مسببا خسائر جبائية بقيمة 5450 مليون دينار الاقتصاد الموازي ينافس نصف الاقتصاد التونسي
ارتفع عدد الناشطين في الاقتصاد الموازي في السنوات الأخيرة ما بعد الثورة وتضاعفت معه خسائر خزينة الدولة التي فاقت ثلاث مليارات دينار (977 مليون دولار) في السنة الواحدة نتيجة عدم تقنين هذا القطاع، وفق بيانات منظمة العمل الدولية. وطالت الخسائر أيضا صندوق الضمان الاجتماعي بسبب عدم خلاص مساهمات أكثر من 1.6 مليون شخص بحكم نشاطهم في قطاعات غير معلن عنها ولا تخضع للرقابة.
كما تخسر الدولة موارد مالية هامة بقيمة 5450 مليون دينار بسبب عدم حصولها على الإيرادات الضريبية من الشركات غير المسجلة ومن تسويغ المنازل وغيرها من الأنشطة الأخرى المصنفة ضمن أنشطة هذا الصنف من الاقتصاد الذي يسميه البعض اقتصادا موازيا، اقتصاد غير منظم، اقتصاد غير مهيكل. ولئن اختلفت تسمياته الا انه يبقى نشاط اقتصادي لا يخضع لا للرقابة ولا للأداءات ولا الضرائب.
ومثل ما تختلف تسمياته، تختلف الأرقام الخاصة به، وفق امنظمة العمل الدولية يساهم الاقتصاد الموازي بأكثر من 38 في المئة من الناتج الداخلي الخام، ويشغِّل قرابة 75 في المئة من الشباب بين 15 و29 سنة.
مركز جسور للسيارات العامة، قدم أرقاما تؤكد ان عائدات التهريب تصل إلى ما يقارب 2 مليار دينار تونسي سنوياً، وهي موزعة كالآتي: 750 مليون دينار للمحروقات، 300 مليون دينار للتبغ، 450 مليون دينار أجهزة كهربائية وقطع غيار وإطارات الشاحنات والسيارات وسلع غذائية، 500 مليون دينار أجهزة الكترونية وملابس واحذية ومواد تجميل وعطور.
ويقدر البنك الدولي من جهته حجم التجارة الموازية ما بين 1.8 و2.4 مليار دينار تونسي موزعة كالآتي: ما بين 0.6 و1 مليار دينار عبر الحدود الليبية-التونسية وما بين 1.2 و1.4 مليار دينار عبر الحدود التونسية – الجزائرية. اما الاتحاد العام التونسي للشغل فيقدّر حجم التهرب الضريبي ما بين 5 و7 مليار دينار سنوياً.
أين ينشط الاقتصاد الموازي؟
في تونس،أينما وليت وجهك ثمة اقتصاد موازٍ. قد تختلف أنشطته من مكان إلى مكان وتختلف قيمة مداخيله لكن مظاهر هذه الأنشطة لا تقتصر على جهة معينة.
يمكن اعتبار المناطق الحدودية المهمشة تنموياً وتعاني من نقص الخدمات والمرافق العمومية – سواء الجزائرية أو الليبية- أرضا خصبة لممارسة أنشطة لها علاقة بمسألة الاقتصاد الموازي. في هذه المناطق لا ينشط التهريب فقط بل يعتبر أكبر نشاط اقتصادي يشمل تهريب المحروقات بدرجة أولى، ثم قطع غيار السيارات والأجهزة الكهربائية والالكترونية. والملابس والأحذية والمفروشات وأيضا المواد الغذائية.
على سبيل الذكر وليس الحصر، نذكر مدينة بن قردان مثلا، حيث يعيش ما بين 25 و 30 ألف نسمة من تجارة التهريب وفق تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. ويبلغ رأس مال كل تاجر جملة حوالي 300 ألف دينار، فيما يبلغ رأس مال تجار الجملة البالغ عددهم 60 تاجرا حوالي 18 مليون دينار. ويتم تهريب حوالي 300 ألف لتر من الوقود يوميًا من ليبيا الي تونس اي 110 مليون لتر سنويا. ويتراوح حجم التبادل اليومي من عمليات التهريب بين مليون و3 ملايين دينار، أي ما يقارب 750 مليون دينار سنويا. ويقدر رقم المعدل السنوي للمعاملات التجارية في منطقة رأس الجدير على سبيل المثال بأكثر من مليار دينار .
قد يزعم البعض أن الاقتصاد الموازي يتمثل فقط في تهريب البضاعة َوالتجارة فيها في المناطق الحدودية ، بل في الحقيقة هو اوسع من ذلك بكثير.
