على عكس ما كان ينتظره الغرب والاتحاد الأوروبي وقوى الضغط الأجنبية وخاصة الأوروبية التي تسعى لحماية مصالحها في تونس وخاصة منها الحدود البحرية وهو ما جوبه بالرفض المطلق من أعلى هرم السلطة من خلال تأكيد رفضه القاطع لأن تتحول تونس إلى حارس حدود للدول الأوروبية، أو تلك الاملاءات المتعلقة بصندوق النقد الدولي، فقد راوغت تونس الجميع وخالفت كل التوّقعات وفرضت مسارها واحترام سيادتها وقرارها الوطني، بتمكّنها من وضع خارطة طريق للفترة المقبلة تتجلى ملامحها الأولى ضمن مشروع ميزانية الدولة لسنة 2024 وتسديد الأقساط المستوجبة من الدين الخارجي لعام 2023 بالتعويل على مواردها الذاتية.
فإفصاح حكومة الحشاني الخميس الفارط ، و لأول مرّة، ومع اقتراب موعد إحالة مشروع قانون المالية لسنة 2024 الى مجلس نواب الشعب، عن الخطوط العريضة للإجراءات الجبائية والمالية ومن بينها إرساء آليات بديلة لتمويل نفقات الدعم وتأمين السوق بالمواد الأساسية والتوجه نحو التعويل على الموارد والقدرات الذاتية للدولة التونسية يمثل خطوة أولى في اتجاه ضبط خارطة الطريق دون الحاجة إلى صندوق النقد الدولي الذي مازال يصر على شروطه أو الرضوخ لمساومات الاتحاد الأوروبي .
فمصادقة حكومة الحشاني على مشروع قانون المالية لسنة 2024،وإحالته إلى البرلمان سيساهم بشكل كبير وفق ما تضمنته فصول المشروع الذي سيكون محل أنظار أعضاء مجلس نواب الشعب في المدة القليلة القادمة للمصادقة عليه وتمريره لاحقا إلى رئيس الجمهورية قيس سعيّد لختمه، في مزيد تكريس الدور الاجتماعي للدولة و دعم قطاع الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية ودعم الإدماج المالي للمؤسسات الصغرى والمتوسطة وتشجيع الادخار ودفع الاستثمار.
وقد خالفت أيضا بلادنا توقّعات عدد من وكالات التصنيف الدولية بالتعثر عن سداد ديونها الخارجية، حيث قامت تونس بتسديد الأقساط المستوجبة من الدين الخارجي للعام 2023 وذلك بالتعويل على مواردها الذاتية، وهي نقطة البداية في الحفاظ على الاستقرار المالي الذي يستوجب لاحقا تدعيمه بتنفيذ حزمة إصلاحات هيكلية في مختلف القطاعات.
وتمكنت بلادنا أيضا حسب ما كشفته آخر المؤشرات و الأرقام من الإيفاء بتعهداتها المالية بفضل إيرادات القطاع السياحي التي بلغت في الستة أشهر الأولى من العام 2023 نحو 2220 مليون دينار، وتحويلات التونسيين بالخارج التي بلغت في 30 جوان الماضي 3915 مليون دينار وهو ما أدى إلى تغطية الدين الخارجي بشكل تام ،بالتوازي مع تحسن سعر صرف الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية والذي تحسن بنحو 0.48 % وحافظ على استقراره وهو يعد أحد أسباب تمكن تونس من سداد خدمة الدين، ويحسب ذلك إلى السياسة النقدية في تونس وحسن التنسيق بين البنك المركزي التونسي والحكومة.
فتونس التي كان يراهن الغرب والاتحاد الأوروبي على ”سقوطها” من خلال الضغط عليها وبكل الطرق وفي كل الاتجاهات لإعلان إفلاسها ذوهو ما لم يحصل- بتعطيل حصولها على قرض صندوق النقد الدولي والضغوطات المتواصلة التي مورست خلال الفترة الأخيرة ذومازالت- على الدولة التونسية ورئيسها والتي اتخذت عديد العناوين من خلال رغبة وفود أوروبية في زيارة تونس من خلال التذرع بالدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية.. والتي تم منعها مؤخرا أو تلك الضغوطات التي تدار بـ االوكالةب ، فهذه الأقنعة نزعت وسقطت إبان إعلان مواقف الدول الغربية والأوروبية المخزية – باستثناء البعض منها- من عملية طوفان الأقصى الشجاعة والجريئة، مقابل حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني الأعزل وعمليات التهجير القسري واستهداف الأطفال والمدنيين والتنكيل بهم ووضعهم تحت الحصار وقطع الماء والكهرباء ومنع وصول المساعدات الإنسانية،فمن كان بالأمس يتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان نظريا..نجده اليوم يدعم الاحتلال الصهيوني وجرائم الحرب ضد الإنسانية وممارساته البشعة و التفنن في ضرب كل مقوّمات حقوق الإنسان…ومواصلة شن حرب الإبادة الجماعية.
واعتمدت تونس على بدائل مختلفة في علاقة بتعبئة الموارد منها الثلاثة أقساط من القرض الرقاعي الوطني لسنة 2023 وعلى صناديق الدعم الخليجية والبنوك المحلية، بالتوازي مع مزيد تدعيم علاقاتها مع جمهورية الصين الشعبية وروسيا من منطلق المصلحة المشتركة، وعلى سبيل الذكر لا الحصر وقّعت تونس والسعودية في جويلية الماضي اتفاقية تمويل تتضمن قرضا ميسّرا بقيمة 400 مليون دولار ومنحة تبلغ 100 مليون دولار، في مبادرة من المملكة لمساعدة البلاد على مواجهة أزمتها الاقتصادية.
إن تعويل بلادنا على مصادرها الذاتية وتنويع الشراكات بفضل تعزيز دور الديبلوماسية التونسية وانخراط أغلب الأطراف في المجهود الوطني مكّنها نسبيا إلى حد الآن من تجاوز الصعوبات التي تعترضها والتي دعمتها مؤخرا التغيّرات الإقليمية والدولية ونجحت في الحفاظ على استقرارها المالي، وهي نقطة ايجابية يمكن الانطلاق منها في اتجاه القيام بإصلاحات اقتصادية شاملة تعيد الثقة وتخلق النمو وتحقق التوازنات الكبرى واستكمال هذا التمشي بالتوجه وبالسرعة والجدّية المطلوبة إلى مراجعة السياسات القطاعية خاصة في الفلاحة والزراعة وقطاع الفوسفات بهدف تحقيق مجمل الأهداف الوطنية وخلق الثروة.
فتونس برهنت من خلال هذا التمشي والذي بدأت نتائجه تظهر تدريجيا للعيان وفي مختلف المجالات والقطاعات في إطار مسار ما بعد 25 جويلية 2021 أنها قادرة على تخطي كل الصعوبات بإمكانياتها الذاتية و بعزم شعبها وبانخراط الجميع في المجهود الوطني من أجل تحقيق النمو وخلق الثروة مع المحافظة على استقلالية قرارها الوطني.
إثر زيارة رئيس الجمهورية لهنشيري الشعّال والنفيضة : الشعب التونسي في حالة صدمة من هول ما رأى من فساد…
كشفت زيارة رئيس الجمهورية قيس سعيّد غير المعلنة الأخيرة الى كل من هنشير الشعّال بولاية صف…