عبد القادر اللباوي رئيس الاتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة لـالصحافة اليوم : هذه شروط الارتقاء بأداء الإدارة والمردودية…
شدد رئيس الدولة قيس سعيد خلال لقائه أمس الأول برئيس الحكومة أحمد الحشاني في قصر قرطاج على االإسراع في عملية مراجعة دقيقة لكل الانتدابات التي تمت منذ سنة 2011، ذلك أن هذه المراجعة صارت اليوم أمرا مستعجلا خاصة في ظل تعطيل عدد من الإدارات لسياسة الدولة مثلما حصل في المدة الأخيرة عندما رفض أحد المسؤولين تسلّم مبلغ مالي لفائدة الدولةب وفق ما جاء في نص البلاغ الصادر في الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية في إشارة إلى انتشار هذا السلوك في عدد من الإدارات امثلما حصل أيضا بالنسبة إلى تعطيل عدد من المشاريع بحجج واهية في قطاعات متعددة كالصحة والتعليم والشركات الأهلية وغيرهاب.
وتطرح بذلك مرة أخرى مسألة أداء الإدارة التونسية التي تزايدت الإنتقادات والمؤاخذات في شأنها وسط دعوات كثيرة لتطوير المنظمومة الإدارية المهترئة التي باتت تحتاج لإصلاحات عاجلة وقد أصابت أضرارها عديد القطاعات وأهدرت على بلادنا عديد فرص النجاح والإستثمار لما تتسم به من بيروقراطية مقيتة.
ضرورة تكريس حياد الادارة
وفي قراءة لمتطلبات الإدارة التونسية اليوم وكيفية إصلاحها إلى جانب النقطة المتعلقة بمراجعة الإنتدابات منذ سنة 2011 أوضح السيد عبد القادر اللباوي رئيس الإتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة في تصريح لـاالصحافة اليومب أن الفصل 19 من الدستور التونسي لسنة 2022 نص على أن االإدارة العموميّة وسائر مرافق الدّولة في خدمة المواطن على أساس الحياد والمساواة. وكلّ تمييز بين المواطنين على أساس أيّ انتماء جريمة يعاقب عليها القانونب. وبالتالي فإن حياد الإدارة هو قبل شيء عقلية وثقافة ونمط سلوك. فلا معنى لمبدإ تم إقراره بالدستور ليبقى حبيس النص دون أن يتجسد واقعا ملموسا في عقول المسؤولين العموميين وأعمالهم وقراراتهم.
الإرتقاء بمنظومة التصرف في الشأن العام
وأبرز اللباوي أن احترام مبدإ الحياد وتكريسه على مستوى الممارسة يعتبر من أوكد وأهم شروط نجاح أي مقاربة ترمي إلى الإرتقاء بالأداء والمردودية داخل المؤسسات والهياكل العمومية في كل القطاعات. إنّ أداء وفعالية الهياكل والمرافق العمومية، إدارات عمومية كانت أو مؤسسات أو منشآت عمومية أو جماعات عمومية محلية أو جهوية، مرتبط بشكل وثيق بمدى توفر التشاركية في المقاربات المعتمدة وبمنسوب الثقة بين كافة الأطراف الفاعلة. كما أن هذا الأداء يتأثر بشكل مباشر وحاسم بمردودية العنصر البشري المكون لهاته الهياكل والمؤسسات وكي يتسنى الإرتقاء بمنظومة التصرف في الشأن العام على جميع أصعدته، لابد أن ينصب الاهتمام على تكريس الشفافية وضمان تكافؤ الفرص في التوظيف والترقية بالإدارات والهياكل العمومية مؤكدا على ضرورة ضبط آليات ومعايير موضوعية وشفافة للحصول على مناصب المسؤولية (التسمية على رأس المؤسسات والمنشآت العمومية، إسناد الخطط الوظيفية). مضيفا أنه ينبغي تحديد الإجراءات الواجب اعتمادها لهذه الغاية، مقترحا تعميم آلية التناظر لولوج هذه المناصب، بناء على معايير الكفاءة والاستحقاق والجدارة وبالإحتكام إلى تصنيفة وطنية للوظائف والكفاءات.
