كفاءاتنا المُهمّشة : تتلاقفها الدّول .. وتُحظى بالتّبجيل ؟
من المنتظر أن يتوج العلماء منجي الباوندي ذي الأصول التونسية ولويس بروس وأليكسي إيكيموف بمنحهم جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2023 وذلك خلال حفل سيقام في ستوكهولم في 10 ديسمبر المقبل الموافق لذكرى وفاة العالم ألفريد نوبل الذي أنشأ الجوائز في أواخر القرن التاسع عشر وذلك بعد اكتشافهم ا النقاط الكمومية وكيفية تركيبهاب وهي النقاط التي تضيء شاشات الحاسب الآلي والتلفزيون ويستخدمها الأطباء في رسم خرائط الأورام.
المثلج لصدور كل التونسيين في هذا التتويج هو اسم العالم منجي الباوندي تونسي الأصل الذي استطاع من خلال حصوله على أكبر تتويج علمي وعالمي الا وهو جائزة نوبل أن يزرع البسمة والفرحة في نفس المواطن التونسي الذي اثخنته الحياة بمتاعبها فاصبح يتحسس طريقا للفرحة من كل فج يضيء له النور فخبر التتويج ليس فقط مجرد فرحة عابرة وانّما هو أيضا رد اعتبار لتونس موطن الكفاءات الذي لا ينضب ابدا.
خبر التتويج ومثلما تناقلته وسائل الإعلام الأجنبية كان مشرّفا بالنسبة للباحث والعالم تونسي الأصل منجي الباوندي كذلك كان أيضا مشرّفا ومبهرا للشعب تونسي الذي تناقل الخبر عبر منصات التواصل الاجتماعي بفرح الذي فقد كنزا يمتلكه ثم عاد وعثر عليه من جديد. فكلمة العالم ذي الأصول التونسية كانت لوحدها كفيلة بأن تعيد لملمة جراح هذا البلد الذي خسر عشرات الآلاف من كفاءاته العلمية والكوادر الطبية والهندسية والباحثين والخبراء في مختلف المجالات والذين هاجروا إلى شتى أرجاء العالم بعد ان لاذت بهم الدول الأخرى كصفائح من ذهب لتستفيد من خبراتهم وعلمهم وذكائهم وعبقريتهم بينما ظل وطنهم الأم يتحسر لفقدان أجيال وأجيال من أبنائه في المهجر دون أن ينال شرف هذا البذل والعطاء الذي باتت تواجهه الدول المستفيدة من هذه الكفاءات بنكران للجميل والأمثلة على هذا النكران عديدة ويكفي فقط أن نذكر ملف الهجرة الحارق الذي مايزال يشتعل حوله الجدل. والباوندي هوكيميائي أمريكي من أصول تونسية، ولد عام 1961 في العاصمة الفرنسية باريس، وقضى طفولته في فرنسا وتونس قبل أن يقرر والده الهجرة إلى الولايات المتحدة. والده محمد صالح باوندي وهو أستاذ رياضيات في تونس.وفي 1968، أصبح والده أستاذاً مشاركاً في جامعة تونس، ثم رحل في 1970 إلى فرنسا حيث عمل فترة قصيرة في جامعة انيس صوفيا أنتيبوليسب، قبل أن يغادر سنة 1971 إلى الولايات المتحدة، وحصل الباوندي على شهادة الماجستير في الكيمياء من جامعة هارفارد والدكتوراه من جامعة شيكاغو.
عانت بلادنا منذ عقود طويلة من تزايد هجرة الأدمغة نظرا لما يمثله ذلك من هدر للثروة البشرية في العديد الاختصاصات المطلوبة على غرارالمهندسين وأطباء الاختصاص والأساتذة الجامعيين، وهوما من شأنه أن يعرّض البلاد خلال السنوات المقبلة بحسب الخبراء لمواجهة نقص فادح كالذي نعيشه اليوم في بعض التخصصات ويؤكد في هذا الصدد الخبير الاقتصادي خالد النوري في قراءة له للوضع بأن تونس شهدت على امتداد العقود الماضية طفرات هجرة، كان هدفها الأساسي تحسين الارتقاء الاجتماعي للمهاجرين وأسرهم،بينما برزت خلال السنوات الأخيرة أسباب جديدة للهجرة من بينها عدم القدرة على التعايش مع الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وانعدام الأفق الذي تتخبط فيه البلاد. مع الإشارة الى وان البلدان الأوروبية ولاسيما فرنسا وألمانيا وإيطاليا تستأثر بأكبر نسبة من المهاجرين التونسيين.
وبحسب الأرقام الأخيرة التي نشرتها وكالة التعاون الفني بلغ عدد الكفاءات التونسية المنتدبة في الخارج على امتداد سنة 2022 نحو3500 منتدب أي بزيادة نسبتها 41 بالمائة مقارنة بسنة 2021.وتصدر قطاع الصحة قائمة الانتدابات بـ 1250 إطار طبي وشبه طبي أي ما يعادل 36 بالمائة من مجموع الانتدابات يليه قطاع التربية والتعليم بـ 862 منتدب ثم قطاع الهندسة بـ 562 منتدب و280 منتدب في مجال الإعلامية كما ساهمت مكاتب التشغيل المرخص لها بالخارج في توظيف نحو3950 شخص بالخارج. لذلك دعا العديد من الخبراء إلى ضرورة الإسراع بإصلاح منظومة التعليم والتكوين بشكل دوري من أجل ملاءمة التكوين مع متطلبات سوق الشغل خاصة وان العديد من المهن أصبحت مهددة بالاندثار مقابل صعود مهن جديدة تتطلب وضع استراتيجية وطنية شاملة لاغتنام الفرص الجديدة.
وحسب الأرقام الصادرة عن المرصد الوطني للهجرة (حكومي)، ارتفع عدد التونسيين في الخارج إلى 1.5 مليون تونسي، حيث يغادر سنويا نحو 36 ألف تونسي لعدة اعتبارات أهمها الاقتصادية والاجتماعية.
ويفيد المرصد في أحدث دراساته الصادرة عام 2021 بارتفاع هجرة الأدمغة في اختصاصات الهندسة الرقمية والطب، مشيرا إلى أن عديد العوامل التي تدفع هذه الفئات إلى مغادرة البلاد أبرزها اقتصادي أو اجتماعي، بالإضافة إلى نقص مجالات التدريب والبحوث والظروف المعيشية التي أصبحت لا تتلاءم مع طموحاتهم.
ترسانة من القوانين والتشريعات : هل اكتملت حقوق الطفل ..؟
تكاد العديد من الدراسات الرسمية وغير الرسمية الكمية منها والنوعية في تونس كما في غيرها من…