ان التهرب الضريبي مثلا هو نشاط يتبع الاقتصاد الموازي، تعتمده بالأساس المؤسسات الاقتصادية التي تتلاعب يحساباتها المالية لتنقيص قيمة الأرباح والضرائب، وتشغل عمالا بدون عقود وبأجور ضعيفة وتمارس في بعض الأحيان أنشطة أخرى غير معلنة. ومن مظاهر الاقتصاد الموازي أيضا نذكر تأجير المساكن غير المصرح بها. هذه الظاهرة المنتشرة في أغلب الجهات لكنها تتركز أساساً في المدن الكبرى مثل تونس العاصمة، صفاقس، سوسة، نابل، المنستير، بنزرت. التي يقصدها العديد بهدف العمل أو الدراسة أو السياحة. وهذا النشاط يتم دون عقد الكراء أو تسديد الضريبة على العقارات أو التصريح بالدخل المتأتي من الايجار.
اسباب نمو هذه الظاهرة
مثل اي ظاهرة اجتماعية، فإن نمو الاقتصاد الموازي لم يكن وليد الصدفة، بل ساعدت عدة ظروف في ظهوره وتطوّره.
في حقيقة الأمر كانت سياسات الدولة التونسية – من قبل الاستقلال إلى يومنا هذا – هي الراعي الأول لتطور هذا الاقتصاد، وعندما نقول سياسات الدولة فنحن نخص بالذكر المنوال التنموي الفاشل الذي خلق فروقاً جهوية : جهات اصبحت اقطابا اقتصادية وأخرى تعاني الفقر والتهميش.
الدولة أيضا تتحمل مسؤوليتها في نمو هذه الظاهرة لأنها لم تقاوم بجدية انتشار الفساد ولم تصلح الإدارات ولم تتمكن من فرض رقابتها ولا امنها على مسالك التوزيع.
كما لعبت الأنظمة القانونية أيضا وغياب الشفافية هي الأخرى دورا في تطور أنشطة الاقتصاد الموازي لأنها كبلت الاستثمار وحرمت الشباب من عقود شغل محترمة حيث تفيد الاحصائيات عمل قرابة 1.599.000 تونسي في هذا القطاع، وهو ما يمثل 44.8 % من إجمالي العاملين ويمثل فقط 27.4% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقد كشف تقرير اعده المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول القطاع الموازي في تونس، حقيقة ارتفاع نسبة الاقتصاد الموازي بعد الثورة : قبل سنة 2011, كان الاقتصاد الموازي يمثل 30 % من الناتج الداخلي الخام وبعدها أصبح يشكل قرابة 53 %، وقد ناهز 60 % في السنوات الأخيرة.
الاقتصاد الموازي وميزانية 2024
وفي تحليله لحقيقة الوضع الاقتصادي، أكد صندوق النقد الدولي أن تونس تتكبد خسائر جسيمة جراء تنامي ظاهرة الاقتصاد الموازي. وطالب بضرورة دمجه مع الاقتصاد المنظم. صندوق النقد الدولي من جهته دعا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى ضرورة الادماج التدريجي لأنشطة هذا القطاع غير المهيكل موضحا انه في حال تنظمه سيكون اكفيلا بتغطية الحاجات التمويلية للبلاد وخلق حل ناجع لتعبئة موارد إضافيةب.
ومثل هذا المطلب اي المطالبة بدمج الاقتصاديين نقطة توافق بين جميع الاقتصاديين حيث أقر جل الخبراء بضرورة معالجة تطوير الاقتصاد الموازي وتسريع عملية الإدماج هذه، كخطوة استباقية لتوفير مداخيل إضافية لخزينة الدولة.
وبهذا الشأن اجمع الخبراء على أن معالجة هذه الظاهرة الاقتصادية تتم عبر تبني منوال تنموي جديد قادر على تشغيل محركات الاقتصاد الوطني، ويشجع المؤسسات الاقتصادية المنتجة على خلق الثرو بالإضافة إلى القيام بإصلاحات جبائية عميقة وعادلة عاجلة حتى يتم دمج الاقتصاد الموازي تدريجيا في الاقتصاد المنظم.
وفيما يخص علاقة الاقتصاد الموازي بميزانية 2024, يرى الاقتصاديون أنه باصلاح المنظومة الاقتصادية ومحاربة انتشار الاقتصاد الموازي ستوفر خزينة الدولة موارد مالية تقيها اللجوء إلى التداين الداخلي والخارجي على حد سواء وتشمل عملية الاصلاح محاربة الفساد وتبيض الأموال، تشديد الرقابة على مسالك التوزيع، فرض ضرائب عادلة على المؤسسات الاقتصادية، مراقبة نشاط التجار والمهن الأخرى التي ترفض خلاص الاداءات.
حتى موفى سبتمبر الماضي : رفض أكثر من 272 ألف شيك بقيمة 2,32 مليار دينار
أكدت نشرية البنك المركزي التونسي الخاصة بنشرة الدفوعات في تونس، أنه تم إصدار 18,52 مليون ش…