إثر الأمطار الأخيرة : تحسّن طفيف في منسوب السدود و تفاؤل بالموسم الشتوي
شهدت تونس خلال الأيام القليلة الماضية تحسنًا طفيفًا في نسبة امتلاء السدود، وذلك بعد نزول كميات من الأمطار التي ساهمت جزئيًا في إنعاش بعض المناطق التي تعاني من شُح الموارد المائية. ورغم أن هذا التحسن لم يكن بالقدر الكافي لتغطية النقص الحاد الذي تعيشه البلاد منذ سنوات، إلا أنه يبعث ببعض الآمال في إمكانية تسجيل تحسن تدريجي مع تواصل الموسم الشتوي.وتشير آخر المؤشرات الأولية إلى أن نسبة امتلاء السدود الكبرى في الشمال الغربي ، والتي تعد الخزان الرئيسي للمياه في البلاد شهدت زيادة طفيفة بعد التساقطات الأخيرة. فقد سجل سد سيدي سالم الذي يعد أحد أكبر السدود وأكثرها استراتيجية في البلاد تحسنًا طفيفًا في منسوب المياه ليصل إلى 18.5 %. هذه النسبة رغم محدوديتها تفتح المجال للتفاؤل الحذر بشأن الوضع المائي خلال الفترة القادمة خاصة مع توقعات بمزيد من الأمطار خلال الأسابيع المقبلة.
الوضع مازال في مرحلة الخطر
ورغم هذا التحسن النسبي تواصل السلطات اتخاذ إجراءات لدعم المخزون المائي حيث تواصلت عمليات تحويل المياه بين السدود لتعزيز التوزيع العادل بين المناطق التي تعاني من نقص حاد.
في هذا السياق تم نقل كميات إضافية من مياه سد بوهرتمة إلى سد سيدي سالم لتعزيز قدرته على مواجهة الطلب المتزايد، خصوصًا مع تراجع الإمدادات في المناطق المحاذية. وفي الوقت ذاته دعت الجهات المختصة المواطنين والفلاحين القاطنين بمحاذاة الأودية إلى اتخاذ الاحتياطات اللازمة تحسبًا لأي ارتفاع مفاجئ في منسوب المياه نتيجة عمليات التحويل أو استمرار الأمطار في النزول وهو ما يُبقي الوضع تحت المراقبة الدائمة.
لكن ورغم هذه الإجراءات يرى عدد من المتابعين أن الأمطار الأخيرة لم تفِ بالغرض المنتظر، حيث ظلت معدلات الامتلاء في السدود دون المستوى المطلوب لمجابهة الحاجيات المتزايدة . و وفق تصريحات صادرة عن الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري ما تزال وضعية السدود حرجة ، إذ لم تتجاوز نسب الامتلاء في بعض المناطق الحيوية كجهة الوسط 12.5 %، بينما سجلت مناطق أخرى مثل الوطن القبلي نسبة 14.2 %. وتظل هذه النسب رغم التحسن الطفيف بعيدة عن المعدلات المطمئنة التي يمكن أن تضمن استدامة الموارد المائية وتأمين احتياجات الفلاحة والاستهلاك البشري في الأشهر القادمة.
وأمام هذه الوضعية تتزايد الدعوات لتكثيف الجهود في ترشيد استهلاك المياه خاصة في القطاعات التي تعتمد بشكل كبير على الموارد السطحية مثل الفلاحة والري. كما تُثار أسئلة حول نجاعة الإجراءات الاستراتيجية التي تم اتخاذها في السنوات الأخيرة لمواجهة الجفاف المتكرر وتراجع المخزون المائي. وفي هذا الإطار تشدد الجهات الرسمية على ضرورة التسريع في تنفيذ مشاريع تحلية المياه، خاصة في المناطق الساحلية التي يمكن أن تستفيد من البحر كمصدر بديل، إلى جانب تعزيز استخدام التقنيات الحديثة في الري وترشيد الاستهلاك المائي.
وتبرز أهمية هذه الخطط في ظل ما تعيشه تونس من تحديات مناخية مستمرة حيث أصبحت فترات الجفاف أكثر تواترًا، في حين أصبحت الأمطار غير منتظمة، مما أدى إلى تعقيد عملية إدارة الموارد المائية. ويدعو المختصون إلى وضع استراتيجية شاملة تتضمن حلولًا مستدامة طويلة المدى تتجاوز المعالجات الظرفية التي قد تكون ذات أثر محدود أمام استمرار تغير المناخ.
وفي هذا السياق تراهن الجهات المختصة أيضًا على مزيد من التوعية بأهمية الحفاظ على المياه ليس فقط على المستوى الفردي بل أيضًا في المؤسسات الصناعية والقطاع الفلاحي باعتبارهما من أكبر المستهلكين للمياه .
ويُنتظر أن تُكثف هذه الحملات في الفترة المقبلة مع استمرار أزمة الجفاف خاصة أن المخاوف تتزايد من أن تكون الأمطار الحالية مجرد موجة مؤقتة لا تُحدث فرقًا كبيرًا في تعزيز مخزون المياه.
أما من ناحية التوقعات المستقبلية فيعول الخبراء على استمرار نزول الأمطار في الأسابيع المقبلة مع تقدم موسم الشتاء خاصة أن تونس تعوّل بشكل كبير على التساقطات الشتوية لتعزيز المخزون المائي بالسدود والأودية. ومع ذلك تبقى هذه التوقعات رهينة المتغيرات المناخية التي يصعب التنبؤ بها بدقة، وهو ما يستوجب استمرار حالة التأهب واليقظة.
وبين التحديات المطروحة والآمال المعقودة على مزيد من الأمطار، يظل الوضع المائي في تونس بحاجة إلى رؤية استراتيجية متكاملة تأخذ في الاعتبار التطورات المناخية والضغوط الديمغرافية المتزايدة، إلى جانب تعزيز البنية التحتية وتطوير تقنيات تخزين المياه ومعالجتها. ومع استمرار الوضع تحت المراقبة الحذرة، يتعين على الجميع، سواء مواطنين أو مسؤولين، المساهمة في تعزيز الوعي بأهمية المحافظة على الموارد المائية لضمان الأمن المائي للأجيال القادمة.
نتيجة تسرّب «القاتل الصامت» : تسجيل 900 ألف حالة اختناق سنويا ودعوة ملحّة إلى مزيد الحذر واليقظة
تواترت منذ دخول فصل الشتاء حالات الاختناق بالغاز أوما يصطلح على تسميته «بالقاتل الصامت» حت…