تردّي الخدمات …نقص في التجهيزات… والأدوية …والمعدات .. المنظومة الصحية العمومية في حاجة إلى«تدخل استعجالي»..!
يكفي أن تقف لسويعات داخل قسم استعجالي بأي مستشفى بالعاصمة أو خارجها لتلاحظ الخدمات المتردية المسداة للمريض الذي يقصد المؤسسات الصحية العمومية لضيق ذات اليد فتجد العشرات مصطفين إما أمام العيادات الخارجية أو داخل قسم الطوارئ ينتظرون بصبر دورهم فلا خيار لهم سوى الانتظار.
هي صورة يومية تتكرر باستمرار في معظم مؤسساتنا العمومية التي وإن تزخر بالكفاءات والطواقم الطبية وشبه الطبية التي يشهد لها في كل العالم، فإنها باتت غير قادرة على توفير الحد الأدنى من الحق في الصحة الذي كفله الدستور.
فالخدمات في المستشفيات العمومية في تونس مازالت تثير تذمر المواطنين وانتقادات وسائل الإعلام رغم أن دولة الاستقلال جعلت من تطوير هذه المرافق إحدى أولوياتها التنموية. فمنذ سنوات، أصبحت طوابير الانتظار لساعات طويلة وتعطل تجهيزات طبية ضرورية أو عدم توفرها أصلا وصراخ مرضى مستائين من رداءة الخدمات والمعاملات، واقعا يوميا بالمستشفيات العامة.
وتتكون منظومة الصحة العامة في تونس من 166 مستشفى بينها 35 اجهويةب و2100 مركز لتقديم الخدمات الصحية الأساسية، وفق إحصائيات وزارة الصحة.
ويؤكد جل المتتبعين للشأن العام والقطاع الصحي بالخصوص على أن المستشفيات العمومية في تونس لم تعد تستجيب لاحتياجات المواطنين بسبب تراجع مستوى خدماتها، وتحتاج إصلاحا عاجلا.
وكانت تونس وضعت منذ استقلالها عام 1956 تطوير القطاع الصحي ضمن أولوياتها. لكن منذ التسعينيات بدأت الخدمات العامة تتراجع بحسب الدراسة، مما نتجت عنه حالة من اعدم مساواةب سواء في حصول المواطنين على الخدمات الصحية أو في التوزيع الجغرافي للمستشفيات بين المناطق الساحلية، المحظوظة نسبيا، والداخلية المهمشة.
نقص الموارد البشرية
لا يمكن لأي طرف أن يشكك في قيمة الكفاءات الطبية وشبه الطبية التونسية حيث أن هناك خدمات نفتخر بها وأخرى تستوجب عناية خاصة إلا أنه لا يمكن في نفس الوقت إنكار وجود اإخلالات كبيرةب في احوكمةب المرافق الصحية العامة. فالمؤسسات الصحية العامة تشكو نقصا في الطواقم الطبية (أطباء وممرضين..) ولم تعوض وزارة الصحة هذه الشغورات من الموظفين الذين يخرجون الى التقاعد لأن الدولة أوقفت الانتدابات بالقطاع العام الذي تم إغراقه بالموظفين بعد ثورة 2011.
القطاع الصحي العمومي يعاني نقصا مروعا في الأطباء، لا سيما في بعض التخصصات الطبية والجراحية. وقد بلغ عدد الأطباء لكل 1000 شخص في تونس 1,3 في القطاع العام. في ذات الوقت ارتفع عدد ممتهني الطب العام من 3414 في عام 2017 إلى 4225 في عام 2019 (0,36 طبيب لكل 1000 شخص) في المقابل شهد عدد الأطباء والطبيبات الأخصائيين انخفاضًا حادًا في نفس الفترة الزمنية من 3339 إلى 2318 (0,19 طبيب لكل 1000).
تردي الخدمات وتقادم البنى التحتية ونقص التجهيزات في المستشفيات العمومية خصوصا عند تسجيل وفيات لمرضى أو مواليد جدد أو أمهات حوامل أثناء عمليات الوضع.
