2023-10-16

دون تمويل من صندوق النقد الدولي هل تنجح تونس في التعويل على الموارد الذاتية؟

‬قاربت‭ ‬سنة‭ ‬2023‭ ‬على‭ ‬نهايتها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تظفر‭ ‬تونس‭ ‬بموافقة‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬إسنادها‭ ‬القرض‭ ‬المزمع‭ ‬بقيمة‭ ‬1,9مليار‭ ‬دولار‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مفاوضات‭ ‬انطلقت‭ ‬منذ‭ ‬أفريل‭ ‬2021‭ .‬وحتى‭ ‬الاتفاق‭ ‬المبدئي‭ ‬الذي‭ ‬حصلت‭ ‬عليه‭ ‬تونس‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬أصبح‭ ‬لاغيا‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬التعويل‭ ‬عليه‭ ‬وفق‭ ‬خبراء‭ ‬الاقتصاد‭. ‬وأمام‭ ‬هذا‭ ‬طرحت‭ ‬مسألة‭  ‬تخلي‭ ‬تونس‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬القرض‭  ‬ورفض‭ ‬إملاءات‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬جملة‭ ‬وتفصيلا،‭ ‬وأن‭ ‬تسعى‭ ‬تونس‭ ‬بامكانياتها‭ ‬الذاتية‭ ‬الى‭ ‬تخطي‭ ‬كل‭ ‬الصعوبات‭.‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬واضحا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الآن‭ ‬وبأي‭ ‬رؤية‭ ‬وبأي‭ ‬برنامج؟‭ ‬فالتعويل‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬يتطلب‭ ‬بدوره‭ ‬برنامجا‭ ‬واضحا‭ ‬للإنقاذ‭ ‬المالي‭ ‬والانطلاق‭ ‬في‭ ‬تفعيله‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭. ‬وبحسب‭ ‬الخبراء‭ ‬فإن‭ ‬استغناء‭ ‬تونس‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬هي‭ ‬مسألة‭ ‬ليست‭ ‬بهذه‭ ‬البساطة‭ ‬ووفق‭ ‬أستاذ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬آرام‭ ‬بالحاج‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تدار‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الحكمة‭ ‬والمنطق‭ ‬والبراغماتية‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬معاداة‭ ‬هاته‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬أو‭ ‬تخوين‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يعتبر‭ ‬المعاملة‭ ‬معها‭ (‬بمنطق‭ ‬السيادة‭ ‬طبعا‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬تونس‭ ‬العليا‭) ‬ضروريا‭.‬فكل‭ ‬الدول‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬هاته‭ ‬المؤسسات‭ ‬وليست‭ ‬كل‭ ‬التجارب‭ ‬معها‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬هي‭ ‬تجارب‭ ‬فاشلة‭.‬وأضاف‭ ‬بالحاج‭ ‬أنّ‭ ‬مسألة‭ ‬التعويل‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬تُعتبر‭ ‬حتمية،‭ ‬ولكن،‭ ‬شرط‭ ‬إصلاح‭ ‬الإقتصاد‭ ‬وإحياء‭ ‬قيمَ‭ ‬العمل‭ ‬والمثابرة،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الشعارات‭ ‬والشعبوية‭.‬

في‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬ترى‭ ‬قراءات‭ ‬أخرى‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬التونسي‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬خارجه‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬مناص‭ ‬من‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬وأن‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬القرض‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬ضروري‭ ‬جدا‭ ‬لأنه‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬تونس‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬تمويلات‭ ‬خارجية‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬جهات‭ ‬ومؤسسات‭ ‬مالية‭ ‬اخرى‭ ‬ودول‭ ‬تعتبر‭ ‬موافقة‭ ‬الصندوق‭ ‬شرطا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مساعدة‭ ‬تونس‭ ‬ولكن‭ ‬لايمكن‭ ‬لتونس‭ ‬الحصول‭ ‬على‭  ‬التمويلات‭ ‬الخارجية‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تنطلق‭ ‬في‭ ‬الإصلاحات‭ ‬المطلوبة‭.‬

