الإجهاض في تونس بين التشريع والواقع جهل بالقانون وغياب الوعي رغم مجهودات مراكز الصحة الإنجابية
مرّت على سنّ قانون حق الإجهاض للنساء في تونس خمسون عاما أي منذ سنة 1973، ولكن إلى اليوم ما تزال تونسيات تواجهن صعوبة في الحصول على هذا «الحق» إضافة إلى الجهل بهذا القانون وغياب الوعي لدى فئة واسعة من النساء اللاتي تقمن بعمليات الإجهاض مرارا دون التفكير في تداعيات هذه العمليات على صحتهن.
خمسة عقود من الزمن لم تكن كافية للتطبيق الجيد لقانون الإجهاض، حيث ماتزال العديد من العقبات تلقي بظلالها على أوضاع النساء، من أبرزها العراقيل التي يضعها الكادر الطبي وشبه الطبي أمامهن لثنيهن عن اتخاذ هذا القرار، إلى جانب نقص الأدوية والإحاطة النفسية التي يفترض أن تتوفر للراغبات في الإجهاض.
ووفقا للمادة 214 من قانون تونس في عام 1973، فإن الإجهاض الدوائي، أو إنهاء الحمل، قانوني في المؤسسات العامة. وقد شُرِّع القانون بهدف إنهاء طرق الإجهاض غير الآمنة ولإنقاذ حياة العديد من النساء اللواتي يخاطرن بحياتهن عند اللجوء إلى الإجهاض السري.
ولئن يشدد القانون على ضرورة ضمان حصول كل امرأة ترغب في الإجهاض على خدمات عالية الجودة وأن تعامل بكرامة واحترام وأن تحتفظ بسرية معلوماتها إلا أن الواقع يكشف الكثير من النقائص أبرزها تدني الخدمات وغياب الحملات التوعوية خاصة تلك التي توجه للنساء في الأرياف والأميات أو الفتيات القاصرات وكيفية التعامل مع حالات الإجهاض.
ويتوفر في تونس 24 مركزا لتنظيم الأسرة، حيث يمكن للنساء إجراء عمليات الإجهاض مجانا. لكن هذا العدد محدود، وهي تتركز في المناطق الحضرية بدلا من المناطق الريفية ولعل هذا ما يشكل أحد التحديات التي واجهتها الخدمة على مدى السنوات الـ 50 الماضية. وتقول منظمات حقوقية تدافع عن حقوق النساء، إن القانون بات يحتاج إلى تعديل، إذ أنه لا يلزم الأطباء والمختصين في الصحة بإجراء عمليات الإجهاض.
أجازت تونس الحق في الإجهاض منذ خمسة عقود ليصبح بإمكان المرأة المتزوجة أو العزباء أو القاصر النفاذ إلى هذا الحق دون صعوبات أو تضييقيات. ورغم هذا الاستباق التشريعي إلا أن هناك جهلا بالقانون في صفوف النساء والرجال والشباب على حد سواء، كما أن هناك صعوبة في النفاذ إلى الحق في الإجهاض في المؤسسات الصحية العمومية، ما يجعل العازبات بصفة خاصة يلتجئن إلى العيادات الخاصة.
واستنادا لاستبيان أجرته «مجموعة توحيدة بالشيخ» بين سنتي 2022 و2023 وشمل 5837 شاب وشابة من غير المتزوجين في 8 ولايات وهي أريانة وتونس وبن عروس والكاف ومنوبة ومدنين وصفاقس وتطاوين موزعة على 4 جهات من البلاد، فإن 26.6 في المائة فقط من الرجال و45 في المائة من النساء يعلمون بوجود القانون التونسي المتعلق بالحق في الإجهاض. كما كشف الاستبيان جهلا بالقانون تصل نسبته إلى 43 في المائة في صفوف النساء، كما لا تتعدى نسبة اللاتي يفكرن في إجهاض الحمل غير المرغوب فيه 35 في المائة، فيما ترفض 11 في المائة منهن هذا الإجراء.
وكشف الاستبيان النقص الفادح والصادم في معرفة وإلمام الشباب بمواضيع حيوية في الحياة تخص الجنسانية والصحة الجنسية والإنجابية. كما لفت إلى أن 20.8 في المائة فقط من الشباب المستجوبين يعرفون «حبة اليوم التالي» لمنع الحمل وذلك على الرغم من ممارسة الذكور منهم للجنس في سن مبكرة ودون حماية وفق تأكيدهم، فيما يجهل أغلبهم سواء كانوا ذكورا أو إناثا أن الإجهاض لغاية 3 أشهر من الحمل أمر قانوني في تونس.
وبين الاستبيان أن 38 في المائة من الرجال و31 في المائة من النساء لا يعلمون أن كل امرأة غير متزوجة لها الحق في التمتع بخدمات الإجهاض وقتما تشاء. وأشارت إلى أن نتائج الدراسة كشفت أن المعرفة بالقانون المطبق في ما يخص الإجهاض لدى فئة الشباب محدودة جدا، إضافة إلى وجود محظورات متعلقة بجنسانية المرأة والتنوع في التوجه الجنسي وسيطرة التوجهات التقليدية والأفكار النمطية في ما يخص هذا الموضوع حتى في صفوف الشباب الذين يتمتعون بمستوى اجتماعي واقتصادي وتعليمي عال.
تعاني المنظومة الصحية عموما من عدة نقائص لعل أبرزها التجهيزات والمراكز الصحية والموارد البشرية التي قد تحول دون تقديم خدمات صحية لكل فئات المجتمع بشكل عادل يحفظ كرامة المواطن البسيط، ولكن وفي كل مرة نقف على غياب الوعي بالحق في الصحة بداية من الإطار الطبي وشبه الطبي مرورا بالمريض وصولا إلى مسؤولي الدولة الذين لم يتطرقوا إلى لب المشاكل التي تعاني منها الصحة ولعل الصحة الإنجابية وما يحدث في أروقة مراكزها خير دليل على النقص.
لا تشكل خطورة : انتشار طبيعي للأمراض الفيروسية الموسمية
تشهد الفترة الحالية من فصل الشتاء تفشيا طبيعيا للأمراض الفيروسية الموسمية في تونس، وذلك وف…