2023-10-17

النخب العربية والحرب على غزة: ..وللقوة الناعمة حسابات ومصالح شتّى..!

‭ ‬

منذ‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬السبعة‭ ‬عقود‭ ‬ظلت‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬والصهاينة‭ ‬علاقة‭ ‬مدّ‭ ‬وجزر‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭ ‬والعسكري‭.‬ومع‭ ‬كل‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬التغريبة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كانت‭ ‬أصوات‭ ‬الشعوب‭ ‬متسقة‭ ‬مع‭ ‬الرموز‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬آلت‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مراحل‭ ‬الصراع‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬صوتا‭ ‬قويا‭ ‬مساندا‭ ‬للقضية‭ ‬ورافضا‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬متأخرة‭ ‬لمسألة‭ ‬التطبيع‭ ‬جملة‭ ‬وتفصيلا‭. ‬

ومنذ‭ ‬أن‭ ‬أطلق‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬مقولته‭ ‬الشهيرة‭ ‬عن‭ ‬وعد‭ ‬بلفور‭ ‬لقد‭ ‬أعطى‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬وعدا‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬ونحن‭ ‬كعرب‭ ‬نستبطن‭ ‬فكرة‭ ‬رافضة‭ ‬لهذا‭ ‬الكيان‭ ‬المغتصب‭ ‬ولا‭ ‬نتمثل‭ ‬في‭ ‬مخيالنا‭ ‬الجماعي‭ ‬سوى‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭  ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬نكبة‭  ‬1948‭  ‬واغلبنا‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬فلسطين‭ ‬بصيغة‭ ‬الجمع‭ ‬حتى‭ ‬تقسيم‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭  ‬الحديث‭ ‬نسبيا‭  ‬تبدو‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬أغلبها‭ ‬خارج‭ ‬دائرته‭.‬

‭ ‬وربما‭ ‬لهذا‭ ‬كله‭  ‬كان‭ ‬التضامن‭ ‬الشعبي‭ ‬آليا‭ ‬ودونما‭ ‬مركبات‭ ‬وحسابات‭ ‬سياسية‭ ‬وإيديولوجية‭  ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭  ‬تماما‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬محطة‭ ‬مفصلية‭ ‬من‭ ‬محطات‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬بدت‭ ‬النخب‭ ‬الثقافية‭ ‬والإبداعية‭ ‬مختلفة‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬تقييم‭ ‬الموقف‭ ‬وشقتها‭ ‬انقسامات‭ ‬كبيرة‭ ‬بل‭ ‬خطيرة‭ ‬أحيانا‭.‬

والغريب‭ ‬أن‭ ‬العدو‭ ‬يتعامل‭ ‬بطريقة‭ ‬مغايرة‭ ‬تماما‭ ‬فنحن‭ ‬نتابع‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬انتقاما‭  ‬ا‭ ‬توراتياب‭ ‬وحربا‭ ‬تتخذ‭ ‬صبغة‭ ‬دينية‭ ‬لا‭ ‬غبار‭ ‬عليها‭ ‬تحركها‭ ‬نوازع‭ ‬الثأر‭ ‬الذي‭ ‬يحرك‭ ‬سلطات‭ ‬الكيان‭ ‬ولا‭ ‬يخفيه‭ ‬رئيس‭ ‬وزرائهم‭ ‬بنيامين‭  ‬نتنياهو‭. 

