ستمثّـل نقلة نوعية في حياة المواطنين : العدالة الصحية حجر زاوية في الدولة الاجتماعية
لم يسلم قطاع الصحة في بلادنا وخصوصا الصحة العمومية من النقد تماما مثل ما هو الحال مع النقل والتعليم وغيرها من القطاعات، غير أننا عندما نستحضر صمود جنود قطاع الصحّة خلال جائحة الكوفيد خلال السنوات القليلة الماضية نقف على حقيقة أن في الدولة الوطنية منجز، صمد وأدّى وظيفته رغم الوهن ورغم تراكم أخطاء منظومات الحكم المتعاقبة، وفيه موارد بشرية كفأة بمقدورها إسداء أفضل الخدمات للمواطنين متى كانت الرؤية واضحة والخيارات الاستراتيجية سليمة ومنسجمة مع الحقوق الإنسانية المتأصلة في بني البشر.
قبل يومين، أشرف وزير الصحة مصطفى الفرجاني على اجتماع المجلس الوطني للتجهيزات الطبية والتقنية، وهو إطار يسجل حضورا نوعيا للفاعلين في الحقل الصحي من ممثلي المجالس الطبية والهيئات المهنية والصندوق الوطني للتأمين على المرض ورؤساء اللجان الفنية للتصوير الطبي والمخابر الطبية إلى جانب إطارات الإدارة المركزية.
ولئن كان الاجتماع عاديا وفق جدول أعماله بما أنّه خُصّص لمراجعة المعايير والمقاييس المتعلّقة بالتجهيزات الطبية الثقيلة، فإن ما كان استثنائيا في تقديرنا هو الحديث عن رؤية وطنية تهدف إلى تحقيق العدالة الصحية وتقريب الخدمات من المواطنين في المناطق الداخلية.
والأمر يتعلّق هنا ببساطة بحسن توزيع التجهيزات الطبية الثقيلة كآلات المفراس وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي وقاعات القسطرة القلبية فالمناطق الداخلية تفتقر للأسف لهذه التجهيزات وحتى إن وجدت فهي معطّلة أو في أفضل الحالات ليس ثمّة مختصين لتشغيلها، وهذا ما يضرب في العمق حقوق المواطنين في هذه المناطق ويكرّس التمييز والتفاوت بين الجهات وينعكس ذلك بالضرورة على عيش التونسيين والسلم الاجتماعي.
ووفق مخرجات الاجتماع كما جاءت في الصفحة الرسمية للوزارة والقرارات الاستراتيجية المتّخذة فان تحقيق العدالة الصحية ليس مستحيلا بل هو الممكن بعينه ويكفي وضع خارطة عادلة لتوزيع التجهيزات والموارد البشرية وتخفيف القيود المرتبطة بتحقيق العدالة وتشجيع الاستثمارات الصحية بالمناطق الداخلية حتى تتم التغطية الصحية العادلة والشاملة لكل ربوع الوطن.
ولأن الأمر لا يتعلّق فقط بتوفير أدوات العمل بالسرعة المطلوبة في المدن الكبيرة والصغيرة الساحلية منها والداخلية فإن وزير الصحة كان مصيبا في تأكيده على التزام الدولة بتعزيز العدالة الصحية وربط ذلك بتوفير الخدمات الطبية بالجودة المطلوبة في جميع أنحاء الجمهورية، فنحن بحاجة الى خدمة تنقذ المواطن وتقيه وتحصّنه بقطع النظر عن النقطة الجغرافية التي يتواجد بها.
ان العدالة الصحّية هي في نهاية المطاف ركيزة من ركائز الدولة الاجتماعية وتحقيقها يتمّ بالشراكة التامّة بين جميع الأطراف المعنية بالخدمة الصحية والتي يكون هاجسها الرئيسي تحقيق العيش الكريم للمواطن.
لقد كانت الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية بشكل خاص حريصة على تأكيد قيمة العدالة الصحية بمفهومها الشامل والتحذير من أنّ ضربها يكرّس «الظلم الصحي».
بل أكثر من ذلك رفعت منظمة الصحة العالمية ذات يوم شعارا تحريضيا ومحفّزا إن جاز القول مفاده أن «غياب العدالة الصحية يقتل الناس» والقتل بالمعنى المباشر وحتى بالمجاز أسبابه عديدة وتمظهراته كثيرة ومنها قتل الخدمات في الجهات وقتل الشعور بالمساواة وقتل التجهيزات من خلال عدم الصيانة ومن خلال انتفاء الحرص على الجودة وهذه على ما يبدو هواجس برزت في مخرجات اجتماع وزارة الصحة الأخير والإعلان عن استراتيجيتها الجديدة للمرحلة القادمة.
في ظل الأوضاع الاقليمية والدولية الراهنة : شروط الصمود متوفّرة
تتسارع الأحداث في منطقتنا وتتواتر القراءات والتعليقات على ما يحدث هنا وهناك، ويذهب البعض ا…