أحداثه مستوحاة من قصة عائلة السلطاني، فيلم «الذراري الحمر» للطفي عاشور، يتوج بالتانيت الذهبي: بساطة، رمزية وعمق.. في معالجة قضايا الإرهاب
توج الفيلم التونسي «الذراري الحمر»، للمخرج لطفي عاشور، بجائزة «التانيت الذهبي» لمسابقة الأفلام الروائية الطويلة بأيام قرطاج السينمائية في دورتها الخامسة والثلاثين، التي اختتمت مساء السبت بمدينة الثقافة.
كما نال الفيلم جائزة الجمهور للفيلم الروائي الطويل مناصفة مع الفيلم السوري «سلمى»، بالإضافة الى حصوله على جائزة نقابة الصحفيين لسينما المقاومة ضمن الجوائز الموازية.
وفي كلمة بالمناسبة، أعرب فريق الفيلم عن سعادتهم الغامرة بالتتويج بالتانيت الذهبي، وأشار المخرج لطفي عاشور إلى أنّ هذا الفيلم مهدى لروح الشقيقين مبروك وخليفة السلطاني اللذين ذهبا ضحية الإرهابيين (حيث تمّ ذبحهما في جبل المغيلة 2015 و2017 )، كما أهدى التتويج بهذا العمل إلى الفلسطينيين الذين يعانون من وطأة الاحتلال الصهيوني منذ سنوات.
«والذراري الحمر» هو فيلم درامي طويل من إنتاج مشترك تونسي، فرنسي، وبلجيكي أخرجه لطفي عاشور وكتبه مع درية عاشور وناتشا دو بونشارة وسيلفان كاتونوا.
ويروي الفيلم قصة طفلين يواجهان قسوة الحياة والإرهاب في جبل المغيلة من ولاية سيدي بوزيد وذلك في إشارة الى حادثة كل من خليفة ومبروك السلطاني، حيث يتأثر الطفل «اشرف» بجريمة قتل مروعة يتعرض لها ابن عمه، ليعيش آثار هذه الصدمة النفسية العميقة، ويعبر عن معاناته بإعادة إنتاج مشاهد العنف في حوار نفسي مستمر.
ويعكس عنوان الفيلم المحور الأساسي للعمل حيث شدد لطفي عاشور على التسمية خلال العرض الأول للفيلم امام جمهور أيام قرطاج السينمائية. وابرز في هذا الاطار ان «الذراري» تشير إلى الأطفال، و«الحمر» إلى الشجاعة. وهذا التوصيف يُعبّر عن التّحول النفسي الذي يعيشه الأطفال في الفيلم، حين يجدون أنفسهم في مواقف صعبة جدا تتطلّب شجاعة وصمودا.
وهكذا اشتغل الفيلم على تحويل قصة عائلة السلطاني من مأساة خارجية إلى رحلة داخلية معقدة يعيشها الاطفال بدرجة رئيسية، حيث يبدأ «أشرف بالتفاعل مع رؤى شبح ابن عمه «نزار»، مما يدخله في حالة نفسية تجمع بين الواقع والخيال في محاولة لفهم ما حدث والتعامل مع صدمته العميقة.
وتكاملت عدة عناصر في الفيلم، جعلته عملا مميزا يجمع بين البساطة والعمق في نفس الوقت. فالأداء التمثيلي، وخاصة من الطفل «علي الهلالي» الذي أدى دور البطولة، كان مؤثرًا ومقنعًا، حيث نجح في تجسيد الشخصية بعفوية وواقعية أثرت في قلوب المشاهدين. وكانت عبرت انيسة داود منتجة الفيلم عن املها في حصول الطفل على جائزة افضل ممثل خلال حفل الاختتام.
في المقابل لم يخل الفيلم من بعض الأخطاء في حبكة السيناريو حيث عرض بعض العادات التي لا تنتمي للثقافة التونسية، في علاقة بطقوس الدفن او اللباس…فضلا عن انه لم يتعمق في تناول مثلث الامن والإرهاب والمواطن بالشكل الكافي، واكتفى المخرج ببعض الايحاءات.
بساطة وعمق
وقد لعب الإخراج المحكم من قبل لطفي عاشور دورًا محوريًا في نقل المشاهد إلى عمق الأحداث بفضل التحكم المتقن في جميع عناصر السرد البصري. وأضفى السيناريو البسيط والعميق قوةً خاصةً على الفيلم، مما ساعد على إيصال الرسالة الإنسانية بشكل مؤثر. وانحسرت أماكن التصوير بين الجبل وبيت عائلة السلطاني والطرق المحيطة بها. وتميز فريق الفيلم في اختيار الموسيقى التصويرية المناسبة في عدد من المشاهد، حيث ساهمت اللقطات الجميلة والألحان المتناغمة في إضفاء عمق عاطفي ومشهدية بصرية أثرت في تجربة المشاهدة ككل.
وما يحسب لفريق الإنتاج ان الفيلم تميز باستخدام إمكانيات إنتاجية وتقنية محدودة، حيث اعتمد على بساطة المكان والزمان لإيصال رسالته بقوة. وتصويره في منزل محاط بالجبل، بعيدًا عن أجواء المدينة وضجيجها، مما أضفى عليه طابعًا خاصًا وشديد الواقعية. هذا الاختيار لم يتطلب تجهيزات ضخمة أو ميزانية كبيرة، مما أظهر مدى براعة فريق العمل في توظيف الموارد المتاحة لصنع تجربة سينمائية مؤثرة، تعكس التحدي والابتكار في آنٍ واحد.
كما لم يغفل العمل، الحديث عن الصعوبات الاقتصادية في ظل الإرهاب وتدهور الحالة الأمنية وخاصة مسؤولي الدولة، حيث غاب دور السلطات، من خلال الإعلان عن رفض توافد المسؤولين والقوات الأمنية ووسائل الاعلام الى بيت الضحية «نزار»، وتعمد المخرج التركيز على هذه النقطة وإبراز تعويل العائلات على امكانياتهم وأسلحتهم البسيطة لمواجهة تلك التهديدات.
وقد ترك فيلم «الذراري الحمر» بصمة واضحة لدى المشاهدين، إذ حظي بإشادات واسعة من النقاد والجمهور بفضل تناوله لقضية حساسة ومؤثرة. فاستطاع ان يعالج الفيلم ظاهرة الإرهاب بأسلوب إنساني وواقعي، مبرزًا تأثيرها العميق على الأفراد والمجتمع، كما وجه دعوة صريحة إلى ضرورة التكاتف لمواجهتها والتصدي لآثارها الخطيرة. رسالته القوية ومعالجته الدقيقة جعلته عملاً سينمائيًا يحفز التفكير ويثير النقاش حول واحدة من أهم القضايا التي عرفتها تونس، ولازالت تواجه العالم في العصر الحديث.
يذكر ان الفيلم فاز بعديد الجوائز الدولية منها جائزة «اليسر الذهبية» لأفضل فيلم طويل وجائزة أفضل مخرج في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، إضافة إلى جوائز أخرى، فيما حصل الطفل علي الهلالي على تنويه في مهرجان سينما البحر الأبيض المتوسط ببروكسيل.
ارتفاع تحويلات التونسيين بالخارج لفائدة احتياطي العملة الصعبة: مؤشرات إيجابية ..في انتظار تحقيق التوازن التام
سجّل الحجم الاجمالي لإعادة تمويل البنك المركزي التونسي للسوق النقدية تراجعا بنسبة 23 بالما…