أما‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬أنطوني‭  ‬بلينكن‭ ‬فهو‭  ‬قد‭ ‬قالها‭ ‬بصريح‭ ‬العبارة‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬بصفته‭ ‬الرسمية‭ ‬وإنما‭ ‬باعتباره‭ ‬يهوديا‭ ‬ابن‭ ‬يهودي‭. ‬

طبعا‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نذكّر‭ ‬بأن‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬الغاصب‭ ‬يخوض‭ ‬حرب‭ ‬إبادة‭ ‬ضد‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬المحاصر‭ ‬وهو‭ ‬مدجج‭ ‬بالسلاح‭ ‬الأمريكي‭ ‬ومدعوما‭ ‬بأقوى‭ ‬حاملات‭ ‬طائرات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وليس‭ ‬هذا‭ ‬فحسب‭ ‬فهناك‭ ‬قوة‭ ‬إعلامية‭ ‬وثقافية‭ ‬تخوض‭ ‬حربا‭ ‬أمام‭ ‬الكاميرا‭ ‬وعلى‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬داعمة‭ ‬لهذا‭ ‬الكيان‭. ‬

وعلى‭ ‬طرفي‭ ‬نقيض‭ ‬تبدو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نسميها‭ ‬القوة‭ ‬الناعمة‭ ‬العربية‭ ‬مرتبكة‭ ‬وخجولة‭ ‬وفي‭ ‬أفضل‭ ‬الأحوال‭ ‬غير‭ ‬مؤثرة‭. ‬فإذا‭ ‬استثنينا‭ ‬التفاعل‭ ‬البيني‭ ‬أي‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬بعض‭ ‬المثقفين‭ ‬أنفسهم‭ ‬وهي‭ ‬تلك‭ ‬الرسائل‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تداولها‭ ‬بالعربية‭ ‬والصور‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تناقلها‭ ‬والتي‭ ‬كلها‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬حلقة‭ ‬مفرغة‭ ‬وهي‭ ‬أننا‭ ‬نتحدث‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بيننا‭ ‬وان‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يعدو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تفريغ‭ ‬شحنات‭ ‬من‭ ‬مشاعر‭ ‬الغضب‭ ‬والتعاطف‭. ‬ولكنها‭ ‬مواقف‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬اضعف‭ ‬الإيمان‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭ ‬فهؤلاء‭ ‬المتعاطفين‭ ‬ليست‭ ‬لديهم‭ ‬الأموال‭ ‬ولا‭ ‬القدرات‭ ‬اللوجستية‭ ‬لتغيير‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬قطعا‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬أيضا‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬مراكز‭ ‬النفوذ‭ ‬العالمية‭. ‬

هذا‭ ‬التأثير‭ ‬الذي‭ ‬تملكه‭ ‬بعض‭ ‬النخب‭ ‬العربية‭ ‬سواء‭ ‬تلك‭ ‬المقيمة‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬رصيدا‭ ‬جماهيريا‭  ‬كبيرا‭ ‬أو‭ ‬مكانة‭ ‬رمزية‭ ‬مهمة‭ ‬لديها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مواقفها‭ ‬مؤثرة‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬توجيهه‭ ‬عبر‭ ‬اللوبي‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬يشتغل‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يشتغل‭ ‬من‭ ‬قبل‭.‬

ومن‭ ‬المؤسف‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬هؤلاء‭ ‬اختار‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬صف‭ ‬العدو‭ ‬علنا‭ ‬ودونما‭ ‬حياء‭ ‬بدعوى‭ ‬انه‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدين‭ ‬المجازر‭ ‬التي‭ ‬ترتكب‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬أطفال‭ ‬فلسطين‭ ‬بشكل‭ ‬معلن‭.‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬الكاتب‭ ‬المغربي‭ ‬الفرنسي‭ ‬الطاهر‭ ‬بن‭ ‬جلون‭ ‬الذي‭ ‬صدم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المتابعين‭ ‬العرب‭ ‬بموقفه‭ ‬المساند‭ ‬للعدو‭. ‬

