2023-08-28

حتى‭ ‬لا‭ ‬يبقى “مسرح‭ ‬الدولة”‭ ‬فارغا: إلى‭ ‬متى‭ ‬يتواصل‭ ‬الشغور‭ ‬في‭ ‬المناصب‭ ‬العليا‭ ‬؟

هذا‭ ‬السؤال‭ ‬الحارق‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ ‬اليوم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى‭ ‬ويطرحه‭ ‬الجميع‭ ‬دون‭ ‬استثناء‭ ‬سواء‭ ‬تعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بعموم‭ ‬التونسيين‭ ‬أو‭ ‬بالطبقة‭ ‬السياسة‭ ‬موالاة‭ ‬ومعارضة‭.‬

ويتخذ‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬مشروعية‭ ‬طرحه‭ ‬من‭ ‬حتمية‭ ‬استرجاع‭ ‬الدولة‭ ‬لهيبتها‭ ‬كاملة‭ ‬ودورها‭ ‬وذلك‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتوفر‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬شغورات‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الوزارات‭ ‬أو‭ ‬الولايات‭ ‬أو‭ ‬التمثيليات‭ ‬الدبلوماسية‭. ‬

هنا‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬فرضيات‭ ‬عديدة‭ ‬يقدمها‭ ‬المحللون‭ ‬والمتابعون‭ ‬للشأن‭ ‬السياسي‭ ‬كل‭ ‬حسب‭ ‬تموقعه‭ ‬ولذلك‭ ‬تبدو‭ ‬أحيانا‭ ‬متضاربة‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬ثمة‭ ‬مقاربات‭ ‬عديدة‭ ‬أيضا‭ ‬بشأن‭ ‬ملء‭ ‬هذا‭ ‬الشغور‭ ‬وتكليف‭ ‬مسؤولين‭ ‬جدد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المناصب‭ ‬فهناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الحتمي‭ ‬اعتماد‭ ‬الكفاءة‭ ‬كمعيار‭ ‬أساسي‭ ‬ووحيد‭ ‬لتبوّء‭ ‬المناصب‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ضمان‭ ‬النجاعة‭ ‬و‭ ‬الفاعلية‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬سياسي‭ ‬واجتماعي‭ ‬دقيق‭. ‬

وهناك‭ ‬من‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تكليف‭ ‬أصحاب‭ ‬الولاء‭ ‬لأنهم‭ ‬الأجدر‭ ‬بالثقة‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬خبرتهم‭ ‬أو‭ ‬كفاءتهم‭ ‬أقل‭ ‬لضمان‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬تلاعب‭ ‬أو‭ ‬استغلال‭ ‬نفوذ‭.‬

وثمة‭ ‬مقاربة‭ ‬أخرى‭ ‬ترى‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬أن‭ ‬يجمع‭ ‬المسؤول‭ ‬بين‭ ‬الكفاءة‭ ‬وبين‭ ‬الولاء‭ ‬وينبغي‭ ‬البحث‭ ‬بل‭ ‬التنقيب‭ ‬عمن‭ ‬تتوفر‭ ‬فيه‭ ‬الصفات‭ ‬لضمان‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬المسار‭ ‬بأكمله‭ ‬وعلى‭ ‬كافة‭ ‬المناحي‭. ‬

ومادمنا‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬التساؤل‭ ‬عن‭ ‬تواصل‭ ‬الشغورات‭ ‬في‭ ‬مناصب‭ ‬ذات‭ ‬صلة‭ ‬بحياة‭ ‬المواطنين‭ ‬وتؤثر‭ ‬في‭ ‬معيشهم‭ ‬اليومي‭ ‬ثمة‭ ‬فرضيات‭ ‬يتقدم‭ ‬بها‭ ‬البعض‭ ‬لتفسير‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬برمته‭. 

الفرضية‭ ‬الأولى‭ ‬تقدم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المساندين‭ ‬لرئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬والذين‭ ‬يعتبرون‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬الشغورات‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬دليل‭ ‬تريث‭ ‬ودقة‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الشخصية‭ ‬المناسبة‭ ‬للمنصب‭ ‬المناسب‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬الخذلان‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬النجاعة‭ ‬والوقوع‭ ‬في‭ ‬أخطاء‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬خطيرة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الظرفية‭ ‬الدقيقة‭ ‬جدا‭. ‬

وهناك‭ ‬من‭ ‬يعتقد‭ ‬بأن‭ ‬الفرضية‭ ‬الأقرب‭ ‬للواقع‭ ‬هي‭ ‬عدم‭ ‬الثقة‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بـ‭ ‬افرزب‭ ‬دقيق‭ ‬للظفر‭ ‬بالشخصية‭ ‬المناسبة‭ ‬وعدم‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬التعيينات‭ ‬بشكل‭ ‬عشوائي‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬طوال‭ ‬العشرية‭ ‬الماضية‭ ‬مع‭ ‬اعتماد‭ ‬المحاصصات‭ ‬ومنطق‭ ‬الغنائم‭. ‬

ويمضي‭ ‬بعض‭ ‬خصوم‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬قيس‭ ‬سعيد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬بأنه‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬الكفاءة‭ ‬والخبرة‭ ‬التي‭ ‬يبحث‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬المساندين‭ ‬له‭. ‬بل‭ ‬يمضي‭ ‬بعضهم‭ ‬بعيدا‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬بأن‭ ‬الضرورة‭ ‬تقتضي‭ ‬العودة‭ ‬الى‭ ‬الكفاءات‭ ‬حتى‭ ‬وان‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬المحسوبة‭ ‬على‭ ‬جماعة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الثورة‭ ‬وهذا‭ ‬مجال‭ ‬نقاش‭ ‬واختلاف‭ ‬كبيرين‭ ‬بين‭ ‬معارض‭ ‬ومؤيد‭.‬

