناه هم أقلية ممن اختاروا أن يكونوا سدنة المعبدب البيت الأبيض الذي اختار أن يدعم الكيان المحتل بوضوح وجلاء متحديا كل القوانين الدولية والأعراف وحتى المنطق الإنساني.
أما القسم الثاني فتتبناه بعض الأطياف السياسية أو بعض المحسوبين على النخب وهم من الغلاة في المواقف السياسية ومن معارضة الداخل ويريدون التصعيد نكاية في الموقف الرسمي التونسي وبهدف إحراج السلطة التونسية لذلك يقولون بضرورة طرد سفراء كل البلدان الداعمة للكيان الصهيوني وهو ذات الموقف الذي تتبناه معارضة الخارج وتزيد عليه مطالبة بفتح الحدود أمام كل من يريد أن يذهب إلى فلسطين للقتال فيها. والحقيقة أن هؤلاء يهدفون إلى توريط تونس في أخطاء دبلوماسية أو سلوك انفعالي قد يقود إلى عقوبات قاسية على بلادنا تؤدي إلى عزلتها. وأغلب هؤلاء ايبخسونب الموقف التونسي رغم أنهم لم تكن لهم الشجاعة لاتخاذ مواقف مماثلة وأقل شأنا من هذه في سياقات معلومة عايشناها معهم وتابعنا انبطاحهم للوبيات الأمريكية والصهيونية في أكثر من مقام.
ثمة قسم ثالث يزايد على الموقف التونسي ولكن بشكل مختلف إذ يعتبر أن الانحياز الواضح والجلي للحق الفلسطيني يتعارض مع مصلحة تونس ويعمّق عزلتها ولا يخدمها في مراكز صنع القرار عالميا وأغلب هؤلاء من السياسيين أو النخب التي تدّعي العقلانية والبراغماتية ولا تريد معاداة الغرب مهما فعل وهؤلاء يتوسلون أحيانا لتبرير هذا الموقف بالفكر البورقيبي متجاهلين السياقات وطبيعة الفاعلين السياسيين.
اتّساقا مع الرهانات الوطنية والإقليمية والدولية : المضيّ بخطى ثابتة نحو أفق جديد
على الجميع ان يحثّ الخطى في الاتجاه الذي رسمه الشعب لبناء تاريخ جديد … هذه الجملة هي…