2023-10-10

الإعلام الجماهيري التونسي وطوفان الأقصى : خارج التغطية… مع استثناءات قليلة

فشل‭ ‬الإعلام‭ ‬الجماهيري‭ ‬في‭ ‬مجمله‭ ‬فشلا‭ ‬ذريعا‭ ‬و‭ ‬أثبت‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أنه‭ ‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬الحرفية‭  ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬حدث‭ ‬جلل‭ ‬بحجم‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬الذي‭ ‬زلزل‭ ‬العالم‭ ‬وأعاد‭ ‬مفاهيم‭ ‬النخوة‭ ‬والعزة‭  ‬إلى‭ ‬دائرة‭ ‬الضوء‭.‬

بل‭ ‬أعاد‭ ‬الوهج‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬القيم‭  ‬الخالدة‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬قيمة‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬ربقة‭ ‬أعنف‭  ‬استعمار‭  ‬استيطاني‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭.‬

وقد‭ ‬سارعت‭ ‬كبريات‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الجماهيرية‭ ‬شرقا‭ ‬وغربا‭ ‬إلى‭ ‬فتح‭ ‬اأثيرهاب‭ ‬لمتابعة‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬على‭ ‬الميدان‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭  ‬بغلاف‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬الذي‭ ‬منه‭ ‬انطلق‭ ‬الهجوم‭ ‬المباغت‭ ‬للمقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬المستوطنات‭ ‬الصهيونية‭ ‬وأربك‭ ‬الآلة‭ ‬العسكرية‭ ‬الموحشة‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني‭. ‬وهو‭ ‬انتصار‭ ‬يعيد‭ ‬إلى‭ ‬الأذهان‭ ‬حرب‭ ‬العبور‭ ‬في‭ ‬6‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973‭. ‬

أما‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التونسية‭ ‬وتحديدا‭ ‬الجماهيرية‭ ‬فقد‭ ‬واصلت‭ ‬برمجتها‭ ‬العادية‭ ‬باستثناء‭ ‬قناة‭ ‬تلفزية‭ ‬وإذاعة‭ ‬واحدة‭ ‬خصصت‭ ‬حيزا‭ ‬للتعاطي‭ ‬مع‭ ‬الحدث‭ ‬تحليلا‭ ‬ومتابعة‭ ‬وعودة‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

اللافت‭ ‬أن‭ ‬القناة‭ ‬الوطنية‭ ‬لم‭ ‬تعر‭ ‬الحدث‭ ‬أي‭ ‬أهمية‭ ‬في‭ ‬يومه‭ ‬الأول‭ ‬وانتظرت‭ ‬اليوم‭ ‬الموالي‭ ‬لتقدم‭ ‬مادة‭ ‬باهتة‭ ‬ولا‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬الحدث‭. ‬بل‭ ‬ولا‭ ‬تتسق‭ ‬مع‭ ‬الموقف‭ ‬التونسي‭ ‬الرسمي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬شجاعا‭ ‬وواضحا‭ ‬ودقيقا‭ ‬في‭ ‬انحيازه‭ ‬للحق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬دونما‭ ‬قيد‭ ‬أو‭ ‬شرط‭  ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يغادر‭ ‬منطق‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭. ‬

فبقدر‭ ‬ما‭ ‬بدت‭ ‬تونس‭ ‬الرسمية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬بلاغ‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية‭ ‬وفيّة‭ ‬لمبادئها‭ ‬ومتناغمة‭ ‬مع‭ ‬الإيقاع‭ ‬الشعبي‭ ‬،‭ ‬بدا‭ ‬الإعلام‭ ‬منفصلا‭ ‬عن‭ ‬واقعه‭ ‬وعن‭ ‬نبض‭ ‬الشارع‭ ‬غير‭ ‬مكترث‭ ‬بما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬باستثناء‭ ‬أقسام‭ ‬الأخبار‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬نشراتها‭ ‬ومواجيزها‭ ‬كما‭ ‬جرت‭ ‬العادة‭.‬

هنا‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬ظاهرة‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الخطورة‭ ‬تجعلنا‭ ‬نتفهم‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬أسباب‭ ‬انعدام‭ ‬الثقة‭ ‬بين‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬وبين‭ ‬الجمهور‭ ‬العريض‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬صلة‭ ‬لها‭ ‬بمشاغله‭ ‬وانتظاراته‭. ‬ولم‭ ‬تواكب‭ ‬التحولات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬التي‭ ‬طرأت‭ ‬منذ‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬عقد‭ ‬ونيف‭ ‬من‭ ‬الزمن‭.‬

