2023-10-06

كفاءاتنا المُهمّشة : تتلاقفها الدّول .. وتُحظى بالتّبجيل ؟

من‭ ‬المنتظر‭ ‬أن‭ ‬يتوج‭  ‬العلماء‭ ‬منجي‭ ‬الباوندي‭ ‬ذي‭ ‬الأصول‭ ‬التونسية‭  ‬ولويس‭ ‬بروس‭ ‬وأليكسي‭ ‬إيكيموف‭ ‬بمنحهم‭  ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬في‭ ‬الكيمياء‭ ‬لعام‭ ‬2023‭ ‬وذلك‭ ‬خلال‭ ‬حفل‭ ‬سيقام‭ ‬في‭ ‬ستوكهولم‭ ‬في‭ ‬10‭ ‬ديسمبر‭ ‬المقبل‭ ‬الموافق‭ ‬لذكرى‭ ‬وفاة‭ ‬العالم‭ ‬ألفريد‭ ‬نوبل‭ ‬الذي‭ ‬أنشأ‭ ‬الجوائز‭ ‬في‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭  ‬اكتشافهم‭ ‬ا‭ ‬النقاط‭ ‬الكمومية‭ ‬وكيفية‭ ‬تركيبهاب‭ ‬وهي‭ ‬النقاط‭  ‬التي‭ ‬تضيء‭ ‬شاشات‭ ‬الحاسب‭ ‬الآلي‭ ‬والتلفزيون‭ ‬ويستخدمها‭ ‬الأطباء‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬خرائط‭ ‬الأورام‭.‬

المثلج‭ ‬لصدور‭ ‬كل‭ ‬التونسيين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التتويج‭ ‬هو‭ ‬اسم‭ ‬العالم‭ ‬منجي‭ ‬الباوندي‭ ‬تونسي‭ ‬الأصل‭ ‬الذي‭ ‬استطاع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حصوله‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬تتويج‭ ‬علمي‭ ‬وعالمي‭ ‬الا‭ ‬وهو‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬أن‭ ‬يزرع‭ ‬البسمة‭ ‬والفرحة‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المواطن‭ ‬التونسي‭ ‬الذي‭ ‬اثخنته‭ ‬الحياة‭ ‬بمتاعبها‭ ‬فاصبح‭ ‬يتحسس‭ ‬طريقا‭ ‬للفرحة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬فج‭ ‬يضيء‭ ‬له‭ ‬النور‭ ‬فخبر‭ ‬التتويج‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬مجرد‭  ‬فرحة‭ ‬عابرة‭  ‬وانّما‭ ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬رد‭ ‬اعتبار‭ ‬لتونس‭ ‬موطن‭ ‬الكفاءات‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينضب‭ ‬ابدا‭.‬

