من أجل بديل اقتصادي تنموي: هل الحلّ في تغيير السياسيات أم المسؤولين؟
تطرح وضعية قطاع الحبوب اليوم في تونس مشكلا كبيرا على مستوى تحقيق الاكتفاء الذاتي، فبالاضافة الى الازمة الداخلية يشهد العالم نقصا في هذه المادة بسبب الحرب الروسية الاوكرانية مما يعقد العملية. وتعيش بلادنا ازمة هيكلية في قطاع الحبوب تتطلب حلولا جذرية ورؤية استراتيجية تُنفّذ تدريجيا على المدى البعيد، خاصة وان هذه الازمة لديها تداعيات وخيمة على المواد الاساسية ونقصها في السوق على غرار أزمة التزود بالخبز والدقيق منذ عدة أشهر.
ويبحث رئيس الجمهورية عن الحلول الممكنة بالتعاون مع الحكومة مستندا في قراراته الاخيرة الى وجود مشكل احتكار وسوء تصرف في القطاع،إضافة إلى هناك الازمة الهيكلية والمالية المرتبطة بديون كبيرة للديوان الوطني للحبوب وبنقص الانتاج الوطني في السنوات الاخيرة.
وقرر رئيس الجمهورية في هذا الاطار، اقالة المدير العام لديوان الحبوب البشير الكثيري، وتعيين سلوى بن حديد بدلاً منه. وطلب سعيّد من وزيرة العدل سلوى جفال إصدار ملاحقات قضائية ضد من اتهمهم بالاحتكار في مجال توزيع الحبوب والمواد الاستهلاكية الأخرى التي شهدت ارتفاعاً غير مسبوق في أسعارها.
وديوان الحبوب هو المؤسسة العمومية المشرفة حصريا على توريد الحبوب بمختلف أصنافها، وتوزيع الحصص على المطاحن من أجل صناعة الخبز والمعجنات، كما يتولى الديوان قبول وتجميع محاصيل الحبوب الوطنية.
وتواجه تونس نقصاً في إمدادات الحبوب بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، إلى جانب تراجع الإنتاج الوطني بما يزيد عن ٪80 هذا العام تحت وطأة الجفاف.
وتسبب هذا النقص في ندرة مواد الدقيق والسميد في الأسواق، وفي اضطراب إنتاج الخبز الذي يستهلك على نطاق واسع، حيث تشهد المخابز طوابير يومية منذ أشهر.
كما تسببت الوضعية المالية الصعبة لديوان الحبوب في تأخر سداد فواتير شحنات الحبوب، التي أصبحت تتأخر نتيجة إصرار المزودين على الحصول على أموالهم مسبقا.
وتعول تونس بشكل أساسي على القمح المُورَّد لتوفير الغذاء للمواطنين، الذين يصل استهلاكهم السنوي من الحبوب إلى ما بين 2.5 مليون إلى 3 ملايين طن من الحبوب، وهو ما يعادل 136 كلغ من الدقيق والحبوب في العام الواحد لكلّ مستهلك.
وتأثر التعويل على الاستيراد بمشاكل للمالية العمومية في تونس، وبالحرب في أوكرانيا. فتونس تعيش أوضاعاً مالية واقتصادية صعبة جعلتها تواجه صعوبات في تأمين السيولة اللازمة لتغطية حاجياتها من شراء المواد الغذائية والحبوب وغيرها من المواد الضرورية.
سوء تصرف
ومن وجهة نظر اقتصادية، يرى الخبير الاقتصادي معز حديدان، أن أزمة الحبوب تتطلب تغيير السياسات وليس الاشخاص مشيرا الى ان اقالة مدير عام الحبوب تبدو نتيجة سوء تصرف في مستوى عملية الشراء وإعادة توزيع الحبوب مرجحا ان تكون هناك عملية اعطاء اولوية لبعض المطاحن وبعض المزودين الكبار من قبل الديوان.
الا ان معز حديدان يعتبر ان المشكل في ديوان الحبوب هو ديونه التي هي جزء من ازمة هيكلية يعرفها قطاع الحبوب وصعوبات في توزيع الحبوب على المستوى الوطني.
ويفيد حديدان في حديثه لـاالصحافة اليومب بان تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب ممكن على المدى المتوسط والبعيد من خلال توفير الاراضي وتشجيع الفلاحين على زراعة الحبوب ووضع الاجراءات والتسهيلات الكفيلة بتقوية الانتاج الوطني داعيا في هذا السياق الى وضع اليات السوق لتحديد السعر .
