2024-12-29

حصيلة الأحداث الاقتصادية والاجتماعية في تونس لسنة 2024 : المنجز إيجابي نسبيا.. والانتظارات كبيرة…

شهدت تونس في سنة 2024 مجموعة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية.ولئن تمكنت البلاد على الصعيد السياسي، من إتمام استحقاقات دستورية هامة، مثل الانتخابات الرئاسية وتشكيل المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وبالتالي استكمال البناء المؤسساتي. فان الاقتصاد استمر في مواجهة صعوبات كبيرة، حيث بلغ نموه %1.6 فقط، وتراجعت نسبة الاستثمار إلى %15.7 من الناتج المحلي الإجمالي. كما بلغ العجز المالي %6.4 وارتفع الدين العمومي ليصل إلى %80 من الناتج المحلي الإجمالي.

رغم هذه الصعوبات، عرفت بعض القطاعات مثل الفلاحة والسياحة تحسنًا طفيفًا، مما ساعد على تقليص العجز الجاري. إلا أن البطالة، خاصة بين حاملي الشهادات العليا، بالإضافة إلى التضخم، ما يزالان يشكلان تحديات رئيسية للبلاد.

واتسمت سنة 2024 بالتغييرات على مستوى التشكيلة الحكومية، حيث عيّن رئيس الجمهورية قيس سعيّد كمال المدوري رئيساً للحكومة خلفاً لأحمد الحشاني خلال شهر اوت 2024 ، ليضع أمامه أولويات النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتحسين مستوى الخدمات للتونسيين من خلال تعزيز الاهتمام بالملف الاجتماعي. فقد أكد رئيس الجمهورية منذ اجتماعه الأول مع المدوري على ضرورة الإسراع بتعديل القوانين وتبسيط الاجراءات، بما يضمن حقوق العمال ويكرس الدور الاجتماعي للدولة.

المشهد الاقتصادي: بين الأزمات والمساعي الإصلاحية

وواصلت المالية العمومية تسجيل اختلالات ملحوظة مع تصاعد مستوى الدين العمومي الذي تجاوز 80% من الناتج المحلي الإجمالي. ودفعت هذه الضغوط الحكومة إلى الاعتماد على موارد الدولة الذاتية والاقتراض الداخلي مقابل تراجع الاقتراض الخارجي في اطار سياسة التعويل على الذات.

وواجهت الحكومة معضلة التضخم الذي بدأ في التراجع التدريجي خلال هذا العام. وارتبط هذا التضخم بارتفاع أسعار السلع الأساسية والطاقة، إلى جانب تأثيرات ضعف الدينار التونسي أمام العملات الأجنبية.

في المقابل، شهدت سنة 2024 إطلاق بعض المشاريع الاستراتيجية في الطاقات المتجددة والبنية التحتية، تهدف إلى جذب استثمارات خارجية. ومن أبرزها مشاريع إنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية، التي وُضعت في إطار الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.

وحققت بلادنا تحسنا نسبيا في التصدير، حيث شهد قطاعا الفوسفات والصناعات الغذائية انتعاشة طفيفة. غير أن العجز التجاري بقي تحديًا هيكليًا يستنزف العملة الصعبة. ولم يحقق الاستثمار الداخلي أو الخارجي، النمو المتوقع لتغذية الاقتصاد بمزيد من فرص العمل.

إجراءات قانون المالية 2025

وتولّت حكومة المدوري منذ انطلاق مهامها الشروع في اصلاح بعض التشريعات من ذلك قوانين الصفقات العمومية لتسريع انجاز المشاريع. وتم اقرار جملة من الإجراءات الاجتماعية والجبائية الجديدة ضمن قانون المالية لسنة 2025، والتي تهدف إلى تعزيز الدور الاجتماعي للدولة وتحسين الظروف الاقتصادية للفئات الضعيفة ومحدودة الدخل.

وقد تضمنت هذه الإجراءات إعفاءات ضريبية، وإنشاء صناديق اجتماعية للتأمين ضد المرض وحوادث الشغل وفقدان مواطن الشغل، فضلاً عن تخفيف الأعباء الجبائية على ذوي الإعاقة. كما شملت التدابير تحسين القدرة الشرائية للمواطنين عبر تخفيض الضرائب على الدخل وزيادة الجرايات والأجور الدنيا، إلى جانب تقديم منح وقروض لدعم الأسر الفقيرة وتشجيع المبادرات الفردية. تأتي هذه الخطوة ضمن استراتيجية شاملة لتعزيز العدالة الاجتماعية وتحفيز النمو الاقتصادي في البلاد.