في‭ ‬حين‭ ‬آثر‭ ‬بعضهم‭ ‬الصمت‭ ‬دون‭ ‬توظيف‭ ‬المنصات‭ ‬التي‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬عليها‭ ‬لخدمة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتقديم‭ ‬الصورة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬التشويه‭ ‬والتلفيق‭ ‬الذي‭ ‬تمارسه‭ ‬اغلب‭ ‬المنابر‭ ‬الإعلامية‭ ‬الغربية‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬نجوم‭ ‬الرياضة‭ ‬المشهورون‭ ‬عالميا‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬محمد‭ ‬صلاح‭ ‬الذي‭ ‬صدم‭  ‬صمته‭ ‬الجميع‭ ‬ويتم‭ ‬الحديث‭ ‬في‭ ‬الساعات‭ ‬الأخيرة‭ ‬عن‭ ‬تبرعه‭ ‬بالمال‭ ‬لفائدة‭ ‬غزة‭ ‬المحاصرة‭ ‬وحتى‭ ‬وان‭ ‬ثبت‭ ‬هذا‭ ‬فهو‭ ‬غير‭ ‬كاف‭ ‬لأن‭ ‬تأثيره‭ ‬كشخصية‭ ‬اعتبارية‭ ‬كان‭ ‬سيكون‭ ‬أهم‭ ‬بكثير‭ ‬لو‭ ‬كتب‭ ‬تدوينات‭ ‬أو‭ ‬تغريدات‭ ‬أو‭ ‬تعاطف‭ ‬أو‭ ‬أعلن‭ ‬المساندة‭ ‬بشكل‭ ‬علني‭ ‬منذ‭ ‬البداية‭.‬

أما‭ ‬صنّاع‭ ‬المحتوى‭ ‬الذين‭ ‬تناسلوا‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬العرب‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬نجوم‭ ‬الفن‭ ‬او‭ ‬من‭ ‬القطاعات‭ ‬المجاورة‭ ‬فأغلبهم‭ ‬تغافل‭ ‬عن‭ ‬الحدث‭ ‬وواصل‭ ‬استعراض‭ ‬امقدرتهب‭ ‬الشرائية‭ ‬عبر‭ ‬نشر‭ ‬صور‭ ‬حياته‭ ‬اليومية‭ ‬غير‭ ‬متأدب‭ ‬في‭ ‬حضرة‭ ‬القتل‭ ‬المعلن‭ ‬للفلسطيني‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭. ‬وبعضهم‭ ‬اكتفى‭ ‬بالحد‭ ‬الأدنى‭ ‬رفعا‭ ‬للعتب‭.‬

وقطعا‭ ‬لن‭ ‬نتحدث‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬صائدي‭ ‬الجوائز‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬العرب‭ ‬المستفيدين‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الوضعيات‭ ‬والذين‭ ‬يحبذون‭ ‬الأكل‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الموائد‭ ‬فتلك‭ ‬مسألة‭ ‬شائكة‭. ‬

هنا‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬مأزق‭ ‬النخب‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬الرموز‭ ‬الثقافية‭ ‬والعرفية‭ ‬والمشاهير‭ ‬الذين‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أنهم‭ ‬يشكلون‭ ‬وجدان‭ ‬الأمم‭ ‬ووعيها‭. ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أنها‭ ‬تخلت‭ ‬عن‭ ‬دورها‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مهمتها‭ ‬الأساسية‭ ‬كصانعة‭ ‬لمضامين‭ ‬فكرية‭ ‬وإبداعية‭ ‬تلتصق‭ ‬بمشاغل‭ ‬الشعوب‭ ‬وتعبر‭ ‬عن‭ ‬قضيتها‭ ‬المركزية‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المواقف‭ ‬الجريئة‭ ‬والشجاعة‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬انتماءها‭ ‬العميق‭ ‬لهذه‭ ‬الأمة‭. ‬

والواضح‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬حالة‭ ‬انفصام‭ ‬كلي‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬النخب‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬مسخا‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬وبين‭ ‬القضايا‭ ‬المركزية‭ ‬للعرب‭. ‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

إلى مراكز النفوذ في الغرب وتحديدا فرنسا بعد أن سقطت أقنعتها: تونس ليست ملفا حقوقيا..!

من المعلوم ان علاقة تونس بالآخر الغربي متعددة الأبعاد والتقاطعات بين النخب الغربية والفرنس…