تغييرات جوهرية في تمثيل الكتل والمستقلين: انتخاب أعضاء اللجان القارة السيادية، وفق ديناميكية التحالفات والتحدّيات البرلمانية
استكمل مجلس نواب الشعب أمس الأوّل انتخاب أعضاء اللجان القارة السيادية وعددها 13، والتي تُعتبر من بين أبرز الآليات التي يُرتكز عليها في تنظيم العمل التشريعي والرقابي. ومن المنتظر ان تعقد جلسة عامة انتخابية في الأيام القادمة، لتوزيع المهام وضبط مكاتب اللجان القارة والتي تشمل رئيس اللجنة والنائب والمقرر.
وبدأ المجلس منذ يوم الأربعاء الماضي عملية انتخاب أعضاء بقية اللجان القارة، حيث تختلف تركيبتها وفق طبيعة مهامها. وتتكون كل من لجنة التشريع العام ولجنة المالية والميزانية من 15 عضوًا، في حين تضم بقية اللجان 10 أعضاء، ويشمل جدول اللجان 13 لجنة رئيسية.
وتم المرور إلى دورة ثانية بهدف استكمال تركيبة اللجان المعنية بالمقاعد الشاغرة، بما يتماشى مع مقتضيات الفصل 52 من النظام الداخلي للمجلس.
وشهدت العملية الانتخابية توترات حادة بين الكتل البرلمانية، خاصة بسبب الاختلافات في الالتزام بالتمثيل النسبي الذي ينص عليه النظام الداخلي. حيث اعتبر بعض النواب أن بعض الكتل لم تلتزم بتحالفاتها، ما انعكس على التصويت وتركيبة اللجان. وأثار ذلك جدلاً حول كيفية تطبيق مبدإ التمثيل النسبي، الذي يُراعى فقط في الترشحات للجان، وليس في عملية الانتخاب نفسها.
وقام بعض النواب بتقديم طعون حول انتخاب بعض اللجان، إلا أن مكتب البرلمان رفض هذه الطعون، استنادًا إلى أن التوقيت لم يكن مطابقًا لمقتضيات النظام الداخلي. في حين أشار رئيس المجلس إلى أن الفصل 52 يضمن حقوق الجميع، موضحًا أن مسؤولية التنسيق بين الكتل لضمان تمثيل جميع الأطراف بالشكل الصحيح تقع على عاتق الكتل النيابية.
وينص الفصل 52 من النظام الداخلي للبرلمان على ضرورة مراعاة التمثيل النسبي للكتل النيابية وغير المنتمين في تشكيل اللجان.
وبحسب التغييرات التي طرأت على تركيبة الكتل، يمثل النواب غير المنتمين الأعضاء الأكثر حجما بـ28 عضوًا، تليهم كتلة الأمانة والعمل بـ27 عضوًا، ثم كتلة صوت الجمهورية بـ25 عضوًا، وكتلة الأحرار بـ23 عضوًا فكتلة الكتلة الوطنية المستقلة بـ18 عضوًا وكتلة لينتصر الشعب بـ17 عضوًا، وأخيرًا كتلة الخط الوطني السيادي بـ15 عضوًا. ومن المنتظر ان تحظى الكتل الأولى بأغلبية بارزة وسط اللجان.
وللتذكير، عملية انتخاب اللجان القارة خلال الدورة البرلمانية الأولى لسنة 2023 تمت بتوافق تام بين النواب وبشكل سلس. ولكن في هذه المرة، شهد مسار تجديد الهياكل العديد من المفاوضات والنقاشات والتحالفات بين مختلف الكتل البرلمانية والنواب غير المنتمين، الذين اكتسبوا خبرة أكبر في العمل البرلماني.
هذه الديناميكية الجديدة في البرلمان انعكست على سير عملية الانتخابات، حيث تعقدت بعض الأمور بسبب تباين الرؤى بين الأطراف المختلفة، ما ساهم في تطور الخلافات السياسية حول تمثيل كل كتلة في اللجان.