ملف القطاع الصحي وما يحمله من نقائص وإخلالات يطرح بشكل متواتر باعتباره قطاعا حيويا وحساسا يجد اهتماما ودراسة من عديد المنظمات على غرار الدراسة التي أنجزتها منظمة بوصلة والتي تطرقت إلى أزمة القطاع الصحي حيث أن جلّ المؤشرات في العشر سنوات الماضية وفق الدراسة تؤكد أن قطاع الصحة العمومية عانى بشدة نتيجة فشل منوال التنمية في الصحة العمومية وعدم القدرة على إصلاح هذا القطاع الذي أصبح في حالة شبه انهيار مبينة، أن نصيب الفرد من الاستثمار في الصحة العمومية انخفض خلال العشر سنوات الماضية من 170 دولار سنة 2013 إلى 140 دولار سنة 2018. كما استثمرت الدولة في ظرف 12 سنة أي من 2011 إلى 2022،ما يقارب 2 مليار دينار في الصحة العمومية أي بحوالي 250 دينار على كل مواطن على 12 سنة، معتبرا أن ذلك يعتبر رقما ضئيلا جدّا مقارنة بدول العالم على اعتبار أن المعدّل العالمي لنصيب الفرد هو في حدود 661 دولار وهو ما أدى إلى انهيار المنظومة الصحية و تبرز مؤشرات الانهيار في التراجع الذي تم تسجيله في عدد المستشفيات الجهوية ، حيث كان هناك 33 مستشفى جهويا في 2012 مقابل 31 مستشفى جهويا اليوم، أمّا في ما يتعلق بالمستشفيات المحليّة فإنه لم يتم إنشاء سوى مستشفى محلي وحيد و85 مستوصفا في 12 سنة ،وهو ما يعتبر رقما ضئيلا جدّا لا يتوافق مع نسبة نمو السكان خاصة أن عدد المرضى بالنسبة لكل طبيب في القطاع العام تضاعف بين 2012 و2016 من ذلك مستشفى عزيزة عثمانة حيث كان عدد المرضى لكل طبيب سنة 2012 يقارب 560 مريض،مقابل 1200 مريض في السنة اليوم. إضافة إلى تقلّص أطباء الاختصاص في القطاع العام من 2013 إلى اليوم.
نقص فادح في التجهيزات
كثيرا ما توصف وضعية هذه المستشفيات بأنها امزريةب.لكن أهل القطاع يعتبرون أن هذا االوصمب امبالغ فيه جداب رغم إقرارهم بأن بعض المستشفيات قديمة، وتحتاج تجديدا لكنهم شددوا في المقابل على الظروف الصعبة التي تعمل فيها الطواقم الطبية.فمعظمهم يقرون بأن هناك اضغطا كبيرا جداب على المستشفيات وان موظفيها يعملون افوق إمكانياتهمب.
نظام الرعاية الصحية العمومي يعاني أيضا من نقص الموارد مثل أسرة المستشفيات، والمعدات الطبية الثقيلة، وغيرها من الضروريات مثل معدات الحماية الشخصية. واستنادا لذات التقرير الذي قامت به بوصلة فإن ركودا عرفته البنية التحتية الصحية في تونس منذ 2011 والتي نلاحظ أنها إما تراجعت في بعض الجوانب أو ظلت تراوح مكانها في أخرى. فمثلا ظل عدد مجموعات الرعاية الصحية الأساسية كما هو عند 28 مجموعة، وفيما زاد عدد مستشفيات المحلية بنسبة أقل من 1 ٪ من 109 إلى 110 مستشفى، انخفض عدد المستشفيات الجهوية بنسبة 6 ٪ من 33 إلى 31 مستشفى وتوقف عدد المستشفيات الجامعية والمراكز المتخصصة عند 32.
واقع المنظومة الصحية العمومية في تونس يعاني الكثير من الهنات التي سبق ذكرها وعدها لتؤكد مجددا على تهاوي الفصل 38 من الدستور الذي جاء فيه: اتضمن الدولة الوقاية والرعاية الصحية لكل مواطن، وتوفر الإمكانيات الضرورية لضمان السلامة وجودة الخدمات الصحية.ب
حيث يظهر الواقع الفوارق بين القطاع الصحي العمومي والخاص من حيث مستوى الخدمات لما يحوزه الأخير خصوصا من تجهيزات ثقيلة باهظة التكلفة وتتمثل في 85 % من أجهزة الكشف بالرنين المغناطيسي و73 % من الماسحات الضوئية (سكانار) و79 % من قاعات القسطرة القلبية، سنة 2017. فيما تواجه حتى التجهيزات الموجودة بالقطاع العمومي مشاكل في الصيانة إذ خلص تقرير محكمة المحاسبات إلى أن 42 % من التجهيزات الطبية معطوبة، وفق ما جاء في تقرير االحق في الصحة زمن جائحة كوفيد ـ 19ب الصادر عن المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية في أفريل 2022.
يعرف القطاع الصحي العمومي منذ سنوات تدنيا على جميع المستويات لا بسبب غياب الكفاءات وإنما لغياب الآليات والظروف التي من شأنها الرقي به وضمان حق الصحة لكل المواطنين على قدم المساواة وبالتالي على الدولة بمؤسساتها دعم هذا القطاع الحيوي والمهم في البلاد وتعزيز المستشفيات العمومية التي تستقبل العدد الأكبر من المواطنين بالتجهيزات اللازمة والأدوية والموارد البشرية وغيرها من الأمور اللوجستية حتى لا يبقى الحق في الصحة مجرد بند أو فصل في الدستور لا يمت للواقع بصلة…
«النساء البرباشة» في تونس الكبرى : واقع مرير وأوضاع هشّة
في إطار الاحتفال باليوم الدولي لحقوق الإنسان قدمت دراسة حديثة نتائج تحقيق أنجزه الاتحاد ال…