المشروع الاجتماعي لقيس سعيّد رؤية جديدة في مواجهة التحدّيات المحلية والعالمية
في خضم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بتونس، يبدو المشروع الاجتماعي الذي يطرحه الرئيس قيس سعيّد كاستجابة حاسمة لتطلعات الشعب نحو العدالة والكرامة.
خلال لقائه الأخير مع رئيس الحكومة كمال المدوري، شدّد الرئيس قيس سعيّد على ضرورة صياغة تشريعات جديدة تعكس انتظارات المواطنين وتستجيب لحاجاتهم المُلّحة. إلا أن هذه التشريعات، كما أوضح، يجب أن تتجاوز التغيير الشكلي إلى إحداث تحول جوهري في المفاهيم التي تحكم العلاقة بين الدولة والمجتمع، لتكون نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة من تاريخ تونس.
وقيس سعيّد يرى أن أي مشروع اجتماعي لا يمكن أن ينجح إلا إذا استند إلى شعور قوي بالمسؤولية والإرادة الجماعية. بالنسبة له، المرحلة الحالية هي سباق ضد الساعة، حيث يجب على المسؤولين أن يتجاوزوا العقبات التي وضعتها المنظومة القديمة، تلك التي تحاول إعادة تموضعها من جديد. وبالتالي فان هذه المرحلة تتطلب، بحسب الرئيس، إعادة بناء الثقة بين الدولة والشعب، حيث تصبح التشريعات أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية بدلاً من أن تكون مجرد نصوص قانونية جامدة تخدم مصالح فئة دون أخرى.
لكن ما يجب ملاحظته هو ان المشروع الاجتماعي للرئيس قيس سعيّد يتحدى المفاهيم السائدة في الاقتصاد العالمي اليوم. لأنه في عالم تهيمن عليه الرأسمالية النيوليبرالية، أصبحت قوانين السوق تُدار بطريقة دهست كل ما يخص الإنسان وحياته المعيشية، حيث تقلصت قيم التضامن الاجتماعي، وتراجعت الدولة عن دورها التقليدي كحامٍ للحقوق الاجتماعية. إلا أن سعيّد يبدو مصممًا على مواجهة هذه التحديات من خلال رؤيته التي تضع الإنسان في قلب التنمية، مشددًا على أهمية التشريعات ذات البعد الاجتماعي، التي لا تهدف فقط إلى التوزيع العادل للموارد، ولكن أيضًا إلى إرساء قيم جديدة تعزز العدالة والمسؤولية المشتركة.
غير أن هذا الطموح يصطدم بجملة من التحديات. داخليًا، تعاني تونس من أزمة اقتصادية خانقة تتسم بارتفاع المديونية، وغلاء المعيشة، وتراجع الخدمات الأساسية. هذه الأزمة تجعل من الصعب توفير الموارد المالية الكافية لتمويل مشاريع اجتماعية طموحة. بالإضافة إلى ذلك، تعاني مؤسسات الدولة من ضعف في الكفاءة وغياب التنسيق، ما يعرقل تنفيذ السياسات بفعالية.
على الصعيد العالمي، تشكل قوانين السوق المفتوحة وتداعيات العولمة تحديًا آخر أمام المشروع الاجتماعي. ففي نظام اقتصادي عالمي يُعلي من شأن الربحية على حساب الإنسان، تبدو أي محاولة لإعادة توزيع الثروة أو تعزيز العدالة الاجتماعية وكأنها معركة ضد التيار. إلا أن الرئيس يبدو واعيًا بضرورة التوفيق بين المتطلبات المحلية والضغوط الخارجية، من خلال تبني سياسات ذكية تحقق التوازن بين الانفتاح الاقتصادي وحماية الحقوق الاجتماعية.
والأهم انه في مواجهة هذه التحديات، يمتلك مشروع قيس سعيّد فرصًا واقعية للنجاح إذا ما تم تبني نهج شامل ومتكامل. أحد مفاتيح النجاح يكمن في إشراك المجتمع المدني والمنظمات المحلية في تنفيذ هذا المشروع، إلى جانب تحسين كفاءة المؤسسات الحكومية وضمان شفافيتها. علاوة على ذلك، يمكن استغلال التطورات التكنولوجية لتعزيز الكفاءة في توزيع الموارد، وضمان وصول الخدمات إلى مستحقيها.
وفي المجمل فإن المشروع الاجتماعي للرئيس قيس سعيّد ليس مجرد محاولة لإصلاح الوضع الراهن، بل هو رؤية أوسع لإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع. هو دعوة إلى صياغة تاريخ جديد لتونس، تاريخ يقوم على تحقيق العدالة الاجتماعية في وجه التحديات المحلية والعالمية. ورغم الصعوبات الهائلة، فإن هذا المشروع يحمل في طياته الأمل في بناء دولة تعيد الاعتبار للإنسان، وتجعل من القيم الاجتماعية حجر الأساس لمستقبلها.
البيئة بوابة التقدم : بين الوعي الشعبي والسياسات الوطنية
تُعد البيئة النظيفة الركيزة الأساسية التي تقوم عليها المجتمعات المزدهرة، فهي ليست مجرد عام…