رغم صعوبة الظرف الداخلي والدولي : تونس تتمكن من الإيفاء بسداد كامل ديونها للعام الجاري
شهدت تونس سنة 2024 مرحلة اقتصادية متذبذبة اتسمت خاصة بارتفاع مستويات الدين الخارجي، في وقت تسعى فيه الحكومة إلى تحقيق التوازن بين الوفاء بالتزاماتها المالية وتعزيز التنمية الاقتصادية. ولئن أكدت وزيرة المالية، سهام نمصية البوغديري ان تونس ملتزمة بسداد كل ديونها الداخلية والخارجية قائلة: «سنفي بكل تعهداتنا والتزاماتنا الداخلية والخارجية وسنصل إلى الإيفاء بكامل الالتزامات الداخلية والخارجية من حيث سداد الديون، ببلوغ نسبة 100 بالمائة من خدمة الدين بعنوان سنة 2024» . الأمر الذي يعكس تصميم الحكومة على الحفاظ على مصداقية البلاد المالية أمام الشركاء الدوليين، إلا أن الواقع الاقتصادي ولاسيما وضع الموازنات المالية يطرح تساؤلات عميقة حول قدرة تونس على تحقيق هذا الهدف ويجعله صعب المنال لكنه «غير مستحيل».
ففي وقت تتعهد به وزارة المالية بسداد ديونها، تعلن نمصية في جلسة عامة بمجلس النواب أن الحكومة تمكنت من تأمين جزء كبير من احتياجاتها التمويلية البالغة حوالي 28.188 مليار دينار، حيث حصلت على قروض بقيمة 26.6 مليار دينار حتى نهاية ديسمبر 2024. ومن أبرز الاتفاقيات التي أبرمتها تونس، قرض بقيمة 500 مليون دولار أي ما يقارب 1581 مليون دينار من البنك الإفريقي للتصدير والتوريد، وهذا من شانه ان يساهم في دعم احتياطي العملة الأجنبية وتمويل التزامات الدولة.
واعتبرت نمصية أن إبرام اتفاق مع البنك الافريقي للتصدير والتوريد لاقتراض هذا المبلغ يعد مؤشرا ايجابيا للمستثمرين ويؤكد ثقة المؤسسات الإقليمية والمالية في مناخ الاستثمار في تونس، لانه وفق تحليلها «لا تخاطر المؤسسات المقرضة بمنح تمويلات إلا عند وجود ثقة في مناخ الاستثمار. كما أن اللجوء في بعض الأحيان إلى التداين الخارجي علاوة على توطيد ثقة المستثمرين، فإنه يدعم مخزون العملة الأجنبية، مما يشكل مؤشرا ايجابيا في الإيفاء بالتعهدات المالية وخدمة الدين».
ومع اقتراض تونس حوالي 1581 مليون دينار من البنك الإفريقي للتصدير والتوريد، يعود الحديث الى معضلة التداين الخارجي الذي تستعمله الحكومة كأداة رئيسية في مواجهة العجز المالي المتزايد وبات خلاص هذه الديون يكلف خزينة الدولة موارد مالية هامة. ووفقًا لتقارير وزارة المالية، تبلغ كلفة خدمة الدين الخارجي حوالي 9.4 مليار دينار لسنة 2024. ومع تراجع قيمة الدينار التونسي وارتفاع أسعار الفائدة عالميا ازدادت الأعباء المالية المرتبطة بهذه القروض، مما يضع ضغوطًا إضافية على الميزانية العامة ويجبر الحكومة على البحث عن بدائل اقتصادية تحد من استنزاف موارد الدولة وتخلق ثروة اقتصادية.
وفي إطار السعي لتحقيق هذه الخيارات، تبنت الحكومة إستراتيجية تعتمد على تقليص التداين الخارجي تدريجيًا. وتركز هذه الاستراتيجية على تحسين الموارد الذاتية للدولة من خلال مكافحة التهرب الضريبي، ترشيد النفقات وزيادة كفاءة تحصيل الضرائب. الأمر الذي أكدته أيضا وزيرة المالية حين صرحت :«مشروع قانون المالية لسنة 2025 يضع أولوية للاستفادة من الموارد المحلية» مشيرة إلى أن التوجه نحو الاعتماد على الذات يُمثل ركيزة أساسية لتحقيق الاستدامة المالية.
والمتابع للوضع الاقتصاد الوطني، يدرك جيدا ان الاقتصاد الموازي يعد من أهم تحديات المرحلة بحكم انه يؤثر بشكل مباشر على الإيرادات الضريبية ويعزز من حدة العجز المالي. وللتصدي لهذه الظاهرة، أطلقت الحكومة مبادرات تهدف إلى دمج الأنشطة غير الرسمية في الاقتصاد الرسمي، مثل مشروع «المبادر الذاتي» وتنظيم التجارة الإلكترونية. ومع ذلك، أشارت الوزيرة إلى أن نجاح هذه الجهود يتطلب تعاونًا بين مختلف الأطراف، بما في ذلك وعي المواطن بأهمية الاقتصاد الرسمي.
ورغم ان الدولة كانت سباقة في تبني إصلاحات اقتصادية جذرية سنة 2024 عبر سنها عديد القوانين، بقي الوضع الاقتصادي هشًا. فارتفاع حجم الدين العام شكل خطرا على الاستقرار المالي، خاصة مع تباطؤ النمو الاقتصادي الذي لم يتجاوز 2 بالمائة. لكن يجدر بنا الذكر ان هذه الجهود المبذولة ساهمت بقدر ما في تعزيز الثقة الدولية وتحفيز الاستثمار وبعثت بعض الأمل في تحقيق استقرار اقتصادي. إذ إن تحسين المناخ الاستثماري وزيادة نسق الصادرات يمكن أن يساهم في تقليل العجز المالي على المدى الطويل، خاصة إذا سارعت الحكومة في تنفيذ هذه الإصلاحات الهيكلية.
وعموما تجد تونس نفسها سنة 2025 أمام معادلة صعبة تتطلب توازنًا دقيقًا بين تلبية الاحتياجات الملحة والحد من الاعتماد على القروض الخارجية. ورغم الإشارات الإيجابية التي تبعثها الحكومة حول التزامها بسداد الديون وتنفيذ إصلاحات مالية، يبقى السؤال الكبير: هل تستطيع تونس تحويل هذه التحديات إلى فرص حقيقية لتحقيق الاستقرار المالي والتنمية المستدامة؟ الإجابة تعتمد على مدى نجاح الحكومة في ترجمة وعودها إلى أفعال ملموسة والانطلاق في سنة اقتصادية بامتياز.
من بين عديد الإجراءت التي تشمل ترشيد النفقات والدعم : الحكومة تشرع في برنامج التقاعد المبكر للتقليص من كتلة الأجور في القطاع العام
صدر في الرائد الرسمي في عدده الأخير قرار من رئيس الحكومة مؤرخ بتاريخ 30 ديسمبر 2024 يتعلق …