2023-10-06

بمناسبة اليوم العالمي للمربي الموافق للخامس من أكتوبر من كل سنة : المُربّي التونسي عنصرٌ فاعل في بناء مدرسة الإبداع والابتكار والذكاء

حظيت‭ ‬التربية‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬باهتمام‭ ‬كبير‭ ‬دراسة‭ ‬ومناقشة‭ ‬وتحليلا‭ ‬فهي‭ ‬تعتبر‭ ‬أحد‭ ‬مقومات‭ ‬التنمية‭ ‬وهي‭ ‬أساس‭ ‬التقدم‭ ‬والتغيير‭ ‬الاجتماعي‭. ‬وقد‭ ‬حرصت‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬جعل‭ ‬المدرسة‭ ‬التونسية‭ ‬تواكب‭ ‬مستجدات‭ ‬العصر‭ ‬وعملت‭ ‬ـ‭ ‬حسب‭ ‬الإمكانيات‭ ‬المتاحة‭ ‬والموارد‭ ‬المتوفرة‭ ‬ـ‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬التعليم‭ ‬بما‭ ‬يستجيب‭ ‬لمتطلبات‭ ‬العصر‭. ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬السعي‭ ‬لجعل‭ ‬المدارس‭ ‬التونسية‭ ‬فضاءات‭ ‬جذب‭ ‬واستقطاب‭ ‬ومخابر‭ ‬للذكاء‭ ‬والابداع‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الخضم‭ ‬ترنو‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬التونسية‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬منظومة‭ ‬عصرية‭ ‬وديمقراطية‭ ‬وهي‭ ‬تتطلع‭ ‬كذلك‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬توفر‭ ‬التعليم‭ ‬الجيد‭ ‬لكل‭ ‬التلاميذ‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭ ‬وفي‭ ‬كنف‭ ‬المساواة‭ ‬والعدالة‭. ‬كما‭ ‬تعمل‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬على‭ ‬منح‭ ‬فرص‭ ‬وحظوظ‭ ‬متساوية‭ ‬لكل‭ ‬التلاميذ‭ ‬للولوج‭ ‬الى‭ ‬مقاعد‭ ‬الدراسة‭ ‬والحصول‭ ‬بالتالي‭ ‬على‭ ‬إمكانية‭ ‬التدرج‭ ‬الاجتماعي‭.‬

‭ ‬بيد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الطموح‭ ‬لم‭ ‬يتحقق‭ ‬بعد‭ ‬بالدرجة‭ ‬الكافية‭ ‬بما‭ ‬أنّ‭ ‬التقسيم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الى‭ ‬شرائح‭ ‬سوسيو‭ -‬اجتماعية‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬التلاميذ‭ ‬المنحدرين‭ ‬من‭ ‬أوساط‭ ‬اجتماعية‭ ‬مرفّهة‭ ‬وخاصّة‭ ‬المنحدرين‭ ‬من‭ ‬عائلات‭ ‬متعلّمة‭ ‬استفادت‭ ‬من‭ ‬علاقاتها‭ ‬الطبيعية‭ ‬بالمعرفة‭ ‬وبفضاءات‭ ‬التّعلّم‭ ‬واستفادت‭ ‬من‭ ‬سهولة‭ ‬وصولها‭ ‬الى‭ ‬مؤسّسات‭ ‬الفعل‭ ‬الثقافي‭.‬

