التعويل على الذات: خيار قيس سعيّد في مواجهة تحدّيات تونس
الرئيس قيس سعيّد متمسك بأفكاره لا يتزحزح عنها وماض في تنفيذها رغم العراقيل والصعوبات، ولا يفوّت فرصة في التأكيد عليها على غرار فكرة التعويل على الذات.
في كلمته التي هنّأ فيها الشعب التونسي بمناسبة حلول السنة الجديدة، وكانت خلال اشرافه على اجتماع مجلس الوزراء، قدم الرئيس التونسي قيس سعيّد رؤية طموحة لمستقبل تونس، اختصرها في خيار التعويل على الذات لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تثقل كاهل البلاد. ودعا الرئيس إلى وحدة وطنية صمّاء تجمع أفراد الشعب تحت مظلة الأهداف المشتركة، مشددًا على أهمية التضحية والابتكار من قبل المسؤولين لتحقيق هذه الرؤية. وكان تأكيده أن المسؤولية تشريف وليست تكليفًا، وأن تونس تخوض «حرب تحرير» جديدة، تعكس رغبته في إعادة بناء الوطن على أسس مستقلة بعيدًا عن الاعتماد المفرط على الخارج. لكن هذا الطموح الكبير يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى واقعية هذا الخيار وفرص تحقيقه في ظل الأوضاع المحلية والدولية الراهنة.
إن خيار التعويل على الذات يحمل في طياته بعدًا أخلاقيًا ومعنويًا مهمًا، إذ يعزز من روح الانتماء الوطني والمسؤولية الجماعية. والتاريخ التونسي يقدّم شواهد عديدة على نجاحات تحققت عندما اتحد الشعب حول أهداف مشتركة، مثل فترة الاستقلال وبناء الدولة الحديثة.
ورغم هذه الصعوبات، تمتلك تونس إمكانات يمكن أن تساهم في إنجاح هذا الخيار إذا ما استُثمرت بذكاء. فالبلاد تتوفر على موارد بشرية شابة ومتعلّمة، قادرة على دفع عجلة التنمية إذا أُحسن توجيهها. كما أن الموقع الجغرافي لتونس في قلب البحر الأبيض المتوسط يوفر فرصة استثنائية لتكون مركزًا تجاريًا واستثماريًا بين إفريقيا وأوروبا. إلى جانب ذلك، تمتلك تونس خبرات متراكمة في قطاعات حيوية كالسياحة والزراعة والصناعات التحويلية، التي يمكن أن تُفعَّل لدعم الاقتصاد المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
لكن التعويل على الذات بمفرده قد لا يكون كافيًا في عالم مترابط تحكمه قوانين السوق المفتوحة والعولمة. فالنظام الاقتصادي العالمي، الذي يُعلي من شأن الربحية على حساب العدالة الاجتماعية، يفرض ضغوطًا كبيرة على الدول النامية. كما ان المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، تضع شروطًا قاسية للحصول على التمويل، مما يحدّ من قدرة الحكومات على تنفيذ سياسات وطنية مستقلة. في هذا السياق، يبدو أن التوفيق بين التعويل على الذات والتعاون مع الشركاء الدوليين هو الخيار الأكثر واقعية.
وبالنظر إلى تجارب دول أخرى يمكن أن تقدم دروسًا قيمة لتونس. رواندا، على سبيل المثال، استطاعت أن تتجاوز آثار الحرب الأهلية المدمرة عبر تبني رؤية وطنية شاملة اعتمدت على القدرات المحلية مع الاستفادة من الدعم الدولي. فيتنام أيضًا نجحت في تحقيق تحول اقتصادي جذري عبر التركيز على تطوير الصناعات الصغيرة والمتوسطة، والاستثمار في التعليم والموارد البشرية. هذه التجارب تُظهر أن النجاح يعتمد على قيادة قوية، وخطط واضحة، وإدارة فعالة للموارد.
ما نسعى الى قوله هو ان رؤية قيس سعيّد للتعويل على الذات تحمل طموحًا مشروعًا، لكنها تتطلب جهدًا استثنائيًا لتجاوز التحديات وتحقيق الأهداف. وان النجاح في هذا الخيار يعتمد على مدى قدرة القيادة السياسية على توحيد الصفوف، وتعبئة الطاقات الوطنية، وإيجاد حلول مبتكرة تجمع بين الاستقلالية والتكيف مع التحديات العالمية. ورغم صعوبة المهمة، الا ان السعي نحو تحقيق هذه الرؤية يفتح الباب أمام أمل جديد في بناء تونس قوية ومستقلة، تكون قادرة على مواجهة أزماتها بإرادة شعبها وإبداعه.
واقع البطالة في تونس: من أجل استرجاع الثقة بين الدولة وطالبي الشغل
تعدّ البطالة من أكبر التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه تونس اليوم، حيث أضحت أزمة …