الإعلام الجماهيري التونسي وطوفان الأقصى : خارج التغطية… مع استثناءات قليلة
فشل الإعلام الجماهيري في مجمله فشلا ذريعا و أثبت مرة أخرى أنه خارج دائرة الحرفية في التعاطي مع حدث جلل بحجم طوفان الأقصى الذي زلزل العالم وأعاد مفاهيم النخوة والعزة إلى دائرة الضوء.
بل أعاد الوهج أيضا إلى القيم الخالدة وفي مقدمتها قيمة التحرر من ربقة أعنف استعمار استيطاني في التاريخ.
وقد سارعت كبريات وسائل الإعلام الجماهيرية شرقا وغربا إلى فتح اأثيرهاب لمتابعة ما يحدث على الميدان في ما يعرف بغلاف قطاع غزة الذي منه انطلق الهجوم المباغت للمقاومة الفلسطينية على المستوطنات الصهيونية وأربك الآلة العسكرية الموحشة للكيان الصهيوني. وهو انتصار يعيد إلى الأذهان حرب العبور في 6 أكتوبر 1973.
أما وسائل الإعلام التونسية وتحديدا الجماهيرية فقد واصلت برمجتها العادية باستثناء قناة تلفزية وإذاعة واحدة خصصت حيزا للتعاطي مع الحدث تحليلا ومتابعة وعودة إلى تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
اللافت أن القناة الوطنية لم تعر الحدث أي أهمية في يومه الأول وانتظرت اليوم الموالي لتقدم مادة باهتة ولا ترقى إلى الحدث. بل ولا تتسق مع الموقف التونسي الرسمي الذي كان شجاعا وواضحا ودقيقا في انحيازه للحق الفلسطيني دونما قيد أو شرط دون أن يغادر منطق الشرعية الدولية.
فبقدر ما بدت تونس الرسمية من خلال بلاغ رئاسة الجمهورية وفيّة لمبادئها ومتناغمة مع الإيقاع الشعبي ، بدا الإعلام منفصلا عن واقعه وعن نبض الشارع غير مكترث بما يحدث في فلسطين باستثناء أقسام الأخبار التي قدمت نشراتها ومواجيزها كما جرت العادة.
هنا نحن أمام ظاهرة في غاية الخطورة تجعلنا نتفهم إلى حد كبير أسباب انعدام الثقة بين وسائل الإعلام وبين الجمهور العريض وهي التي لا صلة لها بمشاغله وانتظاراته. ولم تواكب التحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي طرأت منذ ما يزيد عن عقد ونيف من الزمن.
والأكيد أن هناك وصما لحق بعديد المنابر الإعلامية وبعدد كبير من الإعلاميين طوال الفترة الماضية وأحدث هوّة عميقة بين صنّاع المضامين الإعلامية وبين المتلقين وهو أمر مدان وغير مقبول.ولعل الذاكرة ما زالت تحفل بصور كل أشكال الضغط التي تم تسليطها على الصحفيين إبان الثورة ونعتهم بأبشع النعوت. وكيف تم التصدي لكل ذلك.
لكن من المهم أن تحدث مراجعات عميقة في المضامين الإعلامية بكل أنماطها السياسية والثقافية والمنوعاتية خاصة مع حدث كبير وخطير مثل طوفان الأقصى الذي قلب كل المفاهيم وحرّك كل عواصم العالم. وفي الأثناء كانت تلفزتنا الوطنية التي يفترض أنها قاطرة الإعلام العمومي تبث حفلة قديمة لأغاني الرسوم المتحركة. وهذا من المفارقات العجيبة التي ينبغي أن نتوقف عندها إذا أردنا التطوير والتحسين واستعادة المكانة.
فبقدر إيماننا بالدور الكبير للإعلام الجماهيري العمومي والمراهنة عليه من أجل بث مضامين ترتقي إلى مستوى اللحظات التاريخية المهمة بقدر ما نتوجه له بالنقد على التقصير وسوء تقدير المواقف. فلا يمكن أن تكون التلفزة التونسية محايدة ذاك الحياد االبارد أو الباهتب إزاء حدث مفعم بالعزة والفخر والعنفوان. في بلد آل على نفسه أن يكون منحازا طوال تاريخه للقضية الفلسطينية قيادة وشعبا خاصة ونحن دفعنا ضريبة الدم مع أشقائنا الفلسطينيين في أكثر من محطة تاريخية من بينها على سبيل الذكر لا الحصر واقعة الهجوم الصهيوني على حمام الشط واغتيال أبو جهاد وأبو إياد وصولا إلى واقعة اغتيال المناضل التونسي محمد الزواري .
وبالتأكيد توجّهنا بالنقد إلى الإعلام الجماهيري العمومي لا يعفي أيضا المنابر الإعلامية الخاصة التي ساهمت بشكل ممنهج تقريبا في صناعة أجيال االأنستغرامب الفاقدة لحس الانتماء ببعديه الوطني والقومي . وكان لها الدور الأكبر في خلق ذائقة رديئة وتزييف الوعي الجماعي للشباب والأطفال على وجه الخصوص.وإن كنا في حدث الأقصى نستثني منبرا أو اثنين واكبا الحدث ومن المهم التنويه بهما فإن البقية ظلت في سباتها العميق.
عن الأمن العام بالبلاد : التصدّي للجريمة وضمان أمان المواطنين..
مما لا شك فيه ان منسوب العنف قد ارتفع بشكل غير مسبوق في تونس وهذا يعود لأسباب كثيرة سنفصل …