خبر‭ ‬التتويج‭  ‬ومثلما‭ ‬تناقلته‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأجنبية‭ ‬كان‭ ‬مشرّفا‭ ‬بالنسبة‭ ‬للباحث‭ ‬والعالم‭ ‬تونسي‭ ‬الأصل‭ ‬منجي‭ ‬الباوندي‭ ‬كذلك‭ ‬كان‭ ‬أيضا‭ ‬مشرّفا‭ ‬ومبهرا‭ ‬للشعب‭ ‬تونسي‭ ‬الذي‭ ‬تناقل‭ ‬الخبر‭ ‬عبر‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بفرح‭ ‬الذي‭ ‬فقد‭ ‬كنزا‭ ‬يمتلكه‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬وعثر‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬جديد‭. ‬فكلمة‭ ‬العالم‭ ‬ذي‭ ‬الأصول‭ ‬التونسية‭ ‬كانت‭ ‬لوحدها‭ ‬كفيلة‭ ‬بأن‭  ‬تعيد‭ ‬لملمة‭ ‬جراح‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الذي‭ ‬خسر‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬كفاءاته‭ ‬العلمية‭ ‬والكوادر‭ ‬الطبية‭ ‬والهندسية‭ ‬والباحثين‭ ‬والخبراء‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬والذين‭ ‬هاجروا‭ ‬إلى‭ ‬شتى‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬لاذت‭  ‬بهم‭  ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬كصفائح‭ ‬من‭ ‬ذهب‭ ‬لتستفيد‭ ‬من‭ ‬خبراتهم‭ ‬وعلمهم‭ ‬وذكائهم‭ ‬وعبقريتهم‭  ‬بينما‭ ‬ظل‭  ‬وطنهم‭ ‬الأم‭ ‬يتحسر‭  ‬لفقدان‭ ‬أجيال‭ ‬وأجيال‭ ‬من‭ ‬أبنائه‭ ‬في‭ ‬المهجر‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينال‭ ‬شرف‭ ‬هذا‭ ‬البذل‭ ‬والعطاء‭ ‬الذي‭ ‬باتت‭ ‬تواجهه‭ ‬الدول‭ ‬المستفيدة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الكفاءات‭ ‬بنكران‭ ‬للجميل‭ ‬والأمثلة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النكران‭ ‬عديدة‭ ‬ويكفي‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬نذكر‭ ‬ملف‭ ‬الهجرة‭ ‬الحارق‭ ‬الذي‭ ‬مايزال‭ ‬يشتعل‭ ‬حوله‭ ‬الجدل‭. ‬والباوندي‭ ‬هوكيميائي‭ ‬أمريكي‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬تونسية،‭ ‬ولد‭ ‬عام‭ ‬1961‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬الفرنسية‭ ‬باريس،‭ ‬وقضى‭ ‬طفولته‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬وتونس‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يقرر‭ ‬والده‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬والده‭ ‬محمد‭ ‬صالح‭ ‬باوندي‭ ‬وهو‭ ‬أستاذ‭ ‬رياضيات‭ ‬في‭ ‬تونس‭.‬وفي‭ ‬1968،‭ ‬أصبح‭ ‬والده‭ ‬أستاذاً‭ ‬مشاركاً‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬تونس،‭ ‬ثم‭ ‬رحل‭ ‬في‭ ‬1970‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬حيث‭ ‬عمل‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬انيس‭ ‬صوفيا‭ ‬أنتيبوليسب،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يغادر‭ ‬سنة‭ ‬1971‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وحصل‭ ‬الباوندي‭  ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬الماجستير‭ ‬في‭ ‬الكيمياء‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬هارفارد‭ ‬والدكتوراه‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬شيكاغو‭. ‬

‭ ‬عانت‭ ‬بلادنا‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬تزايد‭ ‬هجرة‭ ‬الأدمغة‭ ‬نظرا‭ ‬لما‭ ‬يمثله‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬هدر‭ ‬للثروة‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬الاختصاصات‭ ‬المطلوبة‭ ‬على‭ ‬غرارالمهندسين‭ ‬وأطباء‭ ‬الاختصاص‭ ‬والأساتذة‭ ‬الجامعيين،‭ ‬وهوما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يعرّض‭ ‬البلاد‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬المقبلة‭ ‬بحسب‭ ‬الخبراء‭ ‬لمواجهة‭ ‬نقص‭ ‬فادح‭ ‬كالذي‭ ‬نعيشه‭ ‬اليوم‭  ‬في‭ ‬بعض‭ ‬التخصصات‭ ‬ويؤكد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬الخبير‭ ‬الاقتصادي‭ ‬خالد‭ ‬النوري‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬له‭ ‬للوضع‭  ‬بأن‭ ‬تونس‭ ‬شهدت‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬طفرات‭ ‬هجرة،‭ ‬كان‭ ‬هدفها‭ ‬الأساسي‭ ‬تحسين‭ ‬الارتقاء‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للمهاجرين‭ ‬وأسرهم،بينما‭ ‬برزت‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬أسباب‭ ‬جديدة‭ ‬للهجرة‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬عدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التعايش‭ ‬مع‭ ‬الأزمات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬وانعدام‭ ‬الأفق‭ ‬الذي‭ ‬تتخبط‭ ‬فيه‭ ‬البلاد‭. ‬مع‭ ‬الإشارة‭ ‬الى‭ ‬وان‭  ‬البلدان‭ ‬الأوروبية‭ ‬ولاسيما‭ ‬فرنسا‭ ‬وألمانيا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬تستأثر‭ ‬بأكبر‭ ‬نسبة‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬التونسيين‭.‬

