ما بين تنظير المنظّرين وحسابات السياسيين ظلت فكرة المغرب العربي تتأرجح وما بين مشيئة التاريخ والجغرافيا وإرادة الفاعلين ظلت إمكانية التحقق تراوح مكانها، أو لنقل بالأحرى عرفت مدّا وجزرا على امتداد المراحل التاريخية وتأثرت بالمعطيات السياسية الداخلية لكل قطر من الأقطار الخمسة لهذا المجال الجغرافي تماما كما كان للاختيارات الاقتصادية والأنماط المجتمعية الأثر البالغ على هذا الكيان السياسي. ولا ننسى قطعا دور القوى الخارجية وفي مقدمتها المستعمر القديم لأهم الأقطار المغاربية.
ورغم حدوث المأسسة للفضاء المغاربي عام 1989 وكان ذلك ايذانا بتحقق الحلم الذي عاشت عليه أجيال عديدة إلا أن رياحا عاتية عصفت به وجاءت التحولات الكبرى التي عصفت بالمنطقة انطلاقا من تونس في شتاء 2011 لتضع عوائق عديدة في هذه المسيرة التي ظل شبح التركة الاستعمارية والخلافات السياسية يطاردها.
هذا الاستهلال فقط لتفسير تأصل الفكرة التوحيدية في المجال المغاربي ولفهم العراقيل والعوائق الكثيرة التي حالت دونها.
ورغم الفتور الكبير الذي شاب العلاقات الثنائية بين بعض البلدان المغاربية الا ان الرغبة في تجسير الفجوة بين الفرقاء كانت وستظل دائما قائمة خاصة في السياق الحالي ومع التحديات الكبرى التي تواجهها منطقتنا والتي تحتاج الى اكبر قدر ممكن من التكاتف والتضامن وتجاوز الخلافات التي يعود اغلبها الى التركة الاستعمارية الثقيلة.
ولعلّه من باب الإقرار بالحقيقة ودون السقوط في مدح الذات القول بأن تونس كانت دوما حريصة على وحدة هذا المجال الجغرافي وسعت بأشكال وطرائق مختلفة منذ التاريخ الوسيط الى اليوم الى إيجاد علاقات متينة مع جميع اطرافه ولم تعمل على التدخل في شؤون أحد.
وما تزال تجتهد من أجل توطيد عرى التعاون بين مختلف الأطراف. وهو ما تم التأكيد عليه مؤخرا من قبل وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج محمد علي النفطي لدى لقائه بالأمين العام لاتحاد المغرب العربي طارق بن سالم ، إذ عبر الوزير في الاجتماع الذي انعقد بمقر الوزارة عن دعم تونس المتواصل والمستمر لتنشيط أجهزة الاتحاد المغاربي وتطويرها والعمل على تفعيل آلياته في مختلف المجالات.
والأكيد ان بلادنا مؤمنة بحتمية العمل المغاربي المشترك وهي متمسكة بهذا المشروع الحضاري الكبير باعتباره مكسبا تاريخيا لشعوب هذا المجال الجغرافي وخيارا استراتيجيا لا محيد عنه لهذه المنطقة من أجل تحقيق التنمية المتضامنة المنشودة وتأمين أسباب الرفاه والمناعة والأمن والاستقرار لشعوب المنطقة المغاربية وهذا وفق ما جاء في بلاغ وزارة الشؤون الخارجية.
وفي السياق ذاته أكد الأمين العام لاتحاد المغرب العربي أنه يقدّر موقف تونس المتمسك بمنظومة المغرب العربي وسعيها الى تفعيل مؤسساته وتطويرها مؤكدا ان هذا يتماهى مع موقف الامانة العامة للاتحاد التي تسهر من جانبها على المحافظة على الصرح المغاربي وتحدوها آمال كبرى من أجل أن تتضافر جهود الجميع للنهوض بالمنطقة المغاربية نحو الأفضل.
ومن المهم هنا فهم السياقات الحالية في منطقتنا او في محيطنا الاقليمي إجمالا من أجل حسن إدارة الأوضاع الحالية وتجاوز كل مظاهر سوء الفهم او اختلاف وجهات النظر بشأن بعض القضايا وتقدير الموقف منها والتركيز فقط على ما يجمع الشعوب من مصالح اقتصادية وأمنية بالتحديد لضمان الاستقرار والتنمية في هذا المجال الجغرافي الذي يزخر بالخيرات والموارد التي يمكن استغلالها بشكل تكاملي في شكل تكتل اقتصادي حتما سيكون له ثقل على المستوى الإقليمي والعالمي ولا ننسى ان الاتحاد المغاربي سابق للاتحاد الأوروبي الذي اجتمع قادته من اجل مصلحة شعوبهم وتجاوزوا كل ما يقسّمهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

الاستثمار في الشباب رهان لابدّ من كسبه..!

مما لاشك فيه ان الشباب عماد الأمم وصانع مستقبلها والاهتمام بهذه الفئة العمرية هو أهم استثم…