في سياق التناغم بين القصرين: أي برنامج حكومي لتطهير الإدارة؟
في لقائه برئيس الحكومة السيد الحشاني، أكد رئيس الدولة مرة أخرى على ان دور الإدارة هو اتنفيذ سياسة الدولة وعلى ضرورة الإسراع بتطهيرها من كل من يعمل على تعطيل أي مرفق عموميب، وهي دعوة واضحة وليست الاولى، للشروع في بحث ملفات المؤسسات والوزارات وكل الادارة التونسية التي امتلأت بشوائب عديدة، وبعشرات الآلاف ممن يعطّلون أعمالها ولا يقومون بواجباتهم، بل كثيرا ما يشكّلون عقبة أمام من يريد ان يشتغل بجدّية وعزم.
وكلام رئيس الجمهورية لم يكن موجّها الى رئيس الحكومة بوصفه مسؤولا تنفيذيا فقط، بل بوصفه مسؤولا سياسيا عُيّن في ذاك المنصب من أجل تنفيذ سياسة الدولة وليس من أجل الاغراق في ملفات عمل اداري يومي يمكن ان ينجزه غيره.
ذلك ان حكومة السيد الحشاني جاءت على اثر رحيل حكومة السيدة بودن التي من المفترض انها رحلت لانها لم تستطع حلّ المعضلات التي أرادت الدولة حلها، ولم تستطع ان تجسّم قرارات رئيس الجمهورية وتنفّذ سياساته، أي باختصار لم تستطع ان تنزّل شعارات المرحلة الجديدة ويافطاتها وعناوينها الكبرى على أرض الواقع، وتحوّلها الى سياسة عمل وبرنامج تنفيذي يتحقق للمواطن وتجني ثماره المجموعة الوطنية.
وبالتالي فوجود حكومة تكنوقراط او بيروقراطية ادارية لا يغني شيئا، لان المطلوب حكومة سياسية تنفّد شعارات المرحلة، وهو خيار رفض رئيس الدولة الذهاب فيه الى آخره، ولم يشأ أن يكلّف حكومة حزبية، رغم وجود أحزاب قد لا تكون بالحجم الكافي للحكم، لكنها كانت مستعدة لممارسة نشاطها وفق ما يراه رئيس الدولة، أي انها كانت قابلة لتشكيل حكومة ائتلافية مع بعضها، وحتى لتشكيل حكومة مشتركة بين المتحزبين والتكنوقراط، ولكل الاحتمالات، لكن رئيس الدولة اختار المواصلة في خيار التعويل على اأبناء الادارة التونسيةب من الذين تربّوا داخل الوظيفة العمومية ويعرفون دهاليز ودواليب الدولة كيف تسير وكيف تدور، ومن المفترض أنهم مؤهّلون قبل غيرهم لاصلاح الادارة واعادة هيكلتها، او كما يقول رئيس الدولة تطهيرها من العناصر التي تعمل على تعطيل برامج الدولة.
رئيس الجمهورية مازال مصرّا على أن االإدارة التونسية تعجّ بالكفاءات، التّي سُدّت أمامها أبواب تحمل المسؤولية وهي كفاءات يمكن أن تحلّ محلّ من لم يؤدّ واجبه على الوجه المطلوب وأخلّ إلى جانب تعطيله لمصالح المواطنين بواجب التحفظ المحمول عليهب.
هذه الفقرة التي وردت في صفحة رئاسة الجمهورية وتحديدا في البلاغ المتعلق بلقائه برئيس الحكومة، الهدف منها الاشارة الى حادثة بعينها قد تكون وصلت للرئيس تقارير بشأنها، لكنها في العموم تمثّل الرؤية التي يؤمن بها رئيس الدولة وأصبح يتطرّق اليها مؤخرا في كل مناسبة، واصراره على التأكيد عليها مرة أخرى امام رئيس الحكومة هو في حد ذاته تحفيز للحكومة على الاسراع بتنفيذ برامج الدولة ومقاومة الاحتكار والفساد والتهريب والاحتكار، وهو أيضا تحفيز للحكومة على التحول الى جهاز تنفيذي فعّال، صاحب مبادرة، يرسم سياساته وفق تعليمات الرئيس ويحرص على تنفيذ توجهات الدولة.
فبقاء الحكومة على صمتها وانتظار مبادرات رئيس الدولة، يحوّلها بمرور الزمن الى اداة تنفيذ غير فعّالة وقد يدخلها في حالة عطالة، باعتبار ان رئاسة الجمهورية التي تباشر بنفسها مواضيع حياتية يومية، كمعضلة الخبز والدقيق والاسعار وحتى الانتصاب الفوضوي وغلاء المعيشة والعودة المدرسية والطرقات والمستشفيات التي هي قيد البناء وغيرها، وهي وظائف المفترض انها حكومية، وعجز الحكومة عن انجازها لا يرجع فقط الى قلّة الصلاحيات الممنوحة لها، بقدر ما يرجع الى عامل التحفظ البيروقراطي الذي يلجم عادة المسؤول عن أخذ المبادرة والمغامرة بالارتماء على المنجز والمخاطرة السياسية بالربح او الخسارة.
ذلك ان الحكومة السياسية وحدها التي تمتلك هامش المناورة وتمتلك برنامج العمل المدعوم من قوة سياسية تستطيع تسويقه ودعمه والدفاع عنه، في حين لا تمتلك الحكومة البيروقراطية الا ميزة التريث والتأني، وهو ما يحوّلها بمرور الوقت الى عبء على الدولة، خاصة اذا كانت الدولة تعيش مرحلة شعارات كبرى وعناوين قيادية تريد التأسيس لمشروع جديد.
مهرجان السينما المتوسطية بشنني «الأرض أنا، الفيلم أنا.. إنا باقون على العهد»: تطور كبير وحضور مؤثّر وفاعل للمخرج السوري سموءل سخية
استطاع المدير الفني لمهرجان السينما المتوسطية بشنني في الدورة 19 المخرج السوري سموءل سخية …