والأكيد‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬وصما‭ ‬لحق‭ ‬بعديد‭ ‬المنابر‭ ‬الإعلامية‭ ‬وبعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الإعلاميين‭ ‬طوال‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬وأحدث‭ ‬هوّة‭ ‬عميقة‭ ‬بين‭ ‬صنّاع‭ ‬المضامين‭ ‬الإعلامية‭ ‬وبين‭ ‬المتلقين‭  ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬مدان‭ ‬وغير‭ ‬مقبول‭.‬ولعل‭ ‬الذاكرة‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تحفل‭ ‬بصور‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الضغط‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬تسليطها‭ ‬على‭ ‬الصحفيين‭ ‬إبان‭ ‬الثورة‭ ‬ونعتهم‭ ‬بأبشع‭ ‬النعوت‭. ‬وكيف‭ ‬تم‭ ‬التصدي‭ ‬لكل‭ ‬ذلك‭. ‬

‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬مراجعات‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬المضامين‭ ‬الإعلامية‭ ‬بكل‭ ‬أنماطها‭ ‬السياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬والمنوعاتية‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬حدث‭ ‬كبير‭ ‬وخطير‭ ‬مثل‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬الذي‭ ‬قلب‭ ‬كل‭ ‬المفاهيم‭ ‬وحرّك‭ ‬كل‭ ‬عواصم‭ ‬العالم‭. ‬وفي‭ ‬الأثناء‭ ‬كانت‭ ‬تلفزتنا‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬يفترض‭ ‬أنها‭ ‬قاطرة‭ ‬الإعلام‭ ‬العمومي‭ ‬تبث‭ ‬حفلة‭ ‬قديمة‭ ‬لأغاني‭ ‬الرسوم‭ ‬المتحركة‭. ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬المفارقات‭ ‬العجيبة‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬عندها‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬التطوير‭ ‬والتحسين‭ ‬واستعادة‭ ‬المكانة‭.‬

فبقدر‭ ‬إيماننا‭ ‬بالدور‭ ‬الكبير‭ ‬للإعلام‭ ‬الجماهيري‭ ‬العمومي‭ ‬والمراهنة‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بث‭ ‬مضامين‭ ‬ترتقي‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬اللحظات‭ ‬التاريخية‭ ‬المهمة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬نتوجه‭ ‬له‭ ‬بالنقد‭ ‬على‭ ‬التقصير‭ ‬وسوء‭ ‬تقدير‭ ‬المواقف‭. ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬التلفزة‭ ‬التونسية‭ ‬محايدة‭ ‬ذاك‭ ‬الحياد‭ ‬االبارد‭ ‬أو‭ ‬الباهتب‭ ‬إزاء‭ ‬حدث‭ ‬مفعم‭ ‬بالعزة‭ ‬والفخر‭ ‬والعنفوان‭. ‬في‭ ‬بلد‭ ‬آل‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬منحازا‭ ‬طوال‭ ‬تاريخه‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬قيادة‭ ‬وشعبا‭ ‬خاصة‭ ‬ونحن‭ ‬دفعنا‭ ‬ضريبة‭ ‬الدم‭ ‬مع‭ ‬أشقائنا‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬محطة‭ ‬تاريخية‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الذكر‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬واقعة‭ ‬الهجوم‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬حمام‭ ‬الشط‭ ‬واغتيال‭ ‬أبو‭ ‬جهاد‭ ‬وأبو‭ ‬إياد‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬واقعة‭  ‬اغتيال‭ ‬المناضل‭ ‬التونسي‭ ‬محمد‭ ‬الزواري ‭.‬

وبالتأكيد‭ ‬توجّهنا‭ ‬بالنقد‭ ‬إلى‭ ‬الإعلام‭ ‬الجماهيري‭ ‬العمومي‭ ‬لا‭ ‬يعفي‭ ‬أيضا‭ ‬المنابر‭ ‬الإعلامية‭ ‬الخاصة‭  ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬بشكل‭ ‬ممنهج‭ ‬تقريبا‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬أجيال‭ ‬االأنستغرامب‭ ‬الفاقدة‭ ‬لحس‭ ‬الانتماء‭ ‬ببعديه‭ ‬الوطني‭ ‬والقومي‭ . ‬وكان‭ ‬لها‭ ‬الدور‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬ذائقة‭ ‬رديئة‭ ‬وتزييف‭ ‬الوعي‭ ‬الجماعي‭ ‬للشباب‭ ‬والأطفال‭ ‬على‭  ‬وجه‭ ‬الخصوص‭.‬وإن‭ ‬كنا‭ ‬في‭ ‬حدث‭ ‬الأقصى‭ ‬نستثني‭ ‬منبرا‭ ‬أو‭ ‬اثنين‭ ‬واكبا‭ ‬الحدث‭ ‬ومن‭ ‬المهم‭ ‬التنويه‭ ‬بهما‭ ‬فإن‭ ‬البقية‭ ‬ظلت‭ ‬في‭ ‬سباتها‭ ‬العميق‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

عن الأمن العام بالبلاد : التصدّي للجريمة وضمان أمان المواطنين..

مما لا شك فيه ان منسوب العنف قد ارتفع بشكل غير مسبوق في تونس وهذا يعود لأسباب كثيرة سنفصل …