فصارت‭ ‬المعارف‭ ‬التي‭ ‬يتلقاها‭ ‬تلاميذ‭ ‬هذه‭ ‬الأوساط‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬نمط‭ ‬عيشهم‭ ‬في‭ ‬منازلهم‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬علاقتهم‭ ‬بوسائط‭ ‬الثقافة‭ ‬تبدو‭ ‬إيجابية‭ ‬الى‭ ‬درجة‭ ‬كبيرة‭ ‬بل‭ ‬وطبيعية‭ ‬جدا‭. ‬فعندما‭ ‬يشاهدون‭ ‬اباءهم‭ ‬بصدد‭ ‬قراءة‭ ‬كتاب‭ ‬أو‭ ‬صحيفة‭ ‬أو‭ ‬مجلة‭ ‬وعندما‭ ‬يرافقونهم‭ ‬الى‭ ‬فضاءات‭ ‬السينما‭ ‬والمسرح‭ ‬والفنون‭ ‬التشكيلية‭ ‬والحفلات‭ ‬الموسيقية‭ ‬فانهم‭ ‬يتعلمون‭ ‬بالتقليد‭ ‬والمشاهدة‭.‬أما‭ ‬التلاميذ‭ ‬من‭ ‬أوساط‭ ‬فقيرة‭ ‬ومحدودة‭ ‬الإمكانيات‭ ‬المادية‭ ‬والمعرفية‭ ‬فإن‭ ‬المدرسة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليهم‭ ‬هي‭ ‬الملاذ‭ ‬والفضاء‭ ‬الوحيد‭ ‬لتلقي‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬والتحصيل‭ ‬الثقافي‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬يقيمها‭ ‬هؤلاء‭ ‬التلاميذ‭ ‬مع‭ ‬المؤسسات‭ ‬التعليمية‭ ‬والتكوينية‭ ‬علاقة‭ ‬أساسها‭ ‬المنفعة‭ ‬الآنية‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬مهام‭ ‬المدرسة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬تعليمهم‭ ‬القراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬والحساب‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فضاء‭ ‬لتزويدهم‭ ‬بالمعارف‭ ‬والثقافة‭ .‬لتتحول‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬متقدمة‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬نافذتهم‭ ‬على‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والمعارف‭ ‬والثقافة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬يفتقدونه‭ ‬في‭ ‬بيئاتهم‭ ‬الاسرية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬عموما‭ ‬ولا‭ ‬ينبغي‭ ‬ان‭ ‬نغفل‭ ‬كون‭ ‬المدرسة‭ ‬أصبحت‭ ‬بصورة‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬وبشيء‭ ‬من‭ ‬المبالغة‭  ‬مكانا‭ ‬للتعلم‭ ‬والتكوين‭ ‬غير‭ ‬الالزاميين‭ ‬رغم‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬ضبطت‭ ‬بدقة‭ ‬مراحل‭ ‬التمدرس‭ ‬والسن‭ ‬القصوى‭ ‬لمغادرة‭ ‬المدرسة‭. ‬وهنا‭ ‬تكمن‭ ‬فاعلية‭ ‬المدرسين‭ ‬فهم‭ ‬الاقدر‭ ‬على‭ ‬تحويل‭ ‬المؤسسة‭ ‬التعليمية‭ ‬الى‭ ‬فضاء‭ ‬للتنشئة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬بامتياز‭ ‬بما‭ ‬أنهم‭ ‬تساعد‭ ‬التلاميذ‭ ‬الذين‭ ‬أسعفهم‭ ‬الحظ‭ ‬بدخولها‭ ‬فهم‭ ‬يُساعدون‭ ‬التلاميذ‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬مسار‭ ‬دراسي‭ ‬ملائم‭ ‬واختيار‭ ‬توجهات‭ ‬مهنية‭-‬فيما‭ ‬بعد‭-‬قد‭ ‬تتفاوت‭ ‬درجاتها‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬بتفاوت‭ ‬المشاريع‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والموارد‭ ‬المادية‭ ‬للعائلات‭.‬إن‭ ‬المدرسة‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تتحول‭ ‬بفضل‭ ‬جهود‭ ‬المدرّسين‭ ‬الى‭ ‬فضاء‭ ‬وظيفي‭ ‬يقصدها‭ ‬التلاميذ‭ ‬للتعلم‭ ‬ولتحصيل‭ ‬المعارف‭ ‬واكتساب‭ ‬المهارات‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ولتطوير‭ ‬العلاقات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬واكتساب‭ ‬مهارات‭ ‬التواصل‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