جدل حول التمثيل النسبي
وحول سير العملية الانتخابية بيّن النائب وليد الحاجي عضو لجنة الانتخابات بمجلس نواب الشعب في تصريح لـ«الصحافة اليوم» أن العملية الانتخابية لتشكيل اللجان تمت وفقًا للنظام الداخلي، مع إعادة انتخابات جزئية في أربع لجان لسدّ الشغورات، ما أفضى إلى اختيار خمسة نواب إضافيين.
وأكد الحاجي أن العملية تمت بسلاسة حيث قدمت لجنة الإحصاء والفرز محاضر رسمية تلاها إعلان النتائج. وشدد على أن الجدل الذي دار بين بعض النواب يعكس خلافًا حول النتائج وليس تعقيدًا في العملية، مشيرًا إلى أن الطعون التي قُدمت بحجة عدم احترام التمثيل النسبي تم رفضها لعدم استنادها إلى مخالفات قانونية. كما أوضح أن التمثيل النسبي ينطبق على الترشحات وليس على عملية الانتخاب نفسها، مع التأكيد على تمثيل جميع الكتل وغير المنتمين.
وانتهت الانتخابات بتكوين كامل للجان القارة، ما يتيح توزيع المهام بين رؤساء اللجان ونوابهم والمقررين قريبًا، لتعزيز جاهزية اللجان في مناقشة المشاريع المطروحة بكفاءة. وأضاف أن المرحلة القادمة تتطلب تجاوز الخلافات السياسية وتوحيد الجهود لتحقيق نجاعة تشريعية ترتكز على خدمة المصلحة الوطنية.
وشدد الحاجي على أهمية التعاون بين النواب، مؤكداً أن الاختلافات في الطرح هي جزء من العملية الديمقراطية، ولكن التركيز على الإنجاز هو المفتاح لتحقيق أهداف الشعب.
النجاعة البرلمانية تحت المجهر
وسينعكس تغير موازين القوة داخل قبة باردو على نجاعة العمل البرلماني. فاللجان القارة، تعد الركيزة الأساسية في معالجة الملفات التشريعية والرقابية، وتلعب دورًا محوريًا في تعزيز العمل البرلماني، حيث تُعهد إليها مهام تشريعية ورقابية وانتخابية. وتتمثل وظيفتها الأساسية في دراسة مشاريع ومقترحات القوانين المُحالة إليها من قبل المجلس، قبل عرضها على الجلسة العامة للتصويت. إلى جانب ذلك، تنظر اللجان في جميع الملفات والقضايا ذات الصلة باختصاصاتها، كما تُسهم في متابعة تنفيذ السياسات الحكومية.
من جهة أخرى، ينص الفصل 33 من النظام الداخلي للبرلمان على أن اللجان القارة تعمل باستمرار حتى أثناء العطلة البرلمانية، مع إعادة انتخابها وانتخاب مكاتبها في بداية كل دورة عادية انطلاقًا من الدورة العادية الثالثة.
وهذه الديناميكية الجديدة، تعتبر دليلاً على نضج العمل البرلماني وتطور الممارسة التشريعية، حيث تحولت عملية الانتخاب إلى أكثر من مجرد تشكيل لجان بل إلى مؤشّر على توزيع المهام بين الأطراف المختلفة وضمان التوازن السياسي داخل المؤسسة التشريعية.
وبهذه التركيبة الجديدة ينطلق مجلس نواب الشعب إلى مرحلة جديدة تحمل تحديات كبيرة تتعلق بتقديم حلول واقعية للمشاكل الوطنية وتعزيز مكانته كمؤسسة فعالة في النظام السياسي وتحقيق الثورة التشريعية المنتظرة.
ارتفاع تحويلات التونسيين بالخارج لفائدة احتياطي العملة الصعبة: مؤشرات إيجابية ..في انتظار تحقيق التوازن التام
سجّل الحجم الاجمالي لإعادة تمويل البنك المركزي التونسي للسوق النقدية تراجعا بنسبة 23 بالما…