وأكد بدوره، عصام شوشان، رئيس لجنة المالية بالبرلمان في تصريح لـ«الصحافة اليوم»، أن قانون المالية لسنة 2025 يهدف إلى تعزيز الدور الاجتماعي للدولة، حيث يتضمن العديد من الإجراءات التي تعكس السياسة العامة للدولة. أبرز هذه الإجراءات هي تخصيص موارد لصندوق دعم فاقدي مواطن العمل، وحوادث الشغل، والعاملات الفلاحيات، إضافة إلى دعم الفئات الهشة والمستثمرين الشبان والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وصغار الفلاحين. كما تضمن القانون مواد تتعلق بإدماج عمال الحضائر، وقانون المسؤولية الطبية، وعطلة الأمومة والأبوة، وكذلك قانون الشيكات.

وتحدث شوشان عن التحديات التي تواجه الدولة، مشيرًا إلى ضرورة العمل على تقليص نسبة البطالة، خاصة بين حاملي الشهادات العليا، والتخفيض في أسعار المواد الأولية الاستهلاكية، والعمل على الحد من ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية. من الناحية الاقتصادية، أضاف شوشان أن التشجيع على الاستثمار يعد أولوية هامة من أجل خلق الثروة.

كما أعرب عن رضاء لجنة المالية في البرلمان عن أعمالها في سنة 2024، مؤكدًا أن المجلس نجح في تجنب اعتماد قانون مالية تكميلي للمرة الأولى. بدلاً من ذلك، تم إقرار قوانين مثل العفو الجبائي التي موّلت ميزانية الدولة، ما أدى إلى تحقيق فائض في التوقعات خلال السداسي الأول من العام.

وفي ما يتعلق بالأولويات المستقبلية، أشار شوشان إلى أهمية التنسيق بين الوظيفة التشريعية والوظيفة التنفيذية لإيجاد حلول جذرية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية. وأكد أن بلوغ نسبة نمو %3.2، كما هو محدد في الميزان الاقتصادي، يتطلب العمل على تنفيذ الفرضيات التي حددت في ميزانية الدولة للعام 2025.

المنجز التشريعي

وعن الحصيلة التشريعية، أفاد رياض جعيدان، مساعد رئيس مجلس نواب الشعب المكلف بالإصلاحات الكبرى في حديث لـ«الصحافة اليوم»، أنه منذ تولي البرلمان مهامه وحتى نهاية ديسمبر 2024، تمت المصادقة على 64 قانونا، منها 25 قرضًا تتوزع بين 18 قرض استثمار و7 قروض استهلاك. ومن أبرز القوانين التي تمت المصادقة عليها: قانون المالية لسنة 2025، تنقيح المجلّة التجارية (قانون الشيكات)، قانون المسؤولية الطبية، القانون الانتخابي، وتنقيح مرسوم الصلح الجزائي.

وأكد جعيدان أن المجلس أنجز جميع مشاريع القوانين التي وردت إليه خلال سنة 2024، مع التركيز على تعزيز السياسات الاقتصادية والاجتماعية. وأوضح أن أولويات المجلس لعام 2025 ستكون استكمال الإصلاحات الكبرى، وتحسين المنظومات القانونية في مجالات التعليم والصحة والاستثمار، وتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد. كما يسعى المجلس لتحسين الخدمات العمومية وضمان الحماية الاجتماعية، مع السعي لمواجهة تحديات التنمية والميزانية من خلال ضمان توافق بين جميع الأطراف لتحقيق طموحات الشعب.

وفي ما يتعلق بالملف الاقتصادي، أكد جعيدان أن التحويلات المالية للتونسيين في الخارج تعتبر من العوامل المهمة في دعم الاقتصاد الوطني، مشيرًا إلى ضرورة تحفيزهم على الاستثمار في تونس لخلق فرص الشغل.