إن‭ ‬طموح‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة‭ ‬التونسية‭ ‬يتجاوز‭ ‬مجرد‭ ‬الاضطلاع‭ ‬بدور‭ ‬تلقين‭ ‬المعرفة‭ ‬بل‭ ‬يتعداه‭ ‬إلى‭ ‬تغذية‭ ‬التلاميذ‭ ‬بالقيم‭ ‬وأنماط‭ ‬السلوك‭ ‬وأساليب‭ ‬التواصل‭ ‬والعيش‭ ‬المشترك‭ ‬في‭ ‬وضعية‭ ‬تعلّم‭ ‬وتكوين‭. ‬ولعلّ‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬تهدف‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬تنمية‭ ‬المهارات‭ ‬الفردية‭ ‬للمعلّم‭ ‬والمربّي‭ ‬حتى‭ ‬يتمكّن‭ ‬من‭ ‬تطوير‭ ‬كفاءته‭ ‬المهنية‭ ‬والبيداغوجية‭ ‬والتّفاعل‭ ‬مع‭ ‬محيطه‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والثقافي‭ ‬والاستفادة‭ ‬منه،‭ ‬ولكي‭ ‬تحقق‭ ‬المنظومة‭ ‬التربوية‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭ ‬للمربي‭ ‬لا‭ ‬بدّ‭ ‬أن‭ ‬تشهد‭ ‬تغييرا‭ ‬جذريا‭ ‬في‭ ‬أنماط‭ ‬اشتغالها‭ ‬وطرق‭ ‬تسييرها‭ ‬ومجالات‭ ‬ادارتها‭.‬

لا‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نتجاهل‭ ‬أهمية‭ ‬الأدوار‭ ‬التواصلية‭ ‬والرّمزية‭ ‬التي‭ ‬يضطلع‭ ‬بها‭ ‬المربي‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭. ‬كما‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬الوظيفة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والوظيفة‭ ‬التربوية‭ ‬المسندة‭ ‬الى‭ ‬هذا‭ ‬المربي‭ ‬الرّمز‭ (‬معلما‭ ‬كان‭ ‬أو‭ ‬أستاذا‭) ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭. ‬وبمعنى‭ ‬آخر‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬المنظومة‭ ‬على‭ ‬تنمية‭ ‬معارف‭ ‬التلاميذ‭ ‬والارتقاء‭ ‬بقدراتهم‭ ‬العلمية‭ ‬والثقافية‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬المعلّم‭ ‬والأستاذ‭ ‬والمُربّي‭ ‬عُموما،‭ ‬إذا‭ ‬رمنا‭ ‬بطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬أن‭ ‬تُكمل‭ ‬المدرسة‭ ‬بكل‭ ‬مكوّناتها‭ ‬الأدوارَ‭ ‬المتقدّمة‭ ‬التي‭ ‬تضطلع‭ ‬بها‭ ‬الأسرة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭.‬

يتّفق‭ ‬المُهتمون‭ ‬بالشأن‭ ‬التربوي،‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬مسؤولياتهم‭ ‬ومواقعهم،‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬قرار‭ ‬ونقابات‭ ‬وجمعيات،‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬يشكو‭ ‬من‭ ‬صعوبات‭ ‬ويعتري‭ ‬بعض‭ ‬مفاصله‭ ‬الوهن؛‭ ‬ولعل‭ ‬تنامي‭ ‬ظاهرتي‭ ‬الانقطاع‭ ‬المدرسي‭ ‬والرسوب‭ ‬هما‭ ‬من‭ ‬الوضوح‭ ‬بما‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ممكنا‭ ‬تجاهله‭ ‬أو‭ ‬إنكاره،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ممكنا‭ ‬تبرير‭ ‬ما‭ ‬يعانيه‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬من‭ ‬مشاكل‭ ‬مادية‭ ‬وبشرية‭ ‬وعلائقية‭ ‬وتربوية‭ ‬تعوق‭ ‬كل‭ ‬محاولة‭ ‬لإصلاح‭ ‬وتأهيل‭ ‬منظومة‭ ‬التربية‭ ‬وهي‭ ‬قضايا‭ ‬جوهرية‭ ‬تعمل‭ ‬الوزارة‭-‬وفق‭ ‬السياسة‭ ‬المتبعة‭ ‬حاليا‭ -‬على‭ ‬جعلها‭ ‬ضمن‭ ‬أبرز‭ ‬أولوياتها‭ ‬ومشاريعها‭ ‬وبرامجها‭. ‬

