لابد من تغيير الصورة النمطية عن الوجهة السياحية التونسية والقطع مع الفلكلور الذي يرافق زيارة السياح إلى بلادنا والذي يستبطن مظاهر تمس من كرامة التونسيين مع التوجه نحو مراجعات عميقة للاستراتيجيات التي تأسس عليها هذا القطاع منذ ستينات القرن الماضي عبر التأكيد على نمط السياحة الشاطئية.
لعلها أبرز العناوين التي تطرق إليها رئيس الجمهورية قيس سعيد في لقائه بوزير السياحة السيد محمد معز بلحسين.
وقد استهل رئيس الجمهورية كلمته بالتشديد على الأهمية القصوى للقطاع السياحي ودوره الحيوي في الاقتصاد الوطني وهو الذي يأتي في المرتبة الثانية من حيث المداخيل التي يدرّها على الدولة بعد التحويلات المالية لجاليتنا بالخارج. والجدير بالذكر أن الرهان على السياحة كان منذ السنوات الستين ولعل الوقت حان الآن لمراجعة بعض الاختيارات في هذا المجال.
وهنا سيكون من المفيد التذكير بأن السياحة التونسية ظلت تعمل بقاعدة ا محلك سرب. فقد حافظت على الرؤى نفسها التي تأسست عليها منذ ما يربو عن ستين عاما عبر التسويق لصورة الوجهة الشاطئية بامتياز حيث البحر والشمس والإقامة الكاملة في نزل يتمتع فيه النزيل بكافة الخدمات وبأسعار تفاضلية لم تتغير منذ عقود. هنا نحن أمام ا سياحة الأعداد الكبيرةب إذ نتباهى دوما بعدد السياح وبالليالي التي يقضّونها في النزل دون أن نشير إلى المداخيل التي يوفرونها و العوائد التي تساهم بها في ميزانية الدولة. والتي في الحقيقة لا توازي كلفتها بأي حال من الأحوال. بل إن منافعها تعود تقريبا حصريا على مالكي الفنادق ووكالات الأسفار وغالبا ما تدفع معاليم السفر في البلدان التي يأتي منها السياح ولا تدخل في الدورة الاقتصادية في تونس.
ويمكن أن نقارن وضعيتنا ببعض البلدان السياحية المتوسطية سواء الشقيقة أو الصديقة التي أقامت سياساتها في مجال السياحة على التنوع والتعدد دون أن تغفل عن باقي القطاعات الحيوية على غرار الفلاحة والصناعة.
وقد عاد رئيس الجمهورية قيس سعيّد في لقائه بوزير السياحة على الصورة النمطية أو ما يعرف بـاالستيريو تيبب الذي يتم من خلاله الترويج للوجهة السياحية التونسية والذي لم يتغير ولم يتجدد منذ عقود فمشهد الطبل و المزمار والرقصات الفلكلورية التي يستقبل بها السياح وتقديم المشموم لهم والاحتفاء بهم بشكل مبالغ فيه اعتبرها رئيس الجمهورية مسيئة أحيانا.
والحقيقة أن هذه الصورة لم تعد موجودة في العالم سوى في بعض المستعمرات الفرنسية القديمة حيث مازالت بعض الشعوب تستقبل السياح بشكل فلكلوري عبر ارتداء اللباس التقليدي والرقصات والأهازيج التراثية. لكن هذه المظاهر لا نعثر عليها في العواصم السياحية الكبرى وفي مقدمتها باريس ولندن وروما وأثينا وغيرها. حيث الاستراتيجيات التسويقية أكثر إبداعا وذكاء.
وعلى هذا الأساس لابد من تطوير مفهوم السياحة نحو رؤية أشمل وأعمق بالاعتماد على معالمنا الحضارية وإرثنا التاريخي وتوظيف ذلك لخدمة السياحة الثقافية ثم الرّهان على السياحة الاستشفائية خاصة وان بلادنا تضم كفاءات طبية نوعية ومافتئت تحقق منجزات مرجعية في المجال الطبي ويمكن استثمار هذا في المجال السياحي أيضا. بالإضافة إلى سياحة المؤتمرات، وكلها أنماط يمكن أن تستفيد منها بلادنا.
ويمكن في هذا الصدد الاستفادة من التجارب المقارنة خاصة بالنسبة إلى البلدان الشبيهة بنا والتي طورت تجربتها في المجال السياحي وأصبحت وجهات مفضّلة لدى الكثيرين ولنا في النموذج التركي خير مثال فقد تم توظيف القوة الناعمة وتحديدا الدراما التلفزية للتعريف بمعالم البلد وتاريخها وحضارتها وحققت هذه الإستراتيجية نتائج باهرة من حيث عدد الزوار الوافدين كمّا ونوعا.
وعلى هذا الأساس فإن تطوير السياحة اليوم أصبح أمرا حتميا مع العمل على اعتبارها عمادا من أعمدة الاقتصاد الوطني إلى جانب الفلاحة والصناعة ولا يجب التضحية بأي منهما لحساب الآخر كما حدث سابقا.
حرب الإشاعات ومخاطرها على الدولة والمجتمع : الاحتياط واجب.. واليقظة حتمية
بلادنا تحاول لملمة ما تشتت وترميم ما تم تخريبه وإصلاح ما وقع افساده في سياق إقليمي وعالمي…