شهر مضى على انطلاقتها.. أين وصلت الاستشارة الوطنية حول التربية والتعليم؟
انطلقت الاستشارة الوطنية حول إصلاح نظام التربية والتعليم يوم 15 سبتمبر 2023 بالتزامن مع انطلاق السنة الدراسية الجديدة ولم يتجاوز عدد المشاركين فيها بعد مضيّ شهر الـ300 ألف بين ذكور واناث بنسب متقاربة حسب الصفحة الرسمية للاستشارة في االفايسبوكب.
وكما هو معلوم فهناك اختلاف في المواقف من هذه الاستشارة المتصلة بمجال حيوي واستراتيجي في حياة التونسيين ودولتهم ومستقبل الأجيال القادمة، ويظل من حق ومسؤولية من يضطلع بأعباء الحكم ان ينجز الاستشارات ويطرح مشاريع الإصلاح بالطريقة التي يراها مناسبة على ان تحتفظ بقيه الأطراف الاجتماعية مثلا والمدنية والسياسية بمواقفها وحقها في تحفظها ونقدها لعمل السلطة وحتى لمخرجاته وتقديم البدائل بطبيعة الحال وهذه أبجديات الحياة الديمقراطية.
وإذا تركنا جانبا مواقف المعارضين للاستشارة والرافضين للمشاركة فيها فان السؤال الذي يطرح نفسه من خلال متابعتنا لانطلاقتها منذ شهر هو حول سبب اقتصار الترويج لها والحرص عليها على وزارة التربية في الوقت الذي شرّك فيه رئيس الجمهورية وزارات اخرى معنية من قريب ومن بعيد بالموضوع في أكثر من مجلس وزاري اشرف عليه بنفسه، وفسّر أيضا اهمية المقاربة المتكاملة التي تقوم وفق رؤيته على ان الإصلاح ينطلق من المراحل الأولى في حياة الناشئة في رياض الأطفال مرورا بالمدرسة الابتدائية فالاعداديات ثم المعاهد الثانوية للوصول الى الجامعة دون ان ننسى مسالك التكوين المهني التي تنطبق على روادها الى حد الآن مقولة مكره أخاك لا بطل وهذه من المسائل التي تتوجب معالجتها في الإصلاح القادم لتغيير رؤية المجتمع لهذا الموضوع.
وإذا استثنينا الومضات التحسيسية التي تقتصر أيضا على محمل إعلامي يتيم وهو التلفزة الوطنية علاوة على الارساليات الهاتفية في وقت من الأوقات، فان العمل الاتصالي محدود للغاية وغائب لدى االشركاءب في الاستشارة باستثناء وزارة التربية التي سخرت كثيرا وسائلها ووظفت كل آلياتها الأمر الذي جلب لها الانتقادات.
وهنا لم يبرز دور وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن على سبيل المثال وهي ليست فقط الشريكة في الإشراف على رياض الأطفال وإنما تحيط بالنساء والفتيات والمسنين وهم جمهور معني بالاستشارة حول الإصلاح التربوي.
نفس الأمر بالنسبة إلى وزارة التعليم العالي التي لا اثر لها في الدعاية للاستشارة أو العمل على تشريك منظوريها فيها فالأمر يتعلق بمئات الآلاف من الطلبة والأساتذة والإداريين والأعوان الذين لهم ما يدلون به نظريا في الموضوع.
ولا يشذ حال وزارة الشباب والرياضة عن بقية الوزارات والحال ان شعار رئيس الجمهورية ونهجه الرهان على الشباب الذي يرسم على الجدران دستور البلاد ويفترض ان يرسم في الاستشارة النظام التعليمي الجديد.
وللأسف وفي غياب وزير على رأس وزارة التشغيل والتكوين المهني يبقى التسويق للاستشارة في أوساط المعنيين بهذا المجال من التحديات الكبرى التي يتوجب مجابهتها حتى تكون المخرجات كفيلة برد الاعتبار للتكوين المهني في بلادنا.
ولا تقف مسؤولية إنجاح الاستشارة عند هذه الوزارات ولكن بقية الوزراء في الحكومة معنيون بالموضوع وان بدرجات متفاوتة وخصوصا في مستوى وزارة الثقافة على سبيل المثال أو الشؤون الدينية والشؤون الاجتماعية والاقتصاد والمالية كذلك لان المال يظل في نهاية المطاف قوام الاعمال.
والاستشارة من هذا المنظور أيضا لا تعني خصوم رئيس الجمهورية بقدر ما يفترض أنها مهمة لدى المنخرطين في مشروعه والمساندين له والمساندين النقديين على حد سواء فأين هي الأحزاب الداعمة مثلا من المشاركة ؟
وبانقضاء ثلث الفترة المخصصة للاستشارة وبلوغ نسبة مشاركة لم تتجاوز الثلاثمائة ألف كما أسلفنا وفيها فئات عمرية من الجيد معرفة رأيها لكنها تظل غير محددة في الخيارات الاستراتيجية للدولة كأن يضبط طفل مثلا اللغة الرسمية الثانية المعتمدة في التدريس او ان يرفض تعاطي الرياضة او الموسيقى او غيرها فالقانون في نهاية المطاف يحدد سن الرشد كما يقال..
ومن هذا المنطلق وفي حال استمرار الإقبال على المشاركة بهذا النسق قد لا نتجاوز في 15 ديسمبر 2023 تاريخ نهاية الاستشارة الراهنة عتبة الاستشارة السابقة وهي نصف مليون.
مهما يكن الأمر الآن ومهما تكن نسبة المشاركة في الاستشارة فإن الاستفادة من مخرجاتها في تقديرنا يجب ان تكون بأيدي أهل الحل والعقد، بأيدي الخبراء والمختصين الذين يعملون وفق رؤية واضحة لمن بادر ليس فقط بإطلاق الاستشارة وإنما بإعلان إصلاح نظام التربية والتعليم في الجمهورية التونسية على قاعدة الحداثة والملاءمة بين الكونية والخصوصيات وهذا حديث يطول ولا بد منه.
التشخيص والتوصيف متّفق عليه : كيف سيتمّ إنقاذ المؤسسات العموميّة؟
أشار وزير النقل رشيد عامري مطلع الأسبوع الجاري بأن برنامج مراجعة شاملة لشركة الخطوط التونس…