ويقول اللباوي في الإطار ذاته أنه يتعيّن وضع نظام فعال لتقييم أداء المسؤولين يكون كفيلا بتقدير مردوديتهم الحقيقية، بالإضافة إلى إقامة نظام جديد للترقية يأخذ بعين الاعتبار نتائج تقييم الأداء بناء على معايير الكفاءة والاستحقاق والجدارة والمردودية، دون الإقتصار على شرط الأقدمية الذي أثبتت الممارسة قصوره في الإرتقاء بالأداء والمردودية وتطوير المسار المهني والوظيفي للعون العمومي ولا ينبغي السقوط في معايير ترتكز على الولاءات الشخصية أو الإنتماءات الحزبية أو الجهوية أو تستبطن المحاباة والمحسوبية، مثلما كان معمولا به في العشرية المنقضية وحتى قبلها، حيث أن جلّ الحكومات والبرلمانات المتعاقبة على حكم البلاد، لم تكلّف نفسها عناء الاهتمام بمسألة حياد الإدارة، لا لشيء إلا لأن الغالبية القصوى من مكوناتها السياسية سعت دائما إلى تكريس منطق المحاصصة، وهو ما حال دونها ودون النأي بالإدارة عن دوائر الصراع السياسي وبؤر تقاسم الغنائم وأدّى إلى تلغيم الإدارة بتعيينات سياسية غير مجدية بصورة غير شفافة ومخالفة لقيم المساواة وتكافؤ الفرص، بلغت في مجملها خلال الفترة المتراوحة بين 2011 و2021 ما يناهز الـ34 ألف إنتداب وتسمية في مختلف مفاصل الدولة دون أدنى مراعاة لمعايير الكفاءة والاستحقاق والجدارة والمردودية.
حينئذ، يقتضي تكريس مبدأي الحياد والمساواة على مستوى تنظيم الإدارة وطرق سيرها أن تحرص السلطة السياسية وكافة القائمين على الشأن العام على احترام القانون في كل القرارات التي يتخذونها في علاقة بكافة أوجه عمل الإدارة وتنظيمها وطرق سيرها بغاية ضمان أقصى ما يمكن من الشفافية على تدخلاتها ومن السرعة والنجاعة على الخدمات التي تقدمها.
وحيث يمثل العنصر البشري الركيزة الأساسية للإدارة العمومية، ناحية أنه المؤتمن على إسداء الخدمة وإنفاذ القرارات، في إطار القانون وعلى قاعدة الشفافية والمساواة والحياد، فإنه من البديهي أن تحوز مسألة الإنتدابات والتسميات والترقيات، على إهتمام كافة المتابعين للشأن العام، وهو ما يدعو رئيس الإدارة إلى إيلاء العناية الفائقة لهذا الجانب وذلك بالحرص على أن تتم كافة الإنتدابات والتسميات والترقيات والإعفاءات في كنف الشفافية والمساواة والحياد التام وعلى قاعدة شروط وضوابط قانونية مستقلة عن إرادة كافة المتدخلين في العملية.
