دون تمويل من صندوق النقد الدولي هل تنجح تونس في التعويل على الموارد الذاتية؟
قاربت سنة 2023 على نهايتها دون أن تظفر تونس بموافقة صندوق النقد الدولي على إسنادها القرض المزمع بقيمة 1,9مليار دولار وذلك في إطار مفاوضات انطلقت منذ أفريل 2021 .وحتى الاتفاق المبدئي الذي حصلت عليه تونس قبل عام من الآن أصبح لاغيا ولا يمكن التعويل عليه وفق خبراء الاقتصاد. وأمام هذا طرحت مسألة تخلي تونس عن هذا القرض ورفض إملاءات صندوق النقد الدولي جملة وتفصيلا، وأن تسعى تونس بامكانياتها الذاتية الى تخطي كل الصعوبات.لكن ذلك ليس واضحا إلى حد الآن وبأي رؤية وبأي برنامج؟ فالتعويل على الذات يتطلب بدوره برنامجا واضحا للإنقاذ المالي والانطلاق في تفعيله على أرض الواقع. وبحسب الخبراء فإن استغناء تونس تماما عن صندوق النقد الدولي هي مسألة ليست بهذه البساطة ووفق أستاذ الاقتصاد آرام بالحاج يجب أن تدار بكثير من الحكمة والمنطق والبراغماتية وبعيدا عن معاداة هاته المؤسسات الدولية أو تخوين كل من يعتبر المعاملة معها (بمنطق السيادة طبعا والمحافظة على مصالح تونس العليا) ضروريا.فكل الدول تتعامل مع هاته المؤسسات وليست كل التجارب معها عبر التاريخ هي تجارب فاشلة.وأضاف بالحاج أنّ مسألة التعويل على الذات تُعتبر حتمية، ولكن، شرط إصلاح الإقتصاد وإحياء قيمَ العمل والمثابرة، بعيدا عن الشعارات والشعبوية.
في مقابل ذلك ترى قراءات أخرى سواء من الداخل التونسي أو من خارجه أنه لا مناص من الحصول على موافقة صندوق النقد الدولي وأن الحصول على هذا القرض هو أمر ضروري جدا لأنه يفتح الباب أمام تونس للحصول على تمويلات خارجية من عدة جهات ومؤسسات مالية اخرى ودول تعتبر موافقة الصندوق شرطا لا بد منه من أجل مساعدة تونس ولكن لايمكن لتونس الحصول على التمويلات الخارجية من صندوق النقد لأنها لم تنطلق في الإصلاحات المطلوبة.
فبالنسبة للمؤسسات الدولية المالية مثل البنك الدولي أو صندوق النقد فهي أيضا تؤكد في تقاريرها المتواصلة أنه لا يمكن لتونس الحصول على تمويلات خارجية ما لم تنطلق في الاصلاح.وهو الأمر ذاته الذي ورد مؤخرا في تقرير البنك الدولي الذي اعتبر أن تونس في غياب اصلاحات ستلقى صعوبات في تعبئة تمويلات مالية جديدة بالعملة الصعبة لميزانيتها،مما سينعكس على الأداء الاقتصادي وهو ما سيدفع البلاد لمواجهة صعوبات كثيرة وأزمات أخرى نتيجة نقص الموارد والتمويلات. كما أن الدولة مطالبة بتوفير نحو 5 مليار دينار بعنوان أجور الوظيفة العمومية وجرايات التقاعد الى جانب 3 مليار دينار نفقات عامة وصندوق التعويض. ومن غير المعلوم إلى غاية الان من أين ستأتي الحكومة بالتمويلات اللازمة في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تعصف بالبلاد منذ سنوات نظرا للاختلال الكبير بين الموارد والنفقات. ويرفض البنك المركزي التونسي إقراض الحكومة التمويلات الضرورية الواردة ضمن مشروع قانون المالية الأمر الذي يزيد من مخاطر عدم قدرة الدولة على الاستمرار في الوفاء بالتزاماتها إلى نهاية العام في غياب الاعتمادات المعلنة وهو السيناريو الأسوأ الذي قد تواجهه تونس خلال الاشهر القادمة والذي سيمثل اعترافا ضمنيا بالإفلاس أمام الشركاء الاقتصاديين.
ويبدو في خضم هذا الجدل المتعلق بمزيد التداين أو الاستغناء عنه أن الصلة لم تنقطع تماما بين صندوق النقد الدولي وتونس حيث أظهرت المعطيات الأخيرة أن فريقا من الصندوق سيزور تونس خلال الاسابيع القادمة للنظر في آخر التطورات الاقتصادية والمالية في البلاد وذلك وفق ما أكده مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد أول أمس الخميس بمراكش خلال ندوة صحفية لتقديم تقرير الصندوق بشأن آفاق الاقتصاد الإقليمي/الشرق الأوسط وآسيا الوسطى اكتوبر 2023 حيث أكد أن برنامج التعاون المالي متواصل بين تونس والصندوق وكذلك الدعم التقني معتبرا أن برنامج الاصلاحات المقدم من طرف الحكومة التونسية وهو برنامج تونسي بحت هو فخر لتونس مشيرا إلى أن تونس في حاجة إلى مزيد تشديد سياستها النقدية لاحتواء التضخم الذي يبقى مرتفعا رغم تراجعه.
من أجل تحقيق الأمن الغذائي..
لا شك أن ارتفاع الصادرات الفلاحية التونسية وتحسّن عائداتها وهو ما أكدته الارقام الاخيرة …