هل عجز الإعلام الوطني عن الارتقاء إلى مستوى اللحظة : الخطاب السياسي ذهب بعيدا… وبعض المنابر فقدت توازنها
بداية لا بد من التنويه أن أغلب القنوات التلفزية الرسمية العربية لم تستطع أن تواكب الحدث العظيم في فلسطين المحتلة، وبعضها تعثّر ولم يستطع الثبات والمواصلة، والبعض الآخر كأنه غير معني أصلا بالحدث، وحدها القنوات التجارية واكبت وتابعت العملية لحظة بلحظة، وبكل أبعادها وتفاصيلها، وحللت ووجهت حسب رؤيتها ومن منطلق مموّليها، سياسيا وعقائديا.
والاعلام الوطني لم يحد عن هذه القاعدة، اذ غابت التلفزة الوطنية عن تغطية الحدث طيلة العشر ساعات الاولى، أي في عنفوان الحدث، عندما كان العالم كله منبهرا ومشدوها ويبحث عن التغطية في كل منبر يخطر على باله، وبقيت تنتظر الخطاب السياسي الرسمي، وحتى عندما صدر بلاغ رئاسة الجمهورية، فانها لم تستطع مواكبته واكتفت بتصدير الخبر في أول النشرة مع استدعاء ضيوف وسؤالهم بطريقة تبدو بدائية جدا ولا علاقة لها بما يحدث، من قبيل: بماذا شعرت عندما سمعت بعملية الطوفان في فلسطين؟.
في حين حاول الاعلام الخاص ان يلحق بركب الحدث لا ان يواكب الحدث ويصنع منه فرجة تليق وخبرا يستوعبه المشاهدون، فتنادت بعض القنوات الى ابلاتوهاتب تشعر انها قامت على عجل من أجل ان تقول فقط نحن هنا ونواكب، وحتى من حضروها كانوا مختلفين جدا، بين من يريد ان يبين للناس ان هناك حدثا عظيما يجري على أرض فلسطين الحبيبة، وبين من يريد ان يقول أنظروا إليّ اني أحب فلسطين وألبس كوفيتها.
لكن ذلك لا ينفي ان هناك أصواتا برزت منذ الدقائق الاولى للعملية، وواكبت بكل نبضها واستطاعت ان تفرض، في بعض الاذاعات الخاصة على الاقل، متابعة حينية ومواكبة كبرى لكل تفاصيل العملية، مع إعطاء الإخبار والتحاليل زخما نضاليا يتماشى مع الموقفين الشعبي والرسمي مما يجري.
وهي ليست المرة الأولى التي يعجز فيها إعلامنا الوطني عن الارتقاء الى مستوى حدث بهذا الحجم وهذه الأهمية، الى درجة بدا خطاب رئيس الدولة عالي السقف جدا مقارنة، بالتلفزة والإذاعة الوطنية وحتى بوكالة الأنباء الرسمية، حيث وصل خطابه إلى سقف مبدئي تعوّد العرب عادة على تجاهله، حيث جاء في البلاغ أن ما يسمى غلاف غزة هو أرض فلسطينية محتلة وان على الجميع الوقوف مع الفلسطينيين لتحرير أرضهم فلسطين التاريخية، وهي لغة خلت منها البلاغات الرسمية العربية منذ عقود، وحلّت محلها لغة تدّعي الواقعية والعقلانية، وتقوم على مصطلحات من قبيل حل الدولتين او الحوار بين الطرفين او مبادرات السلام والتطبيع وغيرها من الكلمات التي ربما بدأ الاعلام الرسمي، سواء في تونس او الوطني العربي، يتعوّد عليها ولم يستطع ان يخرج من بوتقتها خلال تغطيته لعملية طوفان الاقصى.
خطاب رئاسة الجمهورية كان أعلى سقفا بكثير ربما مما توقعه القائمون على المنابر الاعلامية الوطنية، خاصة الرسمية منها، وهو ما جعل البعض منها يترنح، ولم يستوعب اصدمةب السقف العالي لخطاب الرئيس، وبقي يراوح مكانه بين المساندة المحتشمة، وبين اللغة الخشبية التي لا تعطي موقفا واضحا، وفي الاخير اعتمد على المنقول من القنوات العربية والعالمية، وخصوصا على ما خطته وكالات الانباء ومراسلات التلفزيون من داخل الاراضي المحتلة، ولم يكلّف نفسه عناء البحث عن مصدر مستقل خاص به وسط طوفان من الاخبار التي بالتأكيد لا تبثها منابر موحدة او ذات نفس الاهداف، بل كل كما يحلو له، ومنابرنا نقلت عنهم بغثه وسمينه.
وهذا لا شك يعطي اشارة ليست بالهيّنة، خصوصا أمام من يرغبون في اصلاح الاعلام او من ينادون بالنهوض بالقطاع، وما عليهم الا ان يراجعوا رؤاهم لان الوهن بلغ حدا لا يبدو معه الاصلاح هيّنا، فحين تعجز منابر اعلامية مملوكة للدولة والشعب التونسي عن التماهي مع موقف الدولة والشعب، فمعنى ذلك ان الخلل كبير وان الاصلاح طريق طويل وصعب.
متى تعي الهياكل أننا بتنا في أمسّ الحاجة لهكذا رؤية: من أجل نموذج فلاحي ملائم للتغيرات المناخية ومخاطر ندرة المياه
رغم توالي سنوات الجفاف، ورغم تحوّل المياه في بلادنا تدريجيا الى عملة نادرة، لا تزال كثير …