لعله من المفيد استحضار حكمة الأجداد في البداية من خلال مثل تونسي صميم ”ما يبقى في الوادي كان حجره” الذي يحيل على التجذر وحس الانتماء والصمود أمام الهزات والعواصف والأنواء.
وكلها معاني نستحضرها ونحن نتابع أفول نجم عديد الوجوه السياسية التي تملأ الدنيا وتشغل الناس تحت أضواء الكاميرا في استوديوهات التلفزيون عابرة للمنابر تبشرنا بالحداثة والتقدم والرفاه والتنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان وكل المعاني التي تدير الرؤوس وغير ذلك من السرديات التي أدركنا لاحقا أنها مجرد ترف فكري أو ثرثرة منابر ليس إلا وإنها من قبيل الاسطوانات المشروخة التي تستطيع أن تكون أداة ا للصعود االسريع إلى القمةب، قمة السلطة والمجد والمال والنفوذ والشهرة.
وأدركنا أيضا وإن كان ذلك متأخرا أن هناك بعض المنتمين إلى الحقل السياسي حاولوا على امتداد العقد الماضي أن ايأكلوا بعقلنا حلاوةب كما يقول المصريون وأمطرونا بوعود زائفة.
هنا قد يقول قائل وما مناسبة هذا الكلام.. والإجابة تكمن ما بين سطور البلاغ أو البيان الذي صدر هذه الأيام عن حزب مشروع تونس لصاحبه محسن مرزوق.
وهو الحزب الذي لم نسمع له موقفا ولا رأيا ولا تعليقا على ما يحدث في تونس وكأن ما يجدّ تحت سماء هذه البلاد لا يعنيه في شيء فهو لا يثمّن ولا يندد ولا يساند ولا يستنكر ولا يعلق ولا يتفاعل فقد دخل في صمت مطبق منذ سنوات فلا اجتماعات ولا مؤتمرات ولا بلاغات ولا بيانات رغم كل الأحداث المتعاقبة التي عرفتها بلادنا وكأنه وضع نقطة النهاية لوجوده الفعلي.
ولولا هذا البلاغ الأخير لظننا أن حزب مشروع تونس قد اندثر وطواه النسيان والمفاجأة أن فحوى هذا البيان خالية من السياسة.. نعم صمت الحزب دهرا ونطق تنبيها لوزير لداخلية بشأن سرقة تعرض لها مقر الحزب بشكل متواتر خمس مرات بمعنى أن هذا البلاغ هو شكاية ذات طابع أمني ولا صلة لها بصيرورة الأحداث في تونس كما قد يتبادر للذهن لأول مرة.
إذن يصدر بيان خال من السياسة عن حزب سياسي كان فاعلا في المشهد السياسي ومؤسّسه ورئيسه كان وجها بارزا من الوجوه التي طبعت مرحلة ما بعد 14جانفي 2011. بل كان من الفاعلين في أروقة قصر قرطاج في المرحلة الأولى لحكم نداء تونس وأحد المقربين من الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي الذي قال عنه إنه والده الروحي بل هو الذي زف للتونسيين خبر فوز النداء في الانتخابات في مقولته الشهيرة :افبحيث انتصرناب قبل أن تتسارع الأحداث ويتم ذاك التوافق الشهير بين الشيخين.
وبعيدا عن هذا ما يعنينا الآن هو أن هذا البلاغ الأجوف سياسيا هو في الحقيقة يقول الكثير عن النخبة السياسية التي تصدرت المشهد السياسي طوال العقد الأخير.
ففي الوقت الذي تحتاج تونس فيه إلى كل أبنائها وهي تمر بظرف دقيق ثمة من اختار أن يتركها لمصيرها دون أن يدلي برأي أو موقف وهذا ما سيسجله التاريخ بأحرف قاتمة مع الأسف.
وبالعودة إلى طينة النخب التي مارست السياسة طيلة العشرية الماضية سواء أولئك الذين أسسوا أحزابا وأمعنوا في التنظير علينا أو الذين تبوؤوا مناصب مهمة في الدولة سواء رؤساء حكومات متعاقبة أو وزراء أو نواب أو ناشطون في المجتمع المدني كذلك فإننا ندرك أن ورقة التوت قد سقطت عن الجميع. وان عموم التونسيين قد أدركوا بعد مكابدة أن أحد أسباب الأزمة الحالية الخانقة والمآلات الصعبة اجتماعيا واقتصاديا هي قطعا ناتجة عن سوء الحوكمة والأطماع التي تعامل بها غالبية الفاعلين السياسيين في مرحلة ما بعد الثورة.
ولأننا خبرنا سلوك هذه النخبة فإننا نستطيع الجزم منذ الآن انه ستكون لهم عودة قوية بعد هذا البيان العابر للفصول وذلك خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة وسيأتون من كل حدب وصوب لطلب أصواتنا مراهنين على استغلالنا من جديد وعلى أننا نملك ذاكرة سمكة وسننسى أنهم تركوا البلد لمصيره زمن المحنة وهبّوا بعد ذلك مدفوعين بالرغبة في الوصول إلى القصر ليحكمونا ويتحكموا في مصيرنا.
هؤلاء كان منهمكين في شؤونهم ولم يكن لديهم ما يقولونه فلا ساندوا ولا عارضوا ولا عبروا عن أي موقف من أي قضية.
فلا الهجرة السرية تعنيهم ولا الحملات الممنهجة على تونس تستحق في نظرهم الإدلاء برأي أو موقف ولا طوابير المواطنين أمام المخابز تستوقفهم حتى من باب التعاطف البسيط ولا أزمة الإعلام الذي صنع نجوميتهم تقتضي بيانات دعم من باب المجاملة واللياقة على الأقل.
وغير ذلك من القضايا التي تؤرق التونسيين هنا لا نجد أفضل مما قاله غاندي اختصارا لهذه الحالة الفريدة :اكثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطنب.
أيام قرطاج المسرحية الدورة25: المسرحية التونسية « بخارة » تُتوّج بالتانيت الذهبي
فازت المسرحية التونسية « بخارة » للمخرج الصادق الطرابلسي وإنتاج مسرح أوبرا تونس (قطب المسر…