ويرى معز حديدان ان الحل لهذه الازمة في تحرير قطاع الحبوب وادخال فاعلين اخرين مثل الفلاحين ويمكن ان يبقى دور ديوان الحبوب تعديليا بالاضافة الى دور مجلس المنافسة في المراقبة.
وقال محدثنا في نفس الاطار: انقص المواد الأساسية يفسّره شح السيولة لدى الدولة التونسية، التي تتولى حصرا توريد الحبوب، تزامنا مع تسجيل البلاد نقصا في إنتاجها المحلي من هذه المادة، وهو ما أدى إلى حصول فجوة في تزويد السوقب.
واوضح معز حديدان ان تونس تشهد سنة صعبة هذا العام بسبب الجفاف ونقص الانتاج الوطني من الحبوب وبسبب الحرب الروسية الاوكرانية الامر الذي صعب عملية التوريد والتي ستشمل قرابة 90 بالمائة من حاجياتنا.
مساعدة الفلاحين
وفي الفترة الاخيرة ضبطت حكومة نجلاء بودن ملامح امتياز تكفل الدولة بالفارق بين نسبة الفائدة الموظّفة على القروض الموسميّة لزراعات الحبوب ومعدّل نسبة الفائدة في السّوق النقديّة في حدود 3 نقاط إلى جانب تحديد مبلغ القروض وآليات صرف هذا الامتياز.
لكن مساعد رئيس الاتّحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري المكلّف بالإنتاج الفلاحي شكري الرزقي، اعتبر في تصريح إعلامي، أنّ انتظارات وطموحات الفلاحين كانت أكبر من الإجراء الحكومي الأخير المتعلّق بأمر امتياز تكفل الدولة بالفارق بين نسبة الفائدة الموظّفة على القروض الموسميّة لزراعات الحبوب ومعدّل نسبة الفائدة في السّوق النقديّة في حدود 3 نقاط إلى جانب تحديد مبلغ القروض وآليات صرف هذا الامتياز.
ويقول من جانبه عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الفلاحين المكلف بالزراعات الكبرى محمد رجايبية، ان الازمة هيكلية على مستوى القطاع وعملية الانتاج، خاصة عندما نتحدث على حسن الاستعداد للمواسم من خلال توفير الظروف الملائمة لبلوغ محصول وطني هام في اخر السنة، من ذلك : مستلزمات الانتاج وتوفير تعويضات للفلاحين في حينها وجدولة ديونهم مع البنوك…
وأفاد محمد رجايبية في تصريح لـاالصحافة اليومب بان هناك اضطرابات على مستوى الاسمدة لانها غير متوفرة في الإبان بالكمية والنوعية المحددة، فضلا عن الظروف المناخية وخاصة هذا الموسم حيث تضررت اكثر من 70 بالمائة في الاراضي الصالحة للزرعات الكبرى التي تعتمد على تساقطات الامطار في عدة ولايات مثل باجة وزغوان وبنزرت…
ولفت محدثنا الى ان هناك تحركا جديا على مستوى وزارة الفلاحة من خلال القيام باجراءات عملية لانجاح الموسم القادم سواء على مستوى توفير البذور وتحقيق الاكتفاء الذاتي والسعي لتقييم موسم التجميع والنظر في حاجيات البلاد لوضع مخرجات كيفية لإنقاذ المنظومة باستراتيجيات قصيرة وبعيدة المدى، ووضع استراتيجيات مرحلية ومواجهة التحديات المناخية والمالية…
أزمة هيكلية شاملة
وكانت منظمة ا آلارتب اعتبرت في تقرير نشرته في وقت سابق حول اندرة الخبز في عدد من الولاياتب أن ندرة الخبز هي في الحقيقة أزمة هيكلية شاملة يشكو منها قطاع الحبوب في تونس، مشيرة الى انها كانت قد نبهت من خطورتها منذ ثلاث سنوات.
وبيّنت المنظمة ان سيطرة غرفة المطاحن بنقابة الأعراف على ديوان الحبوب وخاصة عدم التكافؤ في توزيع حصص الحبوب، مما يمكن مثلا مجمعا واحدا من ٪38 من الحصة الوطنية من القمح الصلب، هو ما يضاعف النقص في مادة السميد خاصة مع رفض هذه المجامع تخفيض كميات القمح الصلب الموجهة إلى تصنيع المقرونة (بما أنها مربحة أكثر).
الحكومة تنطلق في تنفيذ 500 مشروع من بين 1000 مشروع معطّل : نحو دفع نسق التأسيس والتنفيذ..
انطلقت الحكومة في تنفيذ 500 مشروع من أصل 1000 مشروع عمومي معطّل، وذلك في إطار تطبيق المنشو…