تفاقم ظاهرة تشغيل الأطفال : فجوة عميقة بين الواقع والقانون ..!
وجهه مألوف عند جميع حرفاء القطار كيف لا وهو الذي أمضى طفولته متنقلا من قطار إلى آخر يحمل بين يديه علبة مملوءة بالمناديل وآخر بحبات من الحلوى التي يحاول باستجداء مبالغ فيه وبصوته الأبح الذي يبكي القلوب بيعها للمسافرين حتى يحصل على قوت يومه… هذا المشهد وللأسف مايزال يتكرر إلى يومنا هذا سواء من خلال هذا الطفل أو من خلال غيره من الأطفال الأبرياء الذين يمضون احلى ايام حياتهم في المعاناة والبؤس من أجل التغلب على شقائهم الذي لا ينتهي ابدا بسبب وضعياتهم المعيشية الصعبة.
أمثلة هذا الطفل كثيرة في مجتمعنا ومظاهر استغلالهم وتشغيلهم اللاقانوني كثيرة ومنتشرة في العاصمة كما في غيرها من الولايات الأخرى أين يتم الزج بالاطفال في مهن شاقة وخطرة وذلك في تناقض تام مع ترسانة القوانين التي وضعتها بلادنا من أجل حمايتهم فتشغيل القصر لا يقتصر فقط على العاصمة تونس التي تعج شوارعها وأنهجها لاسيما داخل المدينة العتيقة بمظاهر عمالة الأطفال فحتى المدن القريبة منها وكذلك الأرياف تشهد بدورها تفاقما لهذه الظاهرة وفي قطاعات مختلفة خاصة قطاع الفلاحة الذي يشغل نسبة هامة من الأطفال في مواسم جني المنتجات .
ويزيد التسرب المدرسي من تفاقم هذه الظاهرة، إذ تشير أرقام وزارة التربية إلى انقطاع 69 ألف تلميذ عن الدراسة في عام 2021، وهو عدد هام جدا ولسائل أن يسأل أين يتبخر هذا العدد من الأطفال سنويا؟ مع العلم وان هذه الأرقام تبقى محدودةً للغاية بالنظر إلى الواقع الذي نجد فيه عديد الأسر التي تعمد إلى استغلال أطفالها خلال العطل من أجل العمل وتحصيل دخل إضافي يُؤمِّن احتياجاتهم المتزايدة ، لذلك تبقى الظروف الاجتماعيّة والاقتصاديّة الصعبة لدى الأسر بحسب العديد من المختصين من بين الأسباب المباشرة لتنامي الظاهرة علاوة على غياب تام للوعي لدى العائلات التونسية بالتداعيات الخطيرة على الأطفال الذين هم عرضة للتشغيل في سن مبكرة وللاستغلال بمختلف أنواعه.
لقد أصبح تشغيل الأطفال في تونس ظاهرة متفشية بل والأكثر من ذلك أنها تحولت إلى حل اقتصادي بالنسبة للعديد من الأسر الفقيرة التي باتت ترى في أطفالها سندا لدعم الموارد لسد نفقاتهم اليومية لاسيما في ظل الصعوبات الاقتصادية وارتفاع تكلفة العيش التي باتت تؤرق حتى أسر الطبقة المتوسطة.مشاهد قاتمة باتت تخيم على مجتمعنا لأطفال يتسولون وينظفون بلور السيارات ويجوبون الطرقات لبيع ما توفر لديهم من سلع بل وتزداد الصور قتامة للفتيات القاصرات اللاتي يزجّ بهن آباؤهم و أمهاتهن للعمل كمعينات في المنازل منذ نعومة أظافرهن، غير عابئين بما قد يعترضن له من سوء معاملة أوتحرش أواغتصاب. فرغم انخراط تونس في مختلف الاتفاقيات الدولية وأهمها اتفاقية حقوق الطفل وتعدد تشريعاتها التي تهدف الى تكريس منظومة حقوق الانسان بصفة عامة وحقوق الأطفال بصفة خاصة بغاية تعزيزها لاسيما في َمسألة عمالة الأطفال الا انه وفي ظل وجود كل هذه الالتزامات والمجهودات المبذولة لايزال الواقع مريرا على هذه الشريحة العمرية الحساسة التي أصبحت تعاني من العديد من الاضرار الجسدية والنفسية نتيجة ولوجها إلى سوق العمل في سن مبكرة جدا.