مقاربة تشاركية جديدة
ودعا محدثنا في السياق ذاته إلى تركيز مقاربة تشاركية جديدة لهيكلة مختلف الأنظمة الأساسية، تتضمن تعريفات وضوابط مرجعية وبطاقات وصفية للوظائف والكفاءات تعد اللبنة الأساسية لإرساء آليات التسيير التوقّعي للوظائف والكفاءات وذلك في إطار تصنيف مرجعي موحد يشمل كل القطاعات بما في ذلك الإعلام العمومي كما يقترح وضع نظام لتسيير الأداء المؤسسي والفردي على أساس عدة ضوابط منها ترسيخ الثقافة المؤسسية لدى كافة الإدارات والهياكل العمومية بما في ذلك الدوائر السياسية التي يجب أن تعتمد على المهنية والنزاهة والشفافية ووضع آلية قياس الأداء المؤسسي وتقييم مستوى المساهمة في الإرتقاء بمردودية المرافق العمومية على أساس الأهداف والبرامج الوطنية ووفقاً للمعايير والمقاييس المتعارف عليها عالمياً إلى جانب وضع قواعد ومعايير داعمة لبيئة العمل المؤسسي التي تشجع الأداء المتميز بما يسهم في رفع مستوى المعرفة والكفاءة والإنتاجية لدى الموظفين وتحديد فترات المراقبة والتقييم ورفع التقارير للجهات الحكومية بشأن مطابقة معايير الأداء المؤسسي مع اتخاذ الإجراءات المناسبة لتطوير الخدمات ورفع الإنتاجية وفقاً لتلك التقارير وذلك بـتحديد القدرات الأساسية التي يتم على أساسها قياس أداء الموظفين في مختلف الهياكل والإدارات العمومية مع مراعاة توافق واتساق القدرات مع مستوى المهام التي يقوم بها الموظفون والأهداف المطلوب منهم تحقيقها، مع التحديد الدقيق لآليات ومدد التقييم حسب طبيعة الوظائف ونوعيتها وتطوير معايير الأداء الوظيفي ومناقشة مستوى الأداء المتوقع للموظف ومتابعته دورياً حسب الأهداف المحددة للإنجاز وفق الخطة السنوية المقررة إلى جانب تحديد جوانب تطوير الأداء الوظيفي وأوجه الدعم الإيجابي الذي يتعين تقديمه للموظف للارتقاء بمستوى أدائه في إطار برنامج زمني محدد.
ومن بين المقترحات التي قدمها اللباوي إعتماد نتائج تقييم الأداء كأساس موضوعي لاتخاذ القرارات الإدارية المتعلقة بتكوين الموظفين وتطوير كفاءاتهم ومن ثمة ترقيتهم وتحفيزهم وتحديد مفهوم الترقية وأنواعها وشروط استحقاقها والمدة اللازم استيفاؤها والحقوق المترتبة عليها بما يتناسب مع طبيعة الوظائف، والقيام بإصلاح جذري لمنظومة التأجير العمومي بإرساء منظومة أجور حديثة ومتناسقة، تراعي متطلبات الإنصاف والشفافية، وترتكز على مكافأة المجهود المبذول وعلى درجة تعقد الوظـيفة إضافة إلى تحديد مفهوم الجدارة ومستوى الأداء المطلوب للترقية وفقاً لنظام إدارة الأداء الوظيفي، وضبط آلية قانونية تتيح تبادل الكفاءات والخبرات بين الإدارة العمومية والقطاع الخاص (الإلحاق أو التعاقد في الإتجاهين) إلى جانب إيجاد آلية قانونية تيسّر حركية الإطارات العمومية داخل الإدارة وبين مختلف المصالح العمومية عبر تبادل سلس للكفاءات والخبرات العمومية بين مختلف مصالح التسيير ومصالح الرقابة ومصالح التدقيق وهياكل تقييم السياسات العمومية وذلك بإعتماد التناظر على أساس برامج يلتزم بها المترشحون لمهمة أو خطة بغير إداراتهم الأصلية مضيفا أنه يتعين أيضا إعادة تنظيم المصالح العمومية بتجميع الخدمات والنشاطات المتماثلة وإزالة الازدواج وتقليص عدد الأجهزة الإدارية ووضع منظومة قانونية للوظيفة العمومية المدنية العليا على أساس جملة من المعايير والشروط التي لا يمكن بدونها الإنتساب لهذه الفئة من الوظائف.
الدورة 38 لأيام المؤسسة من 5 إلى 7 ديسمبر المقبل : طرح للمستجدات الاقتصادية و كيفية التأقلم معها محليا و عالميا
تحت شعار «المؤسسة والتحولات الكبرى: التأقلم والفرص المتاحة» ستحتضن جوهرة الساحل سوسة فعالي…