فبالنسبة‭ ‬للمؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬المالية‭ ‬مثل‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬أو‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬فهي‭ ‬أيضا‭ ‬تؤكد‭ ‬في‭ ‬تقاريرها‭ ‬المتواصلة‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لتونس‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تمويلات‭ ‬خارجية‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تنطلق‭  ‬في‭ ‬الاصلاح‭.‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬ذاته‭ ‬الذي‭ ‬ورد‭ ‬مؤخرا‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬البنك‭ ‬الدولي‭ ‬الذي‭ ‬اعتبر‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬اصلاحات‭ ‬ستلقى‭ ‬صعوبات‭ ‬في‭ ‬تعبئة‭ ‬تمويلات‭ ‬مالية‭ ‬جديدة‭ ‬بالعملة‭ ‬الصعبة‭ ‬لميزانيتها،مما‭ ‬سينعكس‭ ‬على‭ ‬الأداء‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬سيدفع‭ ‬البلاد‭ ‬لمواجهة‭  ‬صعوبات‭ ‬كثيرة‭ ‬وأزمات‭ ‬أخرى‭ ‬نتيجة‭ ‬نقص‭ ‬الموارد‭ ‬والتمويلات‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬مطالبة‭ ‬بتوفير‭ ‬نحو‭ ‬5‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬بعنوان‭ ‬أجور‭ ‬الوظيفة‭ ‬العمومية‭  ‬وجرايات‭ ‬التقاعد‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬3‭ ‬مليار‭ ‬دينار‭ ‬نفقات‭ ‬عامة‭ ‬وصندوق‭ ‬التعويض‭. ‬ومن‭ ‬غير‭ ‬المعلوم‭ ‬إلى‭ ‬غاية‭ ‬الان‭  ‬من‭ ‬أين‭ ‬ستأتي‭ ‬الحكومة‭ ‬بالتمويلات‭ ‬اللازمة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الأزمة‭ ‬المالية‭ ‬الخانقة‭ ‬التي‭ ‬تعصف‭ ‬بالبلاد‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭   ‬نظرا‭ ‬للاختلال‭ ‬الكبير‭ ‬بين‭ ‬الموارد‭ ‬والنفقات‭. ‬ويرفض‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬التونسي‭ ‬إقراض‭ ‬الحكومة‭ ‬التمويلات‭ ‬الضرورية‭ ‬الواردة‭ ‬ضمن‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬المالية‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭  ‬عدم‭ ‬قدرة‭  ‬الدولة‭  ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الوفاء‭ ‬بالتزاماتها‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الاعتمادات‭ ‬المعلنة‭ ‬وهو‭ ‬السيناريو‭ ‬الأسوأ‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬تواجهه‭ ‬تونس‭ ‬خلال‭ ‬الاشهر‭ ‬القادمة‭ ‬والذي‭ ‬سيمثل‭ ‬اعترافا‭ ‬ضمنيا‭ ‬بالإفلاس‭ ‬أمام‭ ‬الشركاء‭ ‬الاقتصاديين‭.‬

ويبدو‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬هذا‭ ‬الجدل‭ ‬المتعلق‭ ‬بمزيد‭ ‬التداين‭ ‬أو‭ ‬الاستغناء‭ ‬عنه‭ ‬أن‭ ‬الصلة‭ ‬لم‭ ‬تنقطع‭ ‬تماما‭ ‬بين‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي‭ ‬وتونس‭ ‬حيث‭ ‬أظهرت‭ ‬المعطيات‭ ‬الأخيرة‭ ‬أن‭ ‬فريقا‭ ‬من‭ ‬الصندوق‭ ‬سيزور‭ ‬تونس‭ ‬خلال‭ ‬الاسابيع‭ ‬القادمة‭ ‬للنظر‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬التطورات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمالية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬وذلك‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬مدير‭ ‬إدارة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وآسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬بصندوق‭ ‬النقد‭ ‬أول‭ ‬أمس‭ ‬الخميس‭ ‬بمراكش‭ ‬خلال‭ ‬ندوة‭ ‬صحفية‭ ‬لتقديم‭ ‬تقرير‭ ‬الصندوق‭ ‬بشأن‭ ‬آفاق‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الإقليمي‭/‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وآسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬اكتوبر‭ ‬2023‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬برنامج‭ ‬التعاون‭ ‬المالي‭  ‬متواصل‭ ‬بين‭ ‬تونس‭ ‬والصندوق‭ ‬وكذلك‭ ‬الدعم‭ ‬التقني‭ ‬معتبرا‭ ‬أن‭ ‬برنامج‭ ‬الاصلاحات‭ ‬المقدم‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬الحكومة‭ ‬التونسية‭ ‬وهو‭ ‬برنامج‭ ‬تونسي‭ ‬بحت‭ ‬هو‭ ‬فخر‭ ‬لتونس‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تونس‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬تشديد‭ ‬سياستها‭ ‬النقدية‭ ‬لاحتواء‭ ‬التضخم‭ ‬الذي‭ ‬يبقى‭ ‬مرتفعا‭ ‬رغم‭ ‬تراجعه‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

تراجع العجز التجاري أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي : خطوة مهمة مع ضرورة الانتباه إلى واردات المواد الأولية والمصنّعة

تقلص العجز التجاري التونسي خلال الأشهر الأربعة الاولى من سنة 2024 ليصبح في حدود (4772 -) م…