ورغم أن تونس سنّت تشريعات وقوانين عدة ترمي إلى التصدي لهذه الظاهرة، واستيعاب الأطفال لكن ظلت إلى اليوم هناك فجوةً واسعةً بين القوانين والواقع الذي يؤشر الى أن مظاهر الاستغلال الاقتصادي للأطفال مرشحةً للارتفاع في المرحلة المقبلة خاصة في ظل هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. كما يعد تشغيل الأطفال بحسب وزارة الأسرة اعتداء صارخا على حقوقهم، وجريمة يعاقب عليها القانون لأنّها تحرم الطفل من أسباب التنشئة السليمة والمتوازنة، وتغتصب طفولته وتعيق قدرته على الذهاب إلى المدرسة، وتؤثر تأثيرا بالغا في نحت شخصيتّه وتضرّ به جسديّا ونفسيّا وعقليّا واجتماعيّا كما تعرضهم هذه الأعمال الخطرة لحوادث السير بحكم عملهم في الطرقات ومحطات النقل ومحطات الاستخدام إذ يتم إجبار ما يناهز 180 الف طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و17 ( 7.9 ٪ من الأطفال في هذه الفئة العمرية) على العمل الذي يحرمهم من طفولتهم وكرامتهم. ومن بين هؤلاء ، يقوم 130 ألف طفل بعمل خطير ، وفقاً لمسح أجراه المعهد الوطني للإحصاء ومنظمة العمل الدولية عام 2017.
لمكافحة هذه الظاهرة وتحقيق العدالة الاجتماعية للجميع وإنهاء عمل الأطفال قامت تونس بتطویر أدواتها وتعزيز آليات الحماية من خلال وضع خطة وطنیة في عام 2016 لمكافحة عمل الأطفال كما صادقت على الاتفاقيّة الدوليّة لحقوق الطفل والبروتوكولات الملحقة بها وإصدار مجلة حماية الطفل والموافقة على أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030، إلى جانب انخراطها في التحــالف الفــرعي الدولي حول هدف إنـهاء عمل الأطفال في أفـق سنة 2025. كما جددت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السّنّ بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال الموافق ليوم 12 جوان 2023، الالـتزام ببذل قصارى الجهود لمقاومة الظاهرة ، والمضي قدما في مقاومة عمل الأطفال وحمايتهم من مختلف أوجه الاستغلال الاقتصادي والتهديد على غرار التسرب المدرسي والعنف والإهمال والتشرد وسوء المعاملة والاتجار بالبشر. مؤكدة بأن استدراج الأطفال دون السنّ المحدّدة قانونا واستغـلالهم أو تشغيـــلهم في أعمال خطرة أو استخدامهم يشكّل جريمة يعاقب عليها القانون وتهـديدا ملمّا بالطفل على معنى أحكام الفصل 20 من مجلة حماية الطفل، مؤكدة انها تعمل عبر شبكة مندوبي حماية الطفولة للوقاية والتصدي لوضعيات الأطفال المهددين بالاستغلال الاقتصادي وفي وضعية الشارع بمختلف ولايات الجمهوريّة حيث تلقّت 441 إشعار سنة 2020 و392 إشعار في سنة 2021 وفقا لمخرجات التقرير الإحصائي الخاص بالإشعارات حول وضعيات الطفولة المهددة والطفولة في خلاف مع القانون لسنتي 2020 و2021. كما بلغ عدد الاشعارات المتعلّقة بالاستغلال الاقتصادي 468 في سنة 2022.
التطورات الجديدة في ملف الأعوان المتعاقدين بوزارة التربية : هل هي بداية الانفراج للقطع النهائي مع آليات التشغيل الهش؟
بعد سنوات طويلة من النضالات المتواصلة من أجل حلحلة ملفهم الذي ظل يراوح مكانه بسبب عدم تجا…