إن‭ ‬المدرسة‭ ‬باعتبارها‭ ‬مؤسسة‭ ‬مجتمعية‭ ‬تطرح‭ ‬نفسها‭ ‬كمجال‭ ‬يقتضي‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬التوافق‭ ‬حوله‭ ‬نظرا‭ ‬الى‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬الأدوار‭ ‬التي‭ ‬تضطلع‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬المدرسة‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬تكوين‭ ‬التلميذ‭-‬المواطن‭ ‬وإعداد‭ ‬مرتكز‭ ‬ثقافي‭ ‬يحدّد‭ ‬المعلّمون‭ ‬والمربّون‭ ‬أولوياته‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬التجاذبات‭ ‬السياسية‭ ‬والحزبية‭ ‬وبغضّ‭ ‬النّظر‭ ‬عن‭ ‬الصراعات‭ ‬الأيدولوجية‭ ‬التي‭ ‬تكاد‭ ‬تعصف‭ ‬بالفضاء‭ ‬العام‭ ‬ذ‭ ‬اعلام‭ ‬ومنابر‭ ‬حوار‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬الموتورة‭-‬

تضطلع‭ ‬منظومة‭ ‬التربية‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ ‬بدور‭ ‬حاسم‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬هذه‭ ‬الدينامية‭ ‬الثقافية‭ ‬المنشودة،‭ ‬وعليها‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بدور‭ ‬الوسيط‭ ‬الضروري‭ ‬بين‭ ‬المدرّس‭-‬المربّي‭ ‬وبين‭ ‬مواضيع‭ ‬الثقافة‭ ‬والحياة‭ ‬المدرسية‭ ‬وعدم‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬المواد‭ ‬الدراسية‭ ‬والبرامج‭ ‬البيداغوجية‭ ‬التي‭ ‬تُقدّم‭ ‬داخل‭ ‬الفصل،‭ ‬كي‭ ‬يستطيع‭ ‬المُتعلم‭ ‬بناء‭ ‬هُويّة‭ ‬خاصّة‭ ‬تُمكّنه‭ ‬من‭ ‬الفهم‭ ‬والاستيعاب‭ ‬والاندماج‭ ‬والإنتاج‭.‬

بإمكان‭ ‬منظومة‭ ‬التربية،في‭ ‬تونس‭ ‬اليوم‭ -‬بما‭ ‬يتوفّر‭ ‬من‭ ‬إرادة‭ ‬وفاعلية‭ ‬لدى‭ ‬المسؤولين‭ ‬عليها‭ -‬أن‭ ‬تساهم‭ ‬بقوّة‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬هذا‭ ‬التحدي‭ ‬المتمثّل‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬معلّمين‭ ‬ومدرّسين‭ ‬ذوي‭ ‬كفاءات‭ ‬متجددة‭ ‬ومرجعيات‭ ‬ثقافية‭ ‬متكيّفة‭ ‬أكثر‭ ‬مع‭ ‬التحولات‭ ‬العلمية‭ ‬والثقافية‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬العولمة‭ ‬ومشاريعها‭ ‬التوسعية‭. ‬وتتلخّص‭ ‬القضايا‭ ‬المطروحة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬في‭ ‬البرامج‭ ‬والمعارف‭ ‬والعلوم‭ ‬الواجب‭ ‬تبليغها،‭ ‬والتّعلّمات‭ ‬والمناهج‭ ‬المناسبة‭ ‬لذلك،‭ ‬مع‭ ‬ضرورة‭ ‬الارتقاء‭ ‬بالتكوين‭ ‬الأساسي‭ ‬والمستمر،‭ ‬للمدرسين‭ ‬باعتبارهم‭ ‬فاعلين‭ ‬أساسيين‭.‬

  ‬يتعلّق‭ ‬الأمر،‭ ‬هنا،‭ ‬بخلق‭ ‬الشروط‭ ‬المادّية‭ ‬والمؤسساتية‭ ‬والبيداغوجية‭ ‬والبشرية‭ ‬لضمان‭ ‬الارتقاء‭ ‬الوظيفي‭ ‬للمعلمين‭ ‬والاساتذة،‭ ‬وجعله‭ ‬أكثر‭ ‬نجاعة‭ ‬ونجاحا‭ ‬مع‭ ‬وضع‭ ‬برامج‭ ‬دافعة‭ ‬للمدرسين‭ ‬للانخراط‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬الابتكار‭ ‬والتجديد‭ ‬والابداع‭. ‬

