لعلّنا لا نختلف في أن مؤتمر نقابة الصحافيين ينعقد هذه المرة في سياق عام شديد الخصوصية إذ تعيش تونس مخاضا سياسيا كبيرا انقسمت فيه الطبقة السياسية على نفسها وتوزعت ما بين موالاة ومعارضة مع اختلافات عميقة تشق النخب التونسية بشأن الخيارات الكبرى. والأكيد أن ملامح مستقبل تونس تصنع الآن.وبالتأكيد للإعلام دور مركزي في نحت هذا المستقبل بشكل من الأشكال.
كما أن انعقاد المؤتمر يأتي أيضا في ظل وضعية ليست الأفضل على الإطلاق للقطاع الإعلامي. ولعلّنا لا نجانب الصواب إذا قلنا إن إعلامنا تصدق عليه صفة االمعتلب وعلله متعددة وشائكة ويتم التداول بشأنها في الفضاء وبين أبناء المهنة ذاتها.
ولا أحد يستطيع أن ينكر أن هذا المؤتمر ينعقد في ظرف دقيق بالنسبة إلى الصحفيين الذين تشقهم انقسامات عديدة واختلافات عميقة بشأن التوجهات الكبرى للنقابة وطريقة التعاطي مع مجمل القضايا المطروحة راهنا.
ولعلّنا لا نجانب الصواب إذا قلنا إن السمة العامة للقطاع اليوم هي الهشاشة بكل معانيها ودلالاتها.
وهذا ما يطرح تساؤلات مركزية عن المقترحات التي سيقدمها المترشحون بغض الطرف عن هوياتهم الفكرية والسياسية لعموم الصحفيين وعن التحديات المطروحة اليوم وربما أكثر من أي وقت مضى على المهنة الصحفية في حد ذاتها.
وتطال التساؤلات أيضا هامش التحرك والرهانات الكبرى بالنسبة إلى الصحفيين وإمكانات تغيير الأوضاع القائمة.
هنا علينا الإقرار وبمنتهى الصراحة أن هناك تدنّيا واضحا لظروف العمل بالنسبة إلى قطاع كبير من الصحفيين الذين يعانون من الهشاشة اجتماعيا واقتصاديا ولا تتوفر لديهم إمكانيات وظروف للقيام بأدوارهم على الوجه الأكمل وهذا بالتأكيد يؤثر سلبا على المنتوج الصحفي وعلى الصحافة كمهنة أو كحرفة وصناعة لابد أن تتوفر فيها مواصفات الجودة أو بعبارة أخرى المهنية أو الحرفية. وليس هذا فحسب فوضعية الصحفي تؤثر أيضا على استقلاليته ماديا وبالتالي يسهل التأثير عليه واستقطابه من مراكز النفوذ المالي والسياسي وهذا تهديد لحرية التعبير بكل أبعادها.
فالبحث عن الحقيقة الذي يفترض انه دور الصحفي ومهمته النبيلة لا يمكن أداؤه في ظل هشاشة اجتماعية ومادية وتبعية مقيتة لرأس المال وغياب العديد من التشريعات المؤطرة للمهنة.
وفي ظل تدهور الأوضاع المهنية تصعب استقلالية الصحفي خاصة في ظل توترات سياسية واجتماعية لا يمكن التغافل عنها تم فيها مع الأسف توظيف الإعلام في المعارك الدائرة كسلاح بهدف تصفية الحسابات أو توجيه الرأي العام.
هنا لا نستطيع ان نتجاهل أيضا التهديدات التي يواجهها الصحفيون في الميدان واالأسلحةب التي توجه إليهم من كل صوب وحدب ولا نستطيع أن ننكر أيضا أن هامش حرية التعبير يظل دائما أوهن من بيت العنكبوت وينبغي حسن استغلاله والاستفادة منه وعدم التفريط فيه.
إذن وبعيدا عن القوائم وأسماء المترشحين للمكتب الجديد وبغض الطرف عما يقال في الكواليس فإن الرهانات المطروحة على من سيفوز بثقة عموم الصحفيين كبيرة جدا و أولها استعادة المهنة لبريقها الذي فقدته جراء استباحة هذا القطاع من كل من هبّ ودبّ وتعرضه لسهام النقد من الجميع. ورغم إدراكنا أننا نعمل في مهنة يصعب فيها إرضاء الجميع إلا ان العمل على نفض الغبار عن القيم التي تأسست عليها الصحافة أولى التحديات و أوكدها وتجسير الفجوة مع عموم التونسيين الذين فقدوا الثقة في الإعلام ونفروا منه مهمة أكثر من ضرورية.
ومن الرهانات أيضا مقاومة الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية للصحفيين واعتبار هذه المعركة أول المعارك ومنطلقها. فحماية الصحفيين وتوفير سبل الكرامة لهم مطلب أساسي لا تضاهيه سوى حرية التعبير والمحافظة عليها من كل تهديد ممكن.
كما ان ترتيب بيتنا الداخلي أمر في غاية الأهمية أيضا فنحن إزاء وضعيات كثيرة شائكة وعلى هياكل المهنة وفي مقدمتها نقابة الصحفيين ان تنهض بدورها لإنقاذ صاحبة الجلالة.
النخب التونسية والرهانات الخاطئة..!
يقول المثل العربي القديم إن «أعمال العقلاء مصانة من العبث» وهذه الحكمة البليغة مهمة جدا لن…