الاقتصاد التونسي و أهم تحديات سنة 2025 : رفع النمو وجذب الاستثمار الخارجي والحد من التضخم
يواجه الاقتصاد التونسي سنة 2025 مجموعة من التحديات التي تضع الحكومة أمام اختبارات صعبة تتطلب سياسات جريئة وإصلاحات عميقة لضمان الاستقرار وتحقيق النمو المستدام. وتتوزع هذه التحديات بين عجز الميزانية، تزايد الدين العام و التضخم المرتفع مع تطلعات لتعزيز الاستثمار وتحقيق نمو اقتصادي يُلبي طموحات متطلبات المرحلة القادمة.
وبحكم ان تونس تعمل على خفض عجز الميزانية إلى 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ 6.3% سنة 2024 (ووفقًا لقانون المالية 2025)، عمدت الحكومة إلى تبني سياسات اقتصادية جديدة تهدف بالأساس على زيادة الإيرادات عبر فرض ضرائب إضافية على الشركات الكبرى وأصحاب الدخل المرتفع وتعزيز مكافحة التهرب الضريبي باعتباره يُعد سببا هاما عن خسارة موارد مالية تُقدّر بمليارات الدينارات سنويا. وقد قدر حجم ميزانية 2025 ما يعادل 78.2 مليار دينار بزيادة 3.3% مقارنة بسنة 2024، وذلك وسط توقعات بارتفاع عائدات الضرائب إلى 7.3% لتصل إلى 14.57 مليار دولار.
ولئن شكك بعض المتابعين للشأن الوطني في قدرة هذه السياسات على تحقيق أهدافها في ظل الاقتصاد الموازي، الذي يُمثل حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي وتواصل معضلة ضعف الموارد المالية وارتفاع حجم الدين العام إلا ان أعضاء الحكومة أكدوا في العديد من المناسبات على قدرة تونس على حلحلة الوضع الاقتصادي ومواجهة كل التحديات المحتملة سنة 2025 باعتبارها «سنة النمو الاقتصادي».
وبالعودة الى هذه التحديات، يمكن القول ان ارتفاع كتلة ديون تونس التي تجاوزت 80% من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات الأخيرة، تعد أهم معضلة تثقل كاهل الاقتصاد وتستحوذ على جزء كبير من الإيرادات لخدمة الديون. وفي ظل تعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض، اتجهت الحكومة إلى الاعتماد على مصادر تمويل بديلة بفوائد مرتفعة. الأمر الذي زاد من أعباء الديون الخارجية واجبرها على الاقتراض الداخلي الذي اثر سلبا أيضا على مردودية البنوك وحد من دورها الطبيعي المتمثل في تمويل المشاريع والتنمية الجهوية.
وحسب المتابعين للوضع الاقتصادي يعد هذا الموضوع أحد أكبر التحديات أمام حكومة كمال المدوري، خصوصاً في ظل ارتفاع مشط للمديونية وتباطؤ النمو الذي يتوقع أن يكون في حدود 1.2% سنة 2024 و تزايد نسبة البطالة التي تجاوزت 16 %.
مؤشر التضخم هو الآخر يمثل أحد أبرز التحديات الاقتصادية سنة 2025، حيث يُتوقع أن يصل معدله إلى 9.5% مقابل 9.2% سنة 2024 بسبب تراجع قيمة الدينار التونسي، الذي فقد أكثر من 30% من قيمته خلال العقد الأخير، وارتفاع أسعار السلع المستوردة والطاقة على غرار ارتفاع أسعار بعض المنتجات الغذائية الأساسية، مثل الزيت النباتي والقمح بنسبة 40% ، مما أثّر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطنين. الأمر الذي يجبر الحكومة على التدخل لتخفيف التضخم عبر تحسين الإنتاج المحلي وتطوير سياسات الدعم الحكومي، لكن النجاح في كبح التضخم يعتمد على استقرار السوق وسرعة تطبيق الإصلاحات الهيكلية.
ولان تحسن الوضع الاقتصادي يتطلب تفعيل رؤية جديدة وإصلاحات هيكلية، راهنت تونس سنة 2025 على النهوض بقطاع الاستثمار باعتباره ركيزة أساسية للنمو عبر جذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية غير ان هذا الأخير يواجه الكثير من التحديات التي تعيق نموه. فعلى الرغم من الإصلاحات التي أُدخلت في السنوات الأخيرة، فإن الوضع الاجتماعي والاقتصادي ما يزال يشكل عقبة رئيسية. وفقًا للتوقعات،و من المتوقع أن يتراجع حجم الاستثمارات الأجنبية في تونس بنسبة 5.5% سنة 2025، حيث من المتوقع أن يكون إجمالي الاستثمارات حوالي 1.05 مليار دينار تونسي.
أما بالنسبة للبنية التحتية، فتظل التحديات قائمة، خاصة في المناطق الداخلية حيث ما تزال النسبة المائوية للطرق المعبدة في المناطق الداخلية تقدر بنحو 40% فقط في بعض المناطق، مما يعوق حركة التجارة ويزيد من التكاليف اللوجستية للمستثمرين. كما أن الفساد يظل أحد العوامل المقلقة، حيث تصدرت تونس المرتبة 67 عالميًا في مؤشر مدركات الفساد لعام 2024، مما يعكس استمرار معاناة البلاد من غياب الشفافية في العديد من القطاعات الاقتصادية.
ومن اجل كسب هذا الرهان وجعل الاستثمار قطاعا رائدا، انطلقت تونس في تنفيذ إصلاحات عميقة تشمل تبسيط الإجراءات القانونية، تعزيز الشفافية في القطاع العام، تحسين البنية التحتية إضافة الى تسهيل الإجراءات الإدارية وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص على أمل أن يتم سنة 2025 مواصلة سياسة الإصلاح والتسريع في وتيرة انجاز المشاريع المعطلة.
وبتفعيل هذه الإصلاحات المذكورة والمرجوة، من المتوقع أن يحقق النمو الاقتصادي نسبة 3.2% سنة 2025. ورغم أنها تعد نسبة معقولة وسهلة التحقيق وتظهر تحسناً طفيفاً في مردودية القطاعات الاقتصادية مقارنة بالسنوات السابقة، إلا أنها ما تزال دون المستوى المطلوب وغير كافية لتعويض آثار الأزمة الاقتصادية التي عاشتها البلاد خلال العقد الأخير و أثرت سلبا على كل المؤشرات.
عموما يقف الاقتصاد التونسي سنة 2025 أمام منعطف حاسم، حيث تُشكل الإصلاحات الاقتصادية ضرورة لا خياراً من أجل دفع مردودية القطاعات الواعدة من سياحة وفسفاط وتصدير وفلاحة وتشكل البيئة السياسية والاجتماعية الآمنة عاملاً حاسماً في نجاح هذه الجهود وسببا رئيسيا لمواجهة التحديات المذكورة.
من بين عديد الإجراءت التي تشمل ترشيد النفقات والدعم : الحكومة تشرع في برنامج التقاعد المبكر للتقليص من كتلة الأجور في القطاع العام
صدر في الرائد الرسمي في عدده الأخير قرار من رئيس الحكومة مؤرخ بتاريخ 30 ديسمبر 2024 يتعلق …