‭ ‬وبحسب‭ ‬الأرقام‭  ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬نشرتها‭ ‬وكالة‭ ‬التعاون‭ ‬الفني‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬الكفاءات‭ ‬التونسية‭ ‬المنتدبة‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬سنة‭ ‬2022‭ ‬نحو3500‭ ‬منتدب‭ ‬أي‭ ‬بزيادة‭ ‬نسبتها‭ ‬41‭ ‬بالمائة‭ ‬مقارنة‭ ‬بسنة‭ ‬2021‭.‬وتصدر‭ ‬قطاع‭ ‬الصحة‭ ‬قائمة‭ ‬الانتدابات‭ ‬بـ‭ ‬1250‭ ‬إطار‭ ‬طبي‭ ‬وشبه‭ ‬طبي‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬36‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬الانتدابات‭ ‬يليه‭ ‬قطاع‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬بـ‭ ‬862‭ ‬منتدب‭ ‬ثم‭ ‬قطاع‭ ‬الهندسة‭ ‬بـ‭ ‬562‭ ‬منتدب‭ ‬و280‭ ‬منتدب‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الإعلامية‭ ‬كما‭ ‬ساهمت‭ ‬مكاتب‭ ‬التشغيل‭ ‬المرخص‭ ‬لها‭ ‬بالخارج‭  ‬في‭ ‬توظيف‭ ‬نحو3950‭ ‬شخص‭ ‬بالخارج‭. ‬لذلك‭ ‬دعا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الخبراء‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬الإسراع‭ ‬بإصلاح‭ ‬منظومة‭ ‬التعليم‭ ‬والتكوين‭ ‬بشكل‭ ‬دوري‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ملاءمة‭ ‬التكوين‭ ‬مع‭ ‬متطلبات‭ ‬سوق‭ ‬الشغل‭ ‬خاصة‭ ‬وان‭ ‬العديد‭  ‬من‭ ‬المهن‭ ‬أصبحت‭ ‬مهددة‭ ‬بالاندثار‭ ‬مقابل‭ ‬صعود‭ ‬مهن‭ ‬جديدة‭ ‬تتطلب‭ ‬وضع‭ ‬استراتيجية‭ ‬وطنية‭ ‬شاملة‭ ‬لاغتنام‭ ‬الفرص‭ ‬الجديدة‭.‬

وحسب‭  ‬الأرقام‭ ‬الصادرة‭ ‬عن‭ ‬المرصد‭ ‬الوطني‭ ‬للهجرة‭ (‬حكومي‭)‬،‭ ‬ارتفع‭ ‬عدد‭ ‬التونسيين‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬إلى‭ ‬1.5‭ ‬مليون‭ ‬تونسي،‭ ‬حيث‭ ‬يغادر‭ ‬سنويا‭ ‬نحو‭ ‬36‭ ‬ألف‭ ‬تونسي‭ ‬لعدة‭ ‬اعتبارات‭ ‬أهمها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭.‬

ويفيد‭ ‬المرصد‭ ‬في‭ ‬أحدث‭ ‬دراساته‭ ‬الصادرة‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬بارتفاع‭ ‬هجرة‭ ‬الأدمغة‭ ‬في‭ ‬اختصاصات‭ ‬الهندسة‭ ‬الرقمية‭ ‬والطب،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عديد‭ ‬العوامل‭ ‬التي‭ ‬تدفع‭ ‬هذه‭ ‬الفئات‭ ‬إلى‭ ‬مغادرة‭ ‬البلاد‭ ‬أبرزها‭ ‬اقتصادي‭ ‬أو‭ ‬اجتماعي،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬نقص‭ ‬مجالات‭ ‬التدريب‭ ‬والبحوث‭ ‬والظروف‭ ‬المعيشية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬لا‭ ‬تتلاءم‭ ‬مع‭ ‬طموحاتهم‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

ترسانة من القوانين والتشريعات : هل اكتملت حقوق الطفل ..؟

تكاد  العديد من الدراسات الرسمية وغير الرسمية الكمية منها والنوعية في تونس كما في غيرها من…