مما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬المدرسية‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬مساهمة‭ ‬المعلمين‭ ‬والاساتذة‭ ‬لتطويرها‭ ‬وتنشيطها‭ ‬قصد‭ ‬خلق‭ ‬مناخ‭ ‬مدرسي‭ ‬تواصلي‭ ‬ومنفتح،ان‭ ‬تنشيط‭ ‬الحياة‭ ‬المدرسية‭ ‬يقتضي‭ ‬التحلي‭ ‬بروح‭ ‬إيجابية‭ ‬والانفتاح‭ ‬وتحفيز‭ ‬المبادرة‭ ‬الفردية‭ ‬أو‭ ‬الجماعية‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬مناخ‭ ‬مدرسي‭ ‬إيجابي‭ ‬تقل‭ ‬فيه‭ ‬الضغوط‭ ‬وينعدم‭ ‬التوتر‭ ‬وتختفي‭ ‬النزاعات‭ ‬داخله‭.‬

وهكذا،‭ ‬يحيلنا‭ ‬المناخ‭ ‬المدرسي‭ ‬الايجابي‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬والحركية‭ ‬والتفاعل‭ ‬والإبداع‭ ‬والتنشيط‭ ‬والمساعدة‭ ‬والتعاون‭ ‬الجماعي‭. ‬بما‭ ‬يحوّل‭ ‬المدرسة‭ ‬إلى‭ ‬مؤسسة‭ ‬للمواطنة‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والحداثة‭. ‬

إن‭ ‬المدرسة‭ ‬تكوّن‭ ‬التلميذ‭ ‬المواطن‭ ‬وتنشئه‭ ‬وتدربه‭ ‬بفضل‭ ‬اجتهاد‭ ‬المدرسين‭ ‬وتفانيهم‭ ‬وتضحياتهم‭. ‬وتهدف‭ ‬الجهود‭ ‬المبذولة‭ ‬في‭ ‬تونس‭ ‬اليوم‭-‬جهود‭ ‬الوزارة‭ ‬بكل‭ ‬مكوناتها‭ ‬والفاعلين‭ ‬فيها‭ -‬الى‭ ‬تغيير‭ ‬الفضاءات‭ ‬المدرسية‭ ‬المنغلقة‭ ‬التي‭ ‬توحي‭ ‬بالروتين‭ ‬والعنف‭ ‬والسكونية‭ ‬بفضاءات‭ ‬مدرسية‭ ‬منفتحة‭ ‬قوامها‭ ‬الحياة‭ ‬والإبداع‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬فعاليات‭ ‬الثقافة‭ ‬والفنون‭ ‬التّشكيلية‭ ‬والمسرح‭ ‬والسينما‭ ‬وغيرها‭ .‬وتُعتبر‭ ‬مساهمة‭ ‬المدرسين‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الأنشطة‭ ‬الثقافية‭ ‬والابداعية‭ ‬أساسية‭-‬من‭ ‬منطلق‭ ‬ما‭ ‬اكتسبوه‭ ‬من‭ ‬خبرات‭ ‬ومعارف‭ ‬ومواهب‭ -‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الأدوار‭ ‬التي‭ ‬يضطلعون‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬أعمق‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬تلقين‭ ‬التلاميذ‭ ‬وجرّهم‭ ‬الى‭ ‬الحفظ‭ ‬والتكرار‭ ‬والتعلم‭ ‬الروتيني‭ ‬الممل‭ ‬انها‭ ‬تتعدى‭ ‬ذلك‭ ‬لتلامس‭ ‬ابعادا‭ ‬اعمق‭ ‬واشمل‭ ‬واكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬أساسها‭ ‬التنشئة‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والتربية‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬والمواطنة‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

مشاركتها‭ ‬ضرورية‭:‬ الأسرة‭ ‬وتأثير‭ ‬الممارسات‭ ‬التعليمية‭ ‬في‭ ‬نجاح‭ ‬الأبناء‭ ‬أو‭ ‬فشلهم

خضعت المدرسة للعديد من التغييرات، ويبدو اليوم أنها أساسية في حياة المجتمع فهي تسمح بدمج ال…