وتطرق جعيدان أيضًا إلى ضرورة إجراء ثورة تشريعية تشمل تغيير مجلة الصرف والاستثمار، إصلاح قانون القطاع العام والخاص، بالإضافة إلى مراجعة قانون البنك المركزي.

كما شدد على أن سنة 2025 يجب أن تحمل معها الجرأة والصراحة في تنفيذ الإصلاحات، لضمان تأمين الاقتصاد التونسي والاجتماعي بما يضع البلاد على «شط الأمان».

بين النمو المتواضع والتحديات المالية

ويرى من جانبه الخبير الاقتصادي محسن حسن، في تصريح لـ«الصحافة اليوم»، أن عام 2024 يتضمن إيجابيات وتحديات للاقتصاد التونسي. حيث أبرز أن النمو الاقتصادي في 2024 سيبقى متواضعاً، ومن المتوقع أن لا يتجاوز %1.6 في أفضل الحالات، مقارنة بنمو بلغ  %4.7 في 2021، والنمو الذي تحقق في 2023 الذي اقترب من الصفر. ويرجع ذلك إلى الأزمة العالمية المستمرة بسبب جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية.

وأشار إلى أن هناك بعض القطاعات التي شهدت تحسناً مثل الفلاحة والسياحة والخدمات، بينما تراجعت قطاعات أخرى مثل الفوسفات والمواد الاستخراجية والنسيج والبترول. كما أشار إلى أن نسبة الاستثمار تظل ضعيفة، ولن تتجاوز ٪15٫7 من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعكس تدهور مناخ الأعمال. وفي المقابل، سجل تحسن في بعض المؤشرات مثل تحويلات التونسيين في الخارج وتحسن القطاع الفلاحي، خصوصاً زيت الزيتون، مما ساهم في تقليص العجز الجاري إلى 2.2% من الناتج المحلي الإجمالي.

من الناحية المالية، أشار محسن حسن إلى أن العجز الاقتصادي سيكون في حدود %6.4، وهو يتطلب جهوداً كبيرة لمعالجته. كما أوضح أن الدين العمومي سجل ارتفاعاً حيث يصل إلى %80 من الناتج المحلي الإجمالي (140 مليار دينار)، مشيراً إلى أن الدين الداخلي أصبح يمثل أكثر من %50 من الناتج المحلي الإجمالي. ورغم أن زيادة الدين الداخلي يمكن أن تقلل من المخاطر الخارجية، فإن لها تأثيراً سلبياً على التضخم والاستثمار.

وطرح محسن حسن أربعة تحديات رئيسية تواجه الاقتصاد التونسي في 2024: أولاً، تعبئة الموارد المالية بما أن خدمة الدين ستصل إلى 18.2 مليار دينار.

ثانياً، ضرورة وضع خطة عاجلة للاستثمارات العمومية في القطاعات الأساسية مثل النقل والصحة والتعليم.

ثالثاً، تحريك الاستثمارات الخاصة في القطاعات الواعدة مثل الفلاحة والطاقة البديلة وتكنولوجيا المعلومات.

رابعا، تنويع أسواق التصدير والشراكات الاقتصادية.

وفي ما يخص الإجراءات الاجتماعية، أشار إلى أهمية مراجعة جدول الضريبة وصندوق تعويض فقدان مواطن العمل، مع التأكيد على أن دور الدولة في ضمان العدالة الاجتماعية لا يكفي من دون تحسن حقيقي في النمو الاقتصادي، لتحقيق توزيع أفضل للثروة وليس توزيع الفقر.

وكان عام 2024 بمثابة اختبار لقدرة تونس على تجاوز تحدياتها الاقتصادية والاجتماعية. ورغم العقبات الكبرى التي تواجه البلاد، أبرزها العجز المالي وارتفاع معدلات البطالة، فإن تونس تمكنت من المحافظة على التوازنات المالية.

والمطلوب في المرحلة المقبلة هو التركيز على استمرار الاستقرار السياسي، وتسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بما يضمن استدامة التنمية وتوفير فرص العيش الكريم لجميع التونسيين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

تفعيل الدبلوماسية التونسية في سنة 2025: تعزيز السيادة والتوسع الاقتصادي في مواجهة التّحديات العالمية

تواجه الدبلوماسية التونسية في سنة 2025 تحديات كبيرة تعكس التحولات الإقليمية والدولية السري…