2025-01-03

من بين عديد الإجراءت التي تشمل  ترشيد النفقات والدعم : الحكومة تشرع في برنامج التقاعد المبكر  للتقليص من كتلة الأجور في القطاع العام

صدر في الرائد الرسمي في عدده الأخير قرار من رئيس الحكومة مؤرخ بتاريخ 30 ديسمبر 2024 يتعلق بضبط آجال تطبيق البرنامج الخصوصي للإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية بعنوان سنة  2025.

وجاء في القرار أنّ موعد تقديم مطالب الإحالة على التقاعد قبل بلوغ السن القانونية بعنوان سنة 2025 من قبل الأعوان العموميين الذين يبلغون سنّ 57 سنة على الأقل خلال الفترة الممتدة بين 1 جانفي 2025 إلى 31 ديسمبر 2025 والذين قضوا مدة العمل الدنيا المشترطة للحصول على جراية التقاعد والمحددة بـ 15 سنة، ينطلق بداية من 1 جانفي 2025.

يمثل هذا القرار خطوة حاسمة في إطار الإصلاحات المالية التي تسعى الحكومة إلى تنفيذها والرامية بالأساس إلى تقليص كتلة الأجور التي تعد من أبرز التحديات المالية التي تواجه الدولة، حيث تمثل ما يقارب 14.4% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا الرقم يُعد من بين النسب الأعلى عالميًا مقارنة بحجم الاقتصاد، وهو يشير إلى ضغوط كبيرة على المالية العامة للدولة لاسيما في ظل ارتفاعه من سنة الى أخرى. ففي سنة 2000 كانت كتلة الأجور تُقدر بحوالي 2.6 مليار دينار تونسي، وفي سنة 2010 ارتفعت إلى 6.7 مليار دينار. مع مرور الوقت، استمرت الأجور في الزيادة لتصل إلى 16 مليار دينار سنة 2016، ثم ارتفعت سنة 2023 إلى حوالي 22.7 مليار دينار، وهو ما يشكل ما نسبته 14.4% من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المتوقع أن تصل كتلة الأجور إلى 24.389 مليار دينار موفى سنة 2025 .

وفي ظل تواصل المنحى التصاعدي، باتت مسألة ارتفاع كتلة الأجور في تونس من القضايا الاقتصادية الشائكة حتى ان بعض المؤسسات المالية الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أصدرت عدة تقارير وتحذيرات بشأن تأثيرات هذه الظاهرة على الاقتصاد التونسي. فقد أكد مثلا تقرير البنك الدولي في وقت سابق أن زيادة كتلة الأجور تعد أحد الأسباب الرئيسية التي تُعيق النمو الاقتصادي وتشكل تحديًا كبيرًا أمام جهود الإصلاح المالي موضحا ان نصيب كتلة الأجور من الناتج المحلي الإجمالي يعد مرتفعا جدًا مقارنة بالدول الأخرى ذات الاقتصادات مشابهة.  ويظهر تقرير البنك الدولي أن نسبة الأجور في القطاع العام في تونس قد تجاوزت 14% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، وهو ما يُعد من بين النسب الأعلى في العالم.

من جانبه، أكد صندوق النقد الدولي في تقريره المتعدد أن كتلة الأجور في تونس تشكل أحد أهم المخاطر المالية التي يمكن أن تُؤثر على الاستقرار المالي في المستقبل محذرا ان الاستمرار في سياسة رفع الأجور دون معالجة هيكلية قد يؤدي إلى عجز مالي مزمن، ويجعل من الصعب على الحكومة التونسية التعامل مع الوضع المالي لخزينة الدولة. وقد أوضحت هذه المؤسسة المالية في تقرير سابق أن كتلة الأجور المرتفعة تؤثر سلبًا على القدرة المالية للدولة، حيث تمثل أكثر من 50% من الإنفاق العام في تونس. ومع تزايد عدد الموظفين في القطاع العام، فإن هذا يستهلك جزءًا كبيرًا من نفقات الحكومة ويزيد من العجز في الميزانية.

للتعامل مع هذه الأرقام الكبيرة، وضعت الحكومة خطة لتقليص هذه النسبة إلى 12.6% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول سنة 2026. وتستند هذه الخطة إلى تجميد الانتدابات في القطاع العام وتعزيز برامج التقاعد المبكر لتقليص حجم الأجور. وفعلا انطلقت الحكومة منذ سنة 2022 في تنفيذ هذا البرنامج، الذي يهدف إلى إحالة الموظفين الذين بلغوا سن 57 عامًا أو تجاوزوها على التقاعد، شريطة أن يكونوا قد أمضوا 15 عامًا في الخدمة. ويشمل البرنامج العاملين في الوظيفة العمومية في مختلف الوزارات والمصالح الحكومية.

وفقًا للبيانات المتاحة، فقد استفاد نحو 6,916 موظفًا من هذا البرنامج سنة 2023 والى حدود أوت 2024، ارتفع العدد إلى 11,762 موظفًا، في إطار التطبيق التدريجي للبرنامج. يهدف هذا الإجراء إلى تقليص عدد الموظفين النشطين في القطاع العام، الأمر الذي سيساهم في تقليص النفقات المرتبطة بالأجور في المدى القصير وبالتالي النجاح في توجه الحكومة الرامي الى تخفيض كتلة الأجور بشكل ملحوظ بحلول سنة 2025.

هذا وتتوقع الحكومة أن يكون هناك عدد كبير من الموظفين الذين سيطلبون التقاعد المبكر سنة 2025، وهو ما سيؤدي إلى تقليص النفقات المرتبطة بالأجور، ولكنه في الوقت نفسه قد يزيد من الضغط على موارد الدولة لتغطية جرايات المتقاعدين. ومن أجل معالجة هذه المشكلة، يجب أن تترافق سياسة التقاعد المبكر مع إصلاحات هيكلية في نظام التقاعد، بما في ذلك زيادة المساهمات وتوسيع قاعدة المساهمين في الصندوق الوطني للتقاعد.

وفي إطار قانون المالية لسنة 2025، تم تحديد كتلة الأجور في حدود 24.389 مليار دينار، بزيادة تقدر بنحو 2.8% مقارنة بسنة 2024. وعلى الرغم من هذه الزيادة في الأجور، فإن الحكومة التونسية تعمل على تقليص كتلة الأجور من خلال عدد من الإجراءات مثل تجميد الانتدابات في القطاع العام وعدم سد الشغورات. ومع ذلك، ما يزال ضغط الأجور على المالية العامة قائمًا، خاصة في ظل تزايد عدد الموظفين في القطاع العام، والذين من المتوقع أن يرتفع عددهم بحلول سنة 2025 ليشمل 12.000 موظف آخر من أعوان الحضائر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

الاقتصاد التونسي و أهم تحديات سنة 2025  : رفع النمو وجذب الاستثمار الخارجي والحد من التضخم

يواجه الاقتصاد التونسي سنة 2025 مجموعة من التحديات التي تضع الحكومة أمام اختبارات صعبة تتط…