لا شك ان قضايا التنمية من المعضلات المطروحة الآن على طاولة الدرس في بلادنا بعد عقود من اعتماد مناويل أثبتت عدم جدواها في الوقت الراهن بعد ان استوفت أحقية وجودها منذ زمن ونتيجة استفحال الأزمة الاقتصادية نتيجة الحيف الاجتماعي والجهوي والطبقي. وهذا ما يجعل من استنباط الحلول وابتكارها أمرا لا محيد عنه.
وما دمنا في مرحلة جديدة من تاريخنا المعاصر فهي بالتأكيد تقتضي إيجاد آليات عمل جديدة خاصة بعد أن أعلن الفاعلون السياسيون عن العناوين الكبرى لها سواء من خلال شعار البناء والتشييد أو من خلال الرهان على الدولة الاجتماعية باعتبارها خيارا لا مناص منه أو بالنسبة الى اعتماد مقاربات جديدة في مجال التنمية عموما والتنمية المحلية على وجه الخصوص واللامركزية.
والأكيد أن أحد الرهانات اليوم هو القيام بمراجعات عميقة في الشأن المحلي والجهوي من أجل تحقيق الاندماج المأمول وهو الذي تسعى اليه أي دولة.
وفي هذا الإطار يمكن تنزيل لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيّد برئيس الحكومة كمال المدوري بقصر قرطاج.
وكان هذا الاجتماع مناسبة للتأكيد من قبل رئيس الدولة على أن المحلي هو الذي ينبغي أن يبني المركز لأن اللامركزية واللامحورية أو المركزية التفويضية كما سادت لعقود أثبتت التجارب في عديد البلدان ضرورة تغييرها فقد آن أوان مراجعتها حتى تتسق مع متطلبات السياقات الحالية والتحولات الحاصلة فيها.
وهنا يجدر التذكير بأن رئيس الحكومة قد تولّى تمثيل رئيس الدولة في اجتماعات اللجنة الفنية للاتحاد الإفريقي المتخصصة في الوظيفة العمومية والجماعات المحلية والتنمية الحضرية واللامركزية التي انعقدت بتونس.
وفي افتتاح هذه الفعاليات أكد رئيس الحكومة كمال المدوري على المضيّ بإصرار وثبات في مسار الإصلاح والانفتاح على فرص التعاون مع الشركاء الافارقة على قاعدة المنافع المشتركة والسيادة الوطنية.
ولعل أحد مرتكزات الإصلاح في هذا الصدد هي المراجعات العميقة التي باشرتها بلادنا من اجل بناء مقاربة تنموية قائمة على مشاركة فعالة للجهات والأقاليم وفق تصورات متجددة ومعاضدتها ببناء مؤسساتي منسجم من خلال إحداث مؤسسة المجلس الوطني للجهات والأقاليم.
والاستعداد أيضا لإرساء المجالس المحلية والجهوية والاقاليم على نحو تحقق من خلاله الدولة وظيفتها في ضمان الاندماج المجالي ولتحتل من خلاله المسألة التنموية جوهر عمل هذه الهياكل.
وهنا من المهم أن نعي جيدا أهمية التحولات العميقة التي يشهدها العالم في اللحظة الراهنة خاصة في المقاربة والمفاهيم والنظريات المتصلة بحقل التنمية وبعلاقة المركز بالجهات. ويهمنا ان نستفيد من التجارب المقارنة لاسيما وبلادنا تمضي قدما في موضوع إرساء البناء القاعدي كفكرة مركزية تدور حولها السياسات المقترحة حاليا في المجال الاقتصادي وذلك سعيا الى القطع مع الماضي بكل إرثه الثقيل في مجال التنمية والمناويل التي اتبعت منذ الاستقلال.
ومعلوم ان بلادنا قد خاضت تجارب متنوعة ومتضاربة أحيانا في المجال الاقتصادي وجرّبت الكثير من المناويل لعل أهمها التجربة الاشتراكية التي تجلت في التعاضد وما حفّ به من معضلات سياسية واشكاليات اجتماعية قادت الى الاحتقان وهو ما حدا بالزعيم بورقيبة الى التراجع عنها في أواخر الستينات وكبدت البلاد خسائر جمة ثم جاءت التجربة الليبيرالية والتي لها ما لها وعليها ما عليها ورغم انها حررت المبادرة الخاصة وارست دعائم مؤسسات مهمة كانت من لبنات الاقتصاد الحر الا انها أدت الى كوارث اجتماعية ولعل الانفجار الكبير في الشارع التونسي والأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عصفت ببلادنا في أواخر السبعينات وحتى أواسط الثمانيات وما ترتب عنها خير دليل على ذلك. كما ان تجربة التفويت في ملك الدولة في بداية الالفية الجديدة أدت أيضا الى تبعات خطيرة ورغم الطفرة التي عرفتها نسبة النمو في أواسط الألفية الجديدة الا أن غياب التنمية العادلة والحيف الجهوي والطبقي قد قاد الى الانفجار الكبير أواخر 2010.
وبتأمل كل هذه الوقائع التاريخية من المهم ان نستفيد من كل ما حدث وان نقوم بالمراجعات العميقة التي آن اوانها من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان سبل التنمية المستدامة.
علاقات قوامها الاحترام والنّدية مع الاتحاد الأوروبي : تونس قلب المتوسط والشريك الاستراتيجي للأوروبيين..!
ريادة الأمم والشعوب في بعد من أبعادها تعود الى مشيئة التاريخ والجغرافيا حتى وإن أغفل البعض…