ولكن‭ ‬ما‭ ‬يعنينا‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬بلادنا‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تستطيع‭ ‬الانتظار‭ ‬لأن‭ ‬الاستحقاقات‭ ‬كبيرة‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬واجتماعية‭ ‬وأمنية‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬مسؤولين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المناصب‭ ‬لوضع‭ ‬الاستراتيجيات‭ ‬المحكمة‭ ‬والسياسات‭ ‬الناجعة‭ ‬بهدف‭ ‬إنقاذ‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬إنقاذه‭. ‬

فإلى‭ ‬حدود‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬وزارة‭  ‬الصناعة‭ ‬والمناجم‭ ‬و‭ ‬الطاقة‭ ‬مثلا‭ ‬على‭ ‬أهميتها‭ ‬دون‭ ‬وزير‭ ‬منذ‭ ‬إعفاء‭ ‬السيدة‭ ‬نائلة‭ ‬نويرة‭ ‬القنجي‭  ‬وكذلك‭ ‬الشأن‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬وزارة‭  ‬التشغيل‭ ‬والتكوين‭ ‬المهني‭ ‬منذ‭ ‬إقالة‭ ‬السيد‭ ‬نصر‭ ‬الدين‭ ‬النصيبي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يشغل‭ ‬أيضا‭ ‬خطة‭ ‬ناطق‭ ‬رسمي‭ ‬باسم‭ ‬الحكومة‭. ‬كما‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬الرئاسة‭ ‬دون‭ ‬مدير‭ ‬ديوان‭ ‬منذ‭ ‬مغادرة‭ ‬رئيسة‭ ‬الديوان‭ ‬السابقة‭ ‬نادية‭ ‬عكاشة‭ ‬ودون‭ ‬مستشار‭ ‬إعلامي‭. ‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الولاة،‭ ‬فإن‭ ‬عددا‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬يعاني‭ ‬شغورا‭ ‬في‭ ‬المنصب‭ ‬السياسي‭ ‬والإداري‭ ‬الأهم‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ولايات‭ ‬تونس‭ ‬وصفاقس‭ ‬وقابس‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الذكر‭ ‬وليس‭ ‬الحصر‭. ‬

يأتي‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬تحتاج‭ ‬فيه‭ ‬تونس‭ ‬إلى‭ ‬ضمان‭ ‬كل‭ ‬سبل‭ ‬الاستقرار‭ ‬لاسيما‭ ‬وأن‭ ‬بلادنا‭ ‬مقبلة‭ ‬على‭ ‬أحداث‭ ‬هامة‭ ‬فنحن‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬العودة‭ ‬المدرسية‭ ‬ثم‭ ‬العودة‭ ‬السياسية‭ ‬بما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬استحقاقات‭ ‬مهمة‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬انطلاقة‭ ‬الموسم‭ ‬الفلاحي‭ ‬الجديد‭ ‬وكلها‭ ‬احداث‭ ‬تتطلب‭ ‬حضورا‭ ‬للمسؤولين‭  ‬في‭ ‬الجهات‭   ‬وفي‭ ‬مقدمتهم‭ ‬الوالي‭. ‬مع‭ ‬العلم‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬التنظيم‭ ‬الإداري‭ ‬التونسي‭ ‬فإن‭  ‬الوالي‭ ‬يتولى‭ ‬نيابة‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬في‭ ‬ولايته‭ ‬وهو‭ ‬منصب‭ ‬رفيع‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬يتبوؤه‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬عال‭ ‬من‭ ‬الكفاءة‭ ‬والجدية‭. ‬وهنا‭ ‬يقول‭ ‬بعض‭ ‬من‭ ‬يبرر‭ ‬هذه‭ ‬الشغورات‭ ‬الكثيرة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬إن‭ ‬المعتمد‭ ‬الأول‭ ‬يقوم‭ ‬بمهمة‭ ‬الوالي‭ ‬والأحرى‭ ‬هنا‭ ‬ان‭ ‬يتم‭ ‬تكليف‭ ‬هذا‭ ‬المسؤول‭ ‬إذا‭ ‬ثبتت‭ ‬جدارته‭ ‬بمنصب‭ ‬الوالي‭ ‬إذن‭. ‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الشغورات‭ ‬الكثيرة‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬البعثات‭ ‬الدبلوماسية‭  ‬فإنه‭ ‬ثمة‭ ‬حراك‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ننكره‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص‭ ‬منذ‭ ‬تولي‭ ‬السيد‭  ‬نبيل‭ ‬عمار‭ ‬مقاليد‭ ‬وزارة‭ ‬الشؤون‭ ‬الخارجية‭ ‬وبالفعل‭ ‬تم‭ ‬اعتماد‭ ‬سفراء‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬العواصم‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬ينفي‭ ‬وجود‭ ‬شغور‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬المهمة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلينا‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬سفراء‭ ‬وقناصل‭ ‬هناك‭ ‬لدعم‭ ‬علاقاتنا‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والدبلوماسية‭ ‬بهذه‭ ‬العواصم‭.‬

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

السيادة الغذائية رهان الجمهورية ..أيضا !

 تعيش تونس هذه الأيام ديناميكية مهمة تشمل الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي ويمكن اعتما…