في الشأن التربوي : مدرسة عمومية مواكبة للعصر .. هي الأمل
تعتبر المدرسة العمومية رهانا استراتيجيا وطنيا، فهي التي تضمن للناشئة حقهم المجاني في التعليم والتنشئة بفرص متكافئة بين الجميع وفي ظروف مشجّعة ومساعدة على التعلّم . وبها نحمي الثوابت الوطنية ونرسخ لدى الناشئة حب الوطن والاعتزاز بالنفس . وننمي لديهم الشعور بالانتماء بالتوازي مع الانفتاح على العالم الخارجي مما يحقق لديهم الاندماج الفاعل في اقتصاد ومجتمع المعرفة. لذلك فالمدرسة مطالبة بمواكبة العصر في سياساتها وأهدافها وغاياتها وبرامجها وممارساتها التربوية .. حتى تؤدي الدور المنوط بعهدتها تناغما مع ما يعيشه العالم من تغيرات تكنولوجية وعلمية متسارعة .
إن مراعاة التطور التكنولوجي الذي يحكم العالم اليوم مسألة بالغة الأهمية في بناء مدرسة تونسية مستقبلية مواكبة لذلك التطور ومبدعة ومجددة ومبتكرة . لذلك لا يمكن لمدرسة عمومية تحقيق الدور الذي ينتظره منها المجتمع ما لم تعد الناشئة للعيش في ظروف تكنولوجية مغايرة تنتظرهم في المستقبل ضمن نمط حياة سيهيمن عليه الذكاء الاصطناعي. وهذا يتطلب تعليما مختلفا تماما عما تعودنا عليه. فكيف ستنجح مدرسة غير مرتبطة بشبكة الأنترنات، وغير مجهزة بوسائل التعلم التكنولوجية الحديثة كالسبورة التفاعلية وآلات العرض التي تعوض السبورة ، ولا تتواجد فيها مراكز توثيق وإعلام مرتبطة بالشبكة العنكبوتية ولا قاعات دراسية لكل تلميذ فيها حاسوبه أو لوحته الرقمية التي تعوض الكتاب المدرسي وبها يتواصل مع مدرسه في القسم ومن خلالها يتعلم ومن خلالها يمكن أن نعطي لكل تلميذ هوية الكترونية يتعامل بها مع المدرسة ومع المدرسين ومع الأتراب ويمكن أن تكون نواة لرقم هويته الوطنية في بطاقة التعريف التي يحصل عليها فيما بعد .
أهم تطلعات الشباب
في إطار حق الناشئة في تعلم جيد فهم يتطلعون إلى أن تهتم المدرسة في تكوينهم بكفايات المستقبل التي توفر لهم مكانا ودورا في مجتمعهم ولا تركز في تنشئتهم على ما يسمونه بكفايات الماضي . وتعتبر تلك الكفايات المستقبلية من الحاجيات الحقيقية للناشئة اليوم . كما أن من حاجياتهم في رأيي إعدادهم ليكونوا جاهزين لخوض غمار حياتهم الجديدة في المستقبل إن كانت مهنية أو مجتمعية . ومما يساعد على ذلك أن تبني المدرسة علاقة تشاركية تواصلية مع الأولياء ومع المجتمع المدني ومحيط المدرسة مما يساعد على تكوينهم ، وأن يتم تدريب الناشئة على كفايات مهمة كالاستقلالية والقدرة على حل المسائل المعقدة التي تطرح عليهم وعلى وسائل العمل الشبكي والفكر النقدي البناء المؤدي إلى التطوير والتجديد وعلى كيفية التعامل مع وسائل الإعلام والاتصال ووسائل التواصل الاجتماعي وتدريبهم أيضا على كيفية فك شفرات الرسائل التي تبثها تلك الوسائل وتسلحهم بالأدوات التي تمكنهم من التفطن لمخاطرها والتعامل معها بكل حكمة وفطنة. كما أن مدرسة مستقبلية من الضروري أن تهتم بإنارة الناشئة حول مشاغل عصرهم مثل الأزمات والأوبئة والتقلبات المناخية وتردي البيئة وانتشار النفايات والطاقات المتجددة …
البرامج والمدرسون
ولتحقيق متطلبات العصر وتطلعات الناشئة من الضروري تحديد المضامين التي سيتكون التلاميذ وفقها وانتقاء نوعية الاختصاصات المدرسية التي نوليها اهتماما أكبر . فمثلا لا يمكن أن نكوّن طفلا ليعيش في ذلك العالم ما دام لا يحذق اللغة الانقليزية جيدا ولم يتمكن من علوم التكنولوجيا وعلوم الكمبيوتر والروبوتات وأصول البرمجة منذ الصغر. وما لم ندربه على التعلم من خلال الشبكات وعلى الإنتاج التقني الذكي والإبداع والتصاميم الرقمية. وللوصول إلى ذلك نحتاج إلى انتداب أفضل الخريجين من الجامعات وتوظيفهم في التدريس وفي المهن الأخرى ذات العلاقة بالمدرسة وتكوينهم تكوينا خاصا في كل مجالات عملهم مع الحرص على مواكبة التطور العلمي في ذلك التكوين . كما نحتاج إلى مراجعة موازنة المواد والتوقيت المخصص لكل مادة واعتماد مقاربات جديدة في تدريسها وتوظيف تكنولوجيات المعلومات والاتصال في تدريس كل المواد .
الزمن المدرسي
ولتحقيق تلك الأهداف من الضروري مراجعة الزمن المدرسي التقليدي الحالي نحو زمن مدرسي يراعي نسق التعلّم لدى الناشئة من منظور نفسي تربوي والانتهاء من مقاربة الزمن المدرسي الشكلي التقني الذي يهتم بتوزيع جداول الأوقات ورزنامة العطل ومواعيد الامتحانات المدرسية .. والذي يعتبر أحد أسباب تدني مردود المدرسة العمومية وانتشار بعض المظاهر غير المقبولة في الوسط المدرسي وفي محيطه كالعنف مثلا وهو من بين أسباب الفشل المدرسي . لذلك نحتاج إلى تغييرات تطال كثافة ساعات اليوم الدراسي وطول الأسبوع المدرسي وقلة عدد أيام الدراسة المفتوحة خلال السنة مقارنة بالمعدلات العالمية وطول العطلة الصيفية وكثافة فترات الامتحانات وغياب النشاط الثقافي والرياضي ومراعاة حاجيات الجهات وخصوصياتها عند تطبيق أي زمن مدرسي جديد .
الادارة المدرسية
إن تسيير المدارس والمعاهد والتصرف فيها يتطلب اليوم مراجعة المهام التي يضطلع بها مدير المدرسة ودوره في ذلك . إن إرساء نمط جديد في التسيير يتناغم مع مدرسة عمومية جديدة هو الحل لنجاحها . ففي إطار سياسة الوزارة التعليمية وقوانينها يسمح للمدير بالاجتهاد لتطوير أداء مدرسته والرفع من نتائج تلاميذه أو معالجة صعوبات مثل الفشل أو العنف أو التسيب … بإنجاز مشاريع تربوية أو أفكار أو طرح مبادرات تساعد على ذلك نحو الوصول إلى تحقيق الاحتراف في هذه المهنة لكن وفق قوانين وقواعد الحوكمة الرشيدة التي تضبطها الوزارة.
وعموما إن نجاح المدرسة العمومية يبقى أملنا جميعا من أجل صالح أبنائنا على ألا نتغافل على الجانب النفسي في المدرسة بدعم وظيفة المرافقة المدرسية والإحاطة المباشرة واليومية بالتلميذ داخل الوسط المدرسي والإصغاء إليه للتعرف إلى مشاكله وحلها مع الحرص على إكسابه المهارات الحياتية لأنها مكملة لشخصيته التي تعمل المدرسة على بنائها ويتعلم من خلالها الطفل كيف يتعامل مع ذاته ومع الآخر ومع المجتمع وتسمح له بالتأقلم مع كل المتغيرات التي تطرأ حوله للنجاح في الحياة في ظل مقاربة تعتبر المهارات الحياتية جزءا من العملية التعليمية التعلّمية .
في الشأن التربوي : نجاعة التدريس للتصدّي للدروس الخصوصية
انشغل الرأي العام في تونس في الفترة الأخيرة بظاهرة الدروس الخصوصية وكيفية التصدي لها . وكن…