من لا يملك قوت يومه لا يملك حرية قراره، مقولة يمكن الاستلهام منها تماما مثل كل المقولات المتصلة بالسيادة. والأكيد ان من لا يقدر على الإيفاء بديونه يظل مرتهنا لمن يدين له. وهذه مسائل بديهية نذكّر بها في كل مناسبة ونحن نعيش وضعا اقتصاديا يقرّ الجميع بصعوبته. ولكن رغم كل التحديات ثمة بريق أمل وهناك إمكانات كبرى لتجاوز كل الظروف الصعبة.

ومن الأخبار الإيجابية التي ننهي بها سنة 2024 التي كانت بالغة الصعوبة على المستوى العالمي نجاح تونس في الإيفاء بديونها وهو أمر لا يستهان به بالنظر الى كل الأوضاع الداخلية والخارجية.

وقد جاءت هذه المعلومة على لسان وزيرة المالية السيدة سهام البوغديري نمصية التي أكدت خلال جلسة عامة بمجلس النواب انعقدت تحت قبة باردو يوم الجمعة 27 ديسمبر الجاري ،  على ان تونس ستتمكن من الإيفاء بجميع التزاماتها المالية المنصوص عليها في قانون المالية 2024 بحلول نهاية السنة. وأشارت الوزيرة أيضا إلى ان بلادنا ستصل الى تحقيق نسبة مائة بالمائة من  الوفاء بخدمة الدين.

والحقيقة ان هذه المعطيات بالغة الأهمية فهي بمثابة الطمأنة للداخل والخارج على حد سواء وهي مؤشر على تعزيز الثقة في تونس.

ومن الواضح ان السياسيات المالية المعتمدة اليوم في بلادنا ترتكز أساسا على  التقليص من التداين الخارجي والعمل على الإيفاء بكل الالتزامات المالية في أوانها وهذا يندرج في اطار مبدإ التعويل على الذات وعدم إرتهان القرار التونسي للمانحين الدوليين.

وهذا ما اتضح بجلاء في كلمة وزيرة المالية تحت قبة البرلمان إذ أكدت أن ميزانية الدولة المخصصة لعام 2025 تهدف الى تكريس مبدإ التعويل على الذات من خلال العمل على تقليص عجز الميزانية وتحسين الموارد الذاتية وترشيد النفقات وتقليصها.

كما أن الحكومة التونسية تعمل جاهدة على التقليص بشكل كبير من التداين الخارجي  حتى يكون في حدود ممكنة هذا مع العمل على الاستفادة من كل الفرص السانحة من التمويلات الخارجية وذلك بغية التقليل من الضغط على السوق الداخلية بالإضافة الى دعم مخزون العملة الصعبة.

ويبدو أن الاستراتيجية المالية التي تنتهجها الحكومة تقوم على رؤى دقيقة تتمثل بالأساس في المراهنة على خلق توازن بين التمويل الداخلي والخارجي. ومن المعلوم أن تونس نجحت وهذا من المؤشرات الإيجابية أيضا في التقليل من الاعتماد على التمويل الأجنبي في سنة 2024 بالمقارنة مع الأعوام التي سبقتها.

ويبدو الهدف الأسمى في هذه المرحلة هو تحقيق الاستدامة المالية التي تعني التعامل بحكمة من اجل التأقلم مع التحديات الاقتصادية والمالية المطروحة في الوقت الراهن. وهذا لا يكون سوى بالاجتهاد من أجل تحسين المداخيل وتطوير إمكانات الاستثمار الاقتصادي بالإضافة الى ترشيد الإنفاق.

إذن تختم تونس السنة الحالية بفتح آفاق واعدة على عام جديد وبمؤشرات إيجابية في المجال المالي فقد نجحت في الإيفاء بديونها وهذا أمر لا يستهان به. نظرا لتداعياته المهمة في تعزيز الثقة في بلادنا من قبل الشركاء والمانحين الدوليين الذين من شأنهم ان يطمئنوا في التعامل المالي مع الحكومة التونسية كما يدعم إمكانات الاستثمار الخارجي في تونس لأن الوضع المالي مستقر ولا يمكن الخشية منه وهذا أيضا من المؤشرات المهمة التي ينظر اليها سواء المستثمر الأجنبي أو الجهة المانحة.

ورغم التحديات الصعبة محليا وإقليميا وعالميا وحتى داخليا إلا أن تونس ماضية قدما في السياسات المالية والاقتصادية التي انتهجتها في السنوات الأخيرة ومن بينها مسألة الاستدامة المالية والتعويل على الذات والانفتاح على الشركاء والمانحين من اجل تعاملات على أساس الندية والاحترام المتبادل ضمانا للسيادة الوطنية وعدم ارتهان القرار الوطني لأي طرف مهما كان. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في مطلع السنة الجديدة ملفات حارقة على طاولة الحكومة التونسية : ..والأولوية للملفين الإقتصادي والإجتماعي

انطوت سنة 2024 بحلوها ومرّها وطويت معها صفحة أخرى من الزمن حملت الكثير من الأحداث الفارقة.…