تحدّ كبير أمام الوظيفتين التشريعية.. والتنفيذية في تونس تجريم التطبيع رسالة قوّية للمقاومة وللعدوّ..!
نضُجت الظروف على ما يبدو وأصبحت إمكانية إصدار قانون يجرّم التطبيع مع الكيان الصهيوني واردة بقوة نهاية هذا الشهر خصوصا بعد أن ختمت لجنة الحقوق والحريات بمجلس نواب الشعب مداولاتها وصادقت مبدئيا وبالأغلبية على مقترح نص يتضمن سبعة فصول ضمن صيغة توافقية بين مختلف الكتل البرلمانية على أن تتم صياغة التقرير النهائي لأعمال اللجنة إثر الاستماع لممثلين عن وزارتي الخارجية والعدل وبعد ذلك إحالة مشروع القانون على مكتب المجلس لتحديد جلسة عامة للنظر فيه والمصادقة عليه ويوجّه بعد ذلك إلى رئاسة الجمهورية بغرض الختم والنشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وبالتالي الدخول حيّز النفاذ.
وكما هو معلوم فان موضوع التطبيع وتجريمه قديم جديد لطالما خاضت فيه النخب وحتى المواطنون العاديون الذين فطموا على معاداة الصهيونية لكن حسابات سياسية واصطفافات إقليمية ودولية جعلت جميع مبادرات التجريم تصطدم بالصمت والتواطؤ والأسوأ من ذلك تقديم الذرائع والحجج الواهية من قبيل ان الفلسطينيين لم يطلبوا ذلك بعد.
هذه الأيام ومع انطلاقة ملحمة طوفان الأقصى في 7 اكتوبر 2023 وتمادي الكيان الصهيوني في ارتكاب جرائمه منتشيا بدعم أمريكا والغرب له، وبحثا عن سبل دعم المقاومة الفلسطينية في كل ساحات المعارك الدبلوماسية والسياسية والقانونية والإعلامية تعددت المبادرات التي تظل رغم كل شيء منقوصة وقابلة للتطوير ولسنا نبالغ حين نقول أن إصدار نص قانوني في بلادنا يجرّم التطبيع مع هذا الكيان رسالة قوية للداخل التونسي أولا بأننا متوافقون قولا وفعلا بشان الموقف من فلسطين، ورسالة أيضا للمقاومة الفلسطينية بأننا ملتزمون بما وعدنا به ورسالة كذلك للعدو وللعالم برمته بان الشعوب الملتزمة والمنتصرة للحق الإنساني لا يمكن لها ان تطبّع في اي ظرف من الظروف مع من ينتهك الحقوق ويهدر حق الأطفال والنساء والشيوخ والعزل في الحياة وينكّل بهم.
وقد عرفت المؤسسة التشريعية في تونس منذ 2011 إيداع أكثر من مبادرة كان أهمها مبادرة الجبهة الشعبية في 2015 ثم مبادرة الكتلة الديمقراطية في 2020 وها هي اليوم مجموعة من الكتل تتوافق حول نص لا يختلف كثيرا عن النصوص السابقة فهو يتضمن تعريفا للكيان الصهيوني ولمصطلح التطبيع وتعريفا لجريمة التطبيع وأشكالها وأنواعها والعقوبة الجزائية المترتبة عنها والجهة المنفذة والمسؤولة عن إثارة الدعوة.
وفي باب العقوبات تصل أقصى عقوبة وفق المشروع إلى السجن المؤبد إضافة إلى تأكيد عدم تمتع المتورط في جريمة التطبيع بأي ظروف تخفيف.
إن صدور نص يجرّم التطبيع مع الكيان الصهيوني في هذا الظرف الدقيق الذي يرسم فيه الأشقاء الفلسطينيون أروع صور الصمود الأسطوري في ملحمة طوفان الأقصى ويسقطون ما بقي من أوراق التوت على جسد الكيان المتهالك وحلفائه في الإدارة الأمريكية وفي الدول الغربية، أمر محمود وخطوة مهمة لدعم وإسناد المقاومة الفلسطينية وهي رسالة للداخل والخارج مفادها ان المسائل المبدئية المتصلة بالثوابت وبالقيم والمبادئ الإنسانية غير قابلة للنقاش والمساومة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن التطبيع مع الكيان الصهيوني وأساسا الموقف من الحق الفلسطيني ومن النظام الرسمي العربي والمؤسسات الإقليمية والأممية، مسائل تكاد تكون محسومة في وجدان وعقول التونسيين منذ زمن بعيد ولولا بعض الإغراءات والحسابات الخاطئة التي أفضت إلى سقوط بعض المحسوبين على النخبة والمثقفين لما كان طرح الموضوع وجيها بالمرة لكن تواتر اندساس الصهاينة في بعض الأنشطة العلمية والأكاديمية وتورط تونسيين فيها للأسف بل وتبرير ذلك هو الذي يحتم التجريم وينبه الدولة وأجهزتها إلى مسؤولياتها في حماية الأمن القومي بالدرجة الأولى واحترام الالتزامات القيمية والأخلاقية حتى قبل التزامات النصوص التي تصاغ على المقاس وتنفذ أيضا على المقاس بمكيالين ولا ننسى في هذا السياق أيضا الاختراق الاقتصادي والتطبيع من بوابة فروع الشركات الكبرى المنتصبة ببلادنا وتوريد أو تصدير بعض المنتجات وغيره .
في باب الايجابيات إذن، يمكن القول أن نص المشروع في مجمله ايجابي فهو متقدم على دساتيرنا التي وقف بعضها عند الحديث عن العنصرية ولم يرد ذكر الصهيونية ولا تجريمها رغم النقاش الذي حصل في المجلس التأسيسي على سبيل المثال.
وفي ما يتعلق بالعقبات، هناك جدل دار وسيتواصل حول العقوبة القصوى وهي السجن المؤبد بدل عقوبة الإعدام، فنواب الشعب الحاليون منخرطون في مشروع رئيس الجمهورية قيس سعيد وهو صاحب مقولة التطبيع خيانة وترجمة هذه المقولة السياسية قانونيا هي تنزيل التطبيع منزلة الخيانة العظمى وحكم الخيانة العظمى في القانون التونسي هي الإعدام.
نقول هذا ليس دفاعا عن هذه العقوبة وإنما في باب التناغم بين القانون والسياسة علاوة على أن عدم التنصيص على عقوبة الإعدام رسالة أيضا للدول الغربية التي تخلت عنها..
والإشكاليات في تقديرنا ليست في النص ولن تكون بالضرورة في أي فصل من فصول قانون تجريم التطبيع بعد المصادقة عليه وختمه ونشره بالرائد الرسمي فدخوله حيز النفاذ يضع الجهات الأمنية والقضائية وحتى القوى المجتمعية أمام مسؤوليات كبرى لأن إثبات التطبيع رغم بساطته في الوهلة الأولى ويسر إدانته سياسيا فان تجريمه وإدانته القانونية تظل مرتبطة بالشواهد والأدلة وبالتزام القاضي بالقانون وبإعمال ضميره..
ولا ننسى دقة وضع الدولة التونسية في علاقة بالتزام هو ديني في نهاية المطاف وهو حج اليهود إلى المعلم الديني في الغريبة بجزيرة جربة حيث صار معلوما مجيء حجاج من الكيان الصهيوني بهويات مستترة وبتواصل مع وكالات أسفار تونسية وهذا تحدّ كبير في المستقبل ويكفي هنا العودة إلى مناسبات سابقة عندما أصر حجاج يهود ـ تونسيون ـ قادمون من الكيان عبر أمريكا وأوروبا على زيارة الأحياء التي كانوا يقطنون فيها في تونس قبل قيام الكيان في 48 ونشوب حرب 67 بالخصوص ولم يعد سرا ما يفعله الصهاينة في العالم وفي دولنا العربية على وجه التحديد لحصر ما يعتبرونه أملاك اليهود في العالم للمطالبة بها وهذا ما يضاعف مسؤولية الجميع في تحصين المجتمع ومواصلة دوره في الانتصار للحق الإنساني